الاستخلاصات متعارضة، حتى فيما يتعلّق بـ«كوفيد -19» نفسه، والحقيقة الحالية الوحيدة هي العالم الافتراضي، رغم التناقص في هذه العبارة التي تجعل الافتراضي حقيقةً! «زهقنا من كوفيد -19 والكلام عنه»، قالها صديق عزيز، عندما أرسل لي مقاله عن النظام العالمي القادم، وفي الواقع فالمقال نفسه يتكلّم عن تطورات العولمة في عالم جائحة كوفيد -19 وما بعده، بمعنى آخر عندما نتجنب الكلام عن الحاضر الذي تسيطر عليه هذه الجائحة، ثم نتكلّم عن المستقبل، فلن نستطيع تجاهل تأثير كوفيد -19، وسأوضح هذا عن طريق مثال يتحكم في أحوالنا اليوم، ألا هو السيطرة المتزايدة للإنترنت والعالم الافتراضي.
في مجال عملي، وهو التدريس الجامعي، فوجئنا بالجائحة، وكان القرار فوراً بعدم مقابلة الطلبة وجهاً لوجه، مع العلم بأن أسلوب التعليم عن بعد ليس جديداً بالمرة، نحن نعرف مثلاً أن نظام الانتساب في بعض الكليات النظرية في العلوم الاجتماعية معمول به كحل وسط لبعض الطلبة الذين لم يستطيعوا الالتحاق ميدانياً بكلياتهم لأسباب مختلفة، كما نعرف أن بعض «الجامعات» في عدد من الدول الغربية، مثل أميركا وبريطانيا، تمارس التعليم عن بعد لمنح شهادات الماجستير والدكتوراه، عادة مقابل رسوم مالية ضخمة لا تعادل الناتج العلمي المفروض أن تؤديه هذه الجامعات، التي اعتبرها البعض جامعات وهمية، ورفض الاعتراف بشهاداتها، وكان ذلك سبباً في السمعة السابقة السيئة للتعليم عن بعد.
لذا فحين بدأت الجامعات المعترف بها ممارسة التعليم عن بعد، في الماضي، حاولت أن تتبع نظاماً مختلفاً للدرجات العلمية العليا، فهذه الجامعات تعتقد أن دراسة الدكتوراه هي فعلاً لباحثين ناضجين تعدوا مرحلة الجلوس في مقاعد مدرسية وتلقي دروس تقليدية، وبالتالي فعليهم البحث والتنقيب في المكتبات، لذلك حاولت هذه الجامعات في حينه تجنّب وصمة التعليم عن بعد، وذلك باشتراطها إقامة الطالب مدة عام على الأقل في محراب الجامعة، كجزء لا يتجزأ من درجة الدكتوراه.
وينبغي القول أيضاً: إنه قبل هجمة فيروس كورونا المستجد (المسبب لكوفيد -19)، كان هناك إحساس بأن التعليم إلكترونياً (أو افتراضياً) قادم لا محالة، لكن كان الرأي هو الاستعداد له وتأجيله أطول مدة ممكنة.
عندما استطلعت المجلة العريقة، «التايمز للتعليم العالي» (Times Higher Education) آراء كبار المسؤولين في أبرز الجامعات في 45 دولة، كان هناك شبه إجماع على أن التعليم الافتراضي لا يعادل بالمرة فوائد التعليم وجهاً لوجه، حيث أكد العديد منهم أن مقابلة الطلاب لأساتذتهم، وكذلك التفاعل المباشر بين الطلاب، هو من أهم وسائل الفهم والتفاهم، وبالتالي فإن التعليم الإلكتروني لا يقوم بأهم أدواره، وهو تهيئة الطلاب للتعامل مع الديناميكيات الاجتماعية المباشرة، الآن فوجئنا بهذا التعليم الافتراضي ولم يكن لنا عنه من بد، لذلك ينبغي تقييم التجربة من أجل التخطيط للمستقبل، لأن التعليم لا يمس هذا الحاضر فقط، بل هو بحق أساس المستقبل.
بدايةً، هناك ميزة هامة للتعليم الإلكتروني، حيث يسمح للطالب بمتابعة الدرس في أفخم وأعرق جامعات العالم دون الخروج من المنزل، لكننا يجب أن نتذكر أن هذه الميزة، هي كالفارق بين زيارة مكان ما ومشاهدة فيديو حوله، إذ شتان ما بين التجربتين.
هناك مثلب آخر يجب التفكير فيه، وهو أن التعليم الإلكتروني سيزيد من التفاوت وعدم المساواة في العالم، فحتى في ولاية نيويورك، لا يتوفر جهاز كمبيوتر شخصي لكل فرد، كما لا يملك جميع الأفراد القدرة على الاشتراك في خدمة الإنترنت.. فما بالنا بأشخاص يعيشون في بعض البلاد الفقيرة في أفريقيا وأميركا الجنوبية، وخاصة في المناطق الريفية، حيث ما تزال التكنولوجيا في بداياتها الأولى، وبعض الأهالي لم يعرفوا الإنترنت بعد.
يتمتع العالم الافتراضي بسيطرة متزايدة، في التعليم وغيره من نواحي الحياة، لذلك فإنه بعد مرحلة الارتجال التي فرضتها هجمة كورونا المفاجئة، ينبغي تقييم تجربة التعليم عن بعد بجدية كافية والتخطيط لعالم الغد، لأن من يفشل في التخطيط يخطط للفشل.
في مجال عملي، وهو التدريس الجامعي، فوجئنا بالجائحة، وكان القرار فوراً بعدم مقابلة الطلبة وجهاً لوجه، مع العلم بأن أسلوب التعليم عن بعد ليس جديداً بالمرة، نحن نعرف مثلاً أن نظام الانتساب في بعض الكليات النظرية في العلوم الاجتماعية معمول به كحل وسط لبعض الطلبة الذين لم يستطيعوا الالتحاق ميدانياً بكلياتهم لأسباب مختلفة، كما نعرف أن بعض «الجامعات» في عدد من الدول الغربية، مثل أميركا وبريطانيا، تمارس التعليم عن بعد لمنح شهادات الماجستير والدكتوراه، عادة مقابل رسوم مالية ضخمة لا تعادل الناتج العلمي المفروض أن تؤديه هذه الجامعات، التي اعتبرها البعض جامعات وهمية، ورفض الاعتراف بشهاداتها، وكان ذلك سبباً في السمعة السابقة السيئة للتعليم عن بعد.
لذا فحين بدأت الجامعات المعترف بها ممارسة التعليم عن بعد، في الماضي، حاولت أن تتبع نظاماً مختلفاً للدرجات العلمية العليا، فهذه الجامعات تعتقد أن دراسة الدكتوراه هي فعلاً لباحثين ناضجين تعدوا مرحلة الجلوس في مقاعد مدرسية وتلقي دروس تقليدية، وبالتالي فعليهم البحث والتنقيب في المكتبات، لذلك حاولت هذه الجامعات في حينه تجنّب وصمة التعليم عن بعد، وذلك باشتراطها إقامة الطالب مدة عام على الأقل في محراب الجامعة، كجزء لا يتجزأ من درجة الدكتوراه.
وينبغي القول أيضاً: إنه قبل هجمة فيروس كورونا المستجد (المسبب لكوفيد -19)، كان هناك إحساس بأن التعليم إلكترونياً (أو افتراضياً) قادم لا محالة، لكن كان الرأي هو الاستعداد له وتأجيله أطول مدة ممكنة.
عندما استطلعت المجلة العريقة، «التايمز للتعليم العالي» (Times Higher Education) آراء كبار المسؤولين في أبرز الجامعات في 45 دولة، كان هناك شبه إجماع على أن التعليم الافتراضي لا يعادل بالمرة فوائد التعليم وجهاً لوجه، حيث أكد العديد منهم أن مقابلة الطلاب لأساتذتهم، وكذلك التفاعل المباشر بين الطلاب، هو من أهم وسائل الفهم والتفاهم، وبالتالي فإن التعليم الإلكتروني لا يقوم بأهم أدواره، وهو تهيئة الطلاب للتعامل مع الديناميكيات الاجتماعية المباشرة، الآن فوجئنا بهذا التعليم الافتراضي ولم يكن لنا عنه من بد، لذلك ينبغي تقييم التجربة من أجل التخطيط للمستقبل، لأن التعليم لا يمس هذا الحاضر فقط، بل هو بحق أساس المستقبل.
بدايةً، هناك ميزة هامة للتعليم الإلكتروني، حيث يسمح للطالب بمتابعة الدرس في أفخم وأعرق جامعات العالم دون الخروج من المنزل، لكننا يجب أن نتذكر أن هذه الميزة، هي كالفارق بين زيارة مكان ما ومشاهدة فيديو حوله، إذ شتان ما بين التجربتين.
هناك مثلب آخر يجب التفكير فيه، وهو أن التعليم الإلكتروني سيزيد من التفاوت وعدم المساواة في العالم، فحتى في ولاية نيويورك، لا يتوفر جهاز كمبيوتر شخصي لكل فرد، كما لا يملك جميع الأفراد القدرة على الاشتراك في خدمة الإنترنت.. فما بالنا بأشخاص يعيشون في بعض البلاد الفقيرة في أفريقيا وأميركا الجنوبية، وخاصة في المناطق الريفية، حيث ما تزال التكنولوجيا في بداياتها الأولى، وبعض الأهالي لم يعرفوا الإنترنت بعد.
يتمتع العالم الافتراضي بسيطرة متزايدة، في التعليم وغيره من نواحي الحياة، لذلك فإنه بعد مرحلة الارتجال التي فرضتها هجمة كورونا المفاجئة، ينبغي تقييم تجربة التعليم عن بعد بجدية كافية والتخطيط لعالم الغد، لأن من يفشل في التخطيط يخطط للفشل.