أميركا.. نعم للحوار لا للعنف
لم يقدر للعنف أبداً أن يكون أداة لحل أي اشكالية عبر التاريخ، بل على العكس تثبت تجارب الأمم والامبراطوريات أن مردود العنف كان على الدوام عنفاً مضاداً، لتبقى عجلة الكراهية هي الدائرة، ويتوقف الأمن وينعدم الأمان، ما يعني أن الحياة تفقد معناها ومبناها.
هل العنف الذي جرت به مقادير الأيام القليلة الماضية في الولايات المتحدة الأميركية بعيد عن المفهوم المتقدم، أي العنف الذي يولد عنفاً ويباعد من تباشير السلام وعودة الهدوء والطمأنينة؟
مؤكدا أن هناك إشكالية تاريخية في الداخل الأميركي، ينتصر عليها الأميركيون أوقاتا طوالا، لكن من حين إلى آخر يخفق البعض، ما يجعل من العيش الواحد واقعاً مهدداً، وهو ما نراه في شوارع المدن الأميركية بعد كل حادثة يقع فيها ضحية من الأميركيين الأفارقة، وعلى النسق المأساوي الذي جرى مع جورج فلويد مؤخراً.
كيف إذن يمكن التعاطي مع إشكالية العنصرية، لكن من غير عنف؟
في لقائه الأسبوعي الأربعاء الماضي، كان البابا فرنسيس يوجه خطابه إلى الأميركيين مشيراً إلى أنه لا يمكن غض الطرف عن العنصرية والإقصاء بأي شكل من الأشكال، وفي الوقت نفسه ينبغي الدفاع عن حياة الإنسان المقدسة، والاعتراف بأن عنف الليالي الأخيرة مدمر ذاتياً، فلا شيء يكسب من العنف والخسائر كثيرة.
وفي تعليقه كان فرنسيس يستخدم تعبيراً لاهوتياً قاسياً «خطيئة التمييز العنصري»، وهو يدرك أن التمييز في الداخل الأميركي لا يتوقف عند الرجل الأفروأميركي، بل يتخطاه إلى المغاير ديناً ومذهباً، كما الحال مع الإسلاموفوبيا مرة، والعداء للسامية مرة أخرى، ما جعل مساجد للمسلمين، وكُنساً لليهود، بل وكنائسَ للسود تضحى أهدافا للعنصرية، ويسقط داخلها ضحايا على يد شركاء في الإنسانية آفتهم الغادرة هي التطرف الذهني الذي لا ينفك يضحى إرهاباً متجسداً على الأرض. ولعله من الحقائق التي لا ينبغي الإشارة إليها أن فرنسيس لم يكن أول من نادى بإنهاء العنصرية في الداخل الأميركي، فقد سبقه إلى ذلك مارتن لوثر كنج صاحب الدور الكبير والحيوي في أميركا خلال ستينات القرن الماضي.
هل على أميركا اليوم أن تستمع إلى صوت هذا الراحل الكبير الذي دفع حياته ثمناً لمبادئه التي آمن بها؟ لقد نجحت خطة «لوثر» في إحقاق الحقوق المدنية للسود في أميركا من خلال التخلي عن العنف، رافضاً اعتبار البعض أن المقاومة السلمية طريق الجبناء، ومؤكداً على أن العنف الجسدي يولد الكراهية ويعمل على استمرارها لا إنهائها، وبهذا تمضي سلسلة العنف دون جدوى. كان طريق «لوثر» هو الحوار البنّاء مع الخصم، واعتبر كذلك أن المعارضة السلمية لا تسعى إلى هزيمة أو إذلال الطرف الآخر، وإنما تسعى لأن تكسبه كصديق، ومن خلال الحوار يمكن إيقاظ إحساس الخجل بداخله كإنسان.
أميركا مدعوة اليوم إلى العيش سوية أو الهلاك معاً، فانظر ماذا ترى؟
*كاتب مصري