طه حسيب (أبوظبي) 

«الهجرة ليست قضية ينبغي معالجتها أو مشكلة يجب حلها، إنما هي واقع إنساني علينا أن نديره معاً. وللقيام بذلك علينا التعامل مع الهجرة بوصفنا مسؤولين، وفي الوقت نفسه باعتبارنا إنسانيين»، هكذا علّق ويليام سوينج، مدير عام المنظمة الدولية للهجرة، على اتفاقية انضمام المنظمة رسمياً إلى منظومة الأمم المتحدة، قبل 8 سنوات وتحديداً يوم 19 سبتمبر 2016، في ظل قناعة راسخة لدى المنظمة الأممية بأن الهجرة باتت اتجاهاً ضخماً في القرن الحادي والعشرين، آنذاك قال سوينج: «إذا كان المهاجرون يمثلون دولة سيصبحون أصغر قليلاً من إندونيسيا وأكبر بعض الشيء من البرازيل، وسيكون ناتجها المحلي الإجمالي يعادل الناتج المحلي لدولة متوسطة من دول أوروبا». ومن أجل استيعاب تحديات الهجرة، وتحت رعاية الأمم المتحدة، انعقد مؤتمر حكومي دولي في مدينة مراكش المغربية يوم 10 ديسمبر 2018، ليصدر عنه «الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية».

في 7 مايو الماضي، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة تقرير «الهجرة العالمية 2024»، كشفت خلاله عن أن عدد المهاجرين في العالم بلغ 281 مليون نسمة، وأن تحويلاتهم النقدية في عام 2022 بلغت 831 مليار دولار، وحصلت الدول متوسطة ومنخفضة الدخل على 647 مليار دولار من إجمالي تحويلات المهاجرين. ويشير تقرير صدر العام الماضي عن البنك الدولي إلى أن نسبة المهاجرين تبلغ 2.3% من إجمالي سكان العالم، و40% من إجمالي المهاجرين تستوعبهم بلدان مرتفعة الدخل، منهم 64 مليون مهاجر لأسباب اقتصادية، ونحو 10 ملايين لاجئ.

تعريف «أوروبي وأممي»

ويُعرِّف البرلمان الأوروبي الهجرة بأنها انتقال الناس من مكان إلى آخر، ليستقروا في مكان جديد.. قد تكون طوعية أو غير طوعية، وتحدث لأسباب مختلفة، اقتصادية وبيئية واجتماعية. ولأغراض إحصائية، تُعرِّف الأمم المتحدة المهاجر الدولي بأنه أي شخص غيَّر بلد إقامته. ويشمل ذلك جميع المهاجرين، بغض النظر عن وضعهم القانوني، أو طبيعة حركتهم أو دوافعها. وتظل الهجرة قضية عالمية تعكس واقع التفاوتات الراهنة بين شمال عالمي متقدم- مستقر، وجنوب متعثر- مضطرب، وبين بلدان نجحت في مسيرة التنمية وأخرى انزلقت في أتون صراعات أهلية أو حروب علنية أو خفية باردة أو بالوكالة.

وعادة ما تلخص خرائط تدفق المهاجرين ومحطات ارتكازهم  وانطلاقهم إلى وجهاتهم المعتادة  مشهد الاستقرار والاضطراب في عالم القرن الحادي والعشرين.

  • جانب من الحدود الأميركية- المكسيكية. (الصورة من خدمة نيويورك تايمز)

 

أسباب متنوعة

تتعدد أسباب الهجرة النظامية وغير النظامية، وتتضمن اعتبارات اجتماعية وسياسية، من أهمها: الاضطهاد العِرقي أو الديني أو الثقافي، ما يدفع الناس إلى مغادرة بلدهم.

وهناك الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة، فالفارون منها هم لاجئون لأسباب إنسانية. في السنوات الأخيرة، يتدفق المهاجرون إلى أوروبا بأعداد كبيرة تحت وطأة الصراع والإرهاب والاضطهاد في أوطانهم. ومن بين 384245 طالب لجوء حصلوا على وضع الحماية في الاتحاد الأوروبي في عام 2022، جاء أكثر من ربعهم من سوريا التي مزقتها الحرب، وحلت أفغانستان وفنزويلا بالمركزين الثاني والثالث على التوالي كمصدر للمهاجرين إلى أوروبا في العام نفسه. جزء من السجال الانتخابي بين متشدد في التعامل مع ملف الهجرة ومتفهم لحتميتها وضرورة مواءمة السياسات لمعالجة آثارها السلبية، تتبادل الأحزاب السياسية في الغرب السجال، وربما تُزايد من خلالها على بعضها بعضاً في الاستحقاقات الانتخابية.

وعادة ما نلحظ مواقف ثابتة معادية للهجرة من الأحزاب اليمينية أو المحافظة في أوروبا، مقابل مواقف متزنة أو أكثر واقعية تتبناها تيارات يسارية، وهو ما يتواتر بوضوح في بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وفي الولايات المتحدة الأميركية، وحسب تقديرات وزارة الأمن الداخلي، يوجد 11 مليون مهاجر غير شرعيين، ما جعل المهاجرين قضية بارزة في انتخابات الرئاسة الأميركية، التي حُسمت بفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي حمّل -خلال حملته الانتخابية- الإدارة «الديمقراطية» الحالية المسؤولية عن المخاطر الأمنية الناجمة عن الهجرة، ويدعو لترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وإنهاء ما يراه «سياسة الحدود المفتوحة» التي انتهجتها إدارة بايدن، وهي مهمة يصعب تحقيقها من الناحية اللوجستية، وحتى السيناتور «الجمهوري» جي دي فانس، المرشح لمنصب نائب الرئيس، اعترف بأن ذلك لا يمكن أن يحدث دفعة واحدة، قائلاً: «لنبدأ بمليون وبعد ذلك نمضي قدماً». ثمة حاجة إلى استقبال المهاجرين لتعويض النقص الواضح في قوة العمل، خاصة في دول الاتحاد الأوروبي، لكن التوظيف السياسي لمسألة الهجرة، يجعل أحزاب اليمين واليمين المتشدد، تلجأ إلى ربط مشكلات البطالة والتضخم والهوية الثقافية والجريمة بالمهاجرين، وتوظيف خطاب معادٍ لهم لحشد تأييد الناخبين.

وضمن هذا الإطار، فاز حزب «البديل من أجل ألمانيا»، اليميني المتطرف في الانتخابات الألمانية للمرة الأولى منذ العصر النازي، الحزب يربط بين المشكلات الاقتصادية في البلاد مثل التضخم وارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة أعداد المهاجرين، خاصة منذ عام 2015 الذي استقبلت فيه ألمانيا مليوني لاجئ، ويتبنى خطاباً يرتكز على كراهية الأجانب.

وفي بريطانيا، تتباين مواقف حزب «المحافظين» عن غريمه التقليدي حزب «العمال»، فبينما شدد حزب «المحافظين» البريطاني -خلال حكومة ريشي سوناك- القيود على منح تأشيرات اللجوء، وتبنى سياسة ترحيل اللاجئين إلى رواندا، في ظل شعار «أوقفوا القوارب» الذي يتبناه الحزب مسبقاً، تبنت حكومة «العمال» بزعامة كير ستارمر -منذ يوليو الماضي- مقاربة واقعية لعلاج أزمة الهجرة من جذورها بتخصيص 84 مليون جنيه إسترليني لتمويل مشاريع جديدة في القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، تتمحور حول التعليم والتدريب والدعم الإنساني.

ضغوط ديموغرافية

يحدد التغير الديموغرافي كيفية تحرك الناس وهجرتهم. ويؤثر تزايد عدد السكان أو تقلصهم أو شيخوخة السكان أو شبابهم على النمو الاقتصادي وفرص العمل في بلدان المنشأ أو سياسات الهجرة في بلدان المقصد. وتأتي «الهجرة الإحلالية» لتغطية انخفاض معدلات المواليد وزيادة نسبة الشيخوخة في المجتمعات الغربية، وكما يحتاج العالم المتقدم كفاءات بشرية من دول الجنوب، فإنه يحتاج أيضاً مهاجرين في وظائف يعتبرها سكان الدول المتقدمة « خطرة- مهينة».

 

ترتبط الهجرة الديموغرافية والاقتصادية بضعف معايير العمل وارتفاع معدلات البطالة ومشكلات الصحة العامة. وتشمل عوامل الجذب ارتفاع الأجور، وفرص تعليم وعمل أفضل، ومستوى معيشة أعلى. وإذا لم تكن الظروف الاقتصادية مواتية أو عرضة لخطر المزيد من التدهور، فمن المحتمل أن يهاجر عدد أكبر من الناس إلى بلدان ذات توقعات أفضل. مهاجرون من أجل العمل وفقاً لمنظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، بلغ عدد العمال المهاجرين -الذين يُعرّفون بأنهم الأشخاص الذين يهاجرون بهدف الحصول على عمل- 169 مليوناً في جميع أنحاء العالم في عام 2019، ويمثلون أكثر من ثلثي المهاجرين الدوليين. ويتركز أكثر من ثلثي العمال المهاجرين في البلدان المرتفعة الدخل، كما أن 80% من الهجرة الأفريقية سببها الرئيسي العامل الاقتصادي.

الهجرة مقابل زيادة الشيخوخة

شيخوخة السكان أصبحت تحدياً ديموغرافياً كبيراً في دول أوروبا الموحدة. فوفقاً لـ«يوروستات»، المؤسسة المعنية بتقديم إحصائيات عن الاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن ترتفع نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر في الاتحاد الأوروبي من 20.6% في عام 2020 إلى 30.3% بحلول عام 2070. وينجم عن هذا التحول خلل في التوازن الديموغرافي، مع تزايد عدد المتقاعدين وتقلص القوى العاملة.

ولا تؤدي شيخوخة السكان إلى زيادة العبء على أنظمة الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى انخفاض عدد الأفراد في سن العمل لدعم النمو الاقتصادي. ويمكن للمهاجرين، خاصة الشباب منهم، أن يساعدوا على موازنة هذا الاتجاه من خلال تجديد القوى العاملة والمساهمة في استدامة أنظمة الرعاية الاجتماعية.

وعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يتقلص عدد سكان إيطاليا إلى النصف بحلول 2100 ليصبح 32 مليوناً من أصل 59 مليون نسمة. على النقيض، من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان نيجيريا أربع مرات من 213 مليون نسمة إلى 791 مليوناً. ومع تقاعد جيل طفرة المواليد في ألمانيا (بين عامي 1946 و1964) وانخفاض معدلات المواليد، تتقلص قوة العمل بنحو 1 في المائة كل عام. وهذا يعني خسارة سنوية لأكثر من 400 ألف عامل في بلد يكافح فيه أكثر من نصف أصحاب العمل لملء الشواغر في مؤسساتهم. وفي بريطانيا، أصبح المهاجرون يشكلون 20% من العاملين في خدمة الصحة الوطنية والبالغ عددهم 1.5 مليون شخص، ومع ارتفاع أعداد المهاجرين في المملكة المتحدة، كان لدى قطاع الصحة العام الماضي 150 ألف وظيفة شاغرة.

واليوم، تقترب نسبة المهاجرين من إجمالي عدد السكان في العديد من الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من حصة الولايات المتحدة، التي كانت 13.9% في عام 2022، أو تتجاوزها. وتبلغ النسبة 20% في السويد، و18 بالمئة في ألمانيا، و17 بالمئة في النرويج، و15 بالمئة في هولندا، و11 بالمئة في فرنسا والدنمارك، و10 بالمئة في إيطاليا، بحسب الأرقام الأخيرة.

  • شرطة حرس الحدود في كاليفورنيا تنظم مرور مجموعة من المهاجرين. (الصورة من خدمة نيويورك تايمز)

 

صدارة أميركية

ووفقاً لأحدث بيانات شُعبة السكان التابعة للأمم المتحدة، فإنه خلال الفترة من منتصف عام 2018 إلى عام 2020، تعد الولايات المتحدة موطناً لعدد أكبر من المهاجرين الدوليين مقارنة بأي دولة أخرى في العالم، وأكثر من الدول التي تليها (ألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة) مجتمعة، في حين أن سكان الولايات المتحدة يمثلون حوالي 5% من إجمالي سكان العالم، فإن ما يقارب 20% من جميع المهاجرين العالميين يقيمون في الولايات المتحدة. وبعدما كان الأوروبيون يمثلون النسبة الأكبر من المهاجرين القادمين إلى الولايات المتحدة الأميركية خلال ستينيات القرن الماضي، أصبح مهاجرو أميركا اللاتينية وآسيا يشكلون الآن النسبة الأكبر.

الهجرة البيئية والمناخية

تجبر الكوارث الطبيعة الناس على النزوح لتفادي أضرار الفيضانات والأعاصير والزلازل، ومع زيادة وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة، يزداد عدد النازحين. وتُعرِّف المنظمة الدولية للهجرة «المهاجرين البيئيين» بأنهم من يضطرون لمغادرة مناطقهم داخل بلادهم أو خارجها بشكل دائم أو مؤقت، ما يلحق الضرر بظروفهم المعيشية.

من الصعب تقدير عدد دقيق للمهاجرين البيئيين الموجودين على مستوى العالم، وتتراوح التقديرات ما بين 25 مليوناً ومليار بحلول عام 2050. وحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإنه خلال الفترة من 2008 إلى 2015، نزح 26 مليون شخص سنوياً بسبب الكوارث المرتبطة بالمناخ والطقس. ومع زيادة وتيرة الأعاصير والجفاف والفيضانات وتأثيرها في المجتمعات الضعيفة في كثير من الأحيان، من المتوقع أن يتزايد تأثير تغير المناخ على الهجرة بشكل أكبر. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أنه بحلول عام 2050، سيعيش 143 مليون شخص في ثلاث مناطق معرضة للخطر بشكل خاص، هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وجنوب آسيا، وأميركا اللاتينية.

  • لوسي بيرجر، سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى دولة الإمارات العربية المتحدة،

 

«البطاقة الزرقاء الأوروبية»

في تصريح خاص لـ«الاتحاد»، أكدت لوسي بيرجر، سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، أن الهجرة واقع عالمي وجزء لا يتجزأ من العلاقات التي تربط الاتحاد الأوروبي بشركائه في جميع أنحاء العالم. وأضافت أن الاتحاد الأوروبي يستطيع إدارة هذه الظاهرة بطريقة إنسانية وكريمة، من خلال «ميثاق الهجرة واللجوء»، الذي يتضمن إصلاحات ودعماً عملياً للدول الأعضاء في الاتحاد. وأوضحت «بيرجر» أن الاتحاد الأوروبي يعمل بشكل وثيق مع الشركاء الدوليين لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة، ومكافحة التهريب، وتعزيز المسارات القانونية من خلال مبادرات مثل «التحالف العالمي لمكافحة تهريب المهاجرين»، الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي في نوفمبر 2023 لتعزيز التعاون مع الدول الشريكة في مجالات الوقاية والاستجابة والحماية والبدائل للهجرة غير النظامية.

وأكدت «بيرجر» للاتحاد أن الاستمرار في المنافسة العالمية، يدفع الاتحاد الأوروبي نحو جذب المواهب والاحتفاظ بها، لتعزيز النمو والابتكار وتوجيه الهجرة القانونية إلى الدول والقطاعات التي تحتاجها أكثر. كما يمكن أن يؤدي تطوير التعاون في مجال هجرة اليد العاملة مع الشركاء من الدول خارج الاتحاد الأوروبي إلى فائدة متبادلة، حيث يعود بالخبرات والدعم المالي إلى اقتصاد بلد الأصل. وتهدف مبادرات مثل «حزمة تنقل المهارات والمواهب» إلى إنشاء مجموعة مواهب أوروبية وتبسيط الاعتراف بالمؤهلات للمواطنين من الدول الأخرى، وتعزز شبكة «البطاقة الزرقاء الأوروبية»، التي تم تعديلها مؤخراً جاذبية الاتحاد الأوروبي للعمال المهرة من خلال تقديم شروط قبول مرنة وحقوق محسنة، بينما يسهل الإجراء المبسط للتصريح الموحد تقديم طلبات الإقامة والعمل للمواطنين غير الأوروبيين، مما يقوي الحماية ضد الاستغلال، وهذه الجهود مجتمعة تحفز النمو الاقتصادي في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.

  • ريكايرد جالكيبرو، أستاذ مشارك في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية.

 

شراكات إقليمية وبرامج تنموية

وفي تصريح خاص لـ«الاتحاد»، أكد ريكايرد جالكيبرو، أستاذ مشارك في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، أن الحل العملي لقضية الهجرة في الشرق الأوسط يتطلب نهجاً متعدد الجوانب يعالج الأسباب الجذرية للهجرة ويوفر الدعم لبلدان المصدر والعبور على حد سواء.

فأولاً: يجب العمل على تحسين استقرار الظروف السياسية والاقتصادية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من خلال برامج تنموية موجهة، وجهود لحل النزاعات، ودعم الاستثمار في البنية التحتية، وذلك للتخفيف من العوامل الدافعة التي تجبر الكثيرين على الهجرة.

ويرى جالكيبرو أن عقد شراكات إقليمية تضم دول الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا خطوة ضرورية لتعزيز النمو الاقتصادي والحد من أسباب الهجرة. ثانياً: يُعد تحسين أنظمة إدارة الهجرة أمراً بالغ الأهمية في دول العبور بجنوب البحر المتوسط.

ويوضح جالكيبرو أن هذا المسعى يتضمن تعزيز أمن الحدود لمنع الاتجار بالبشر، وتطوير مسارات قانونية للهجرة، وضمان معاملة إنسانية للمهاجرين مع توفير إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية. كما أن التعاون مع الاتحاد الأوروبي ضروري لتقاسم أعباء إدارة الهجرة، وتقديم الدعم المالي لدول العبور، وتطوير أطر لإعادة توطين اللاجئين. وأكد جالكيبرو أن تعزيز الفرص الاقتصادية في كلٍ من البلدان المصدرة للمهاجرين وبلدان العبور يمكن أن يوفر بدائل فعّالة للهجرة.

إن تحسين سبل العيش من خلال الشراكات الاقتصادية الإقليمية، والتدريب المهني، ومبادرات خلق فرص العمل، قد يسهم في تقليص الحاجة إلى الهجرة. وبالتالي، فإن معالجة الأسباب الجذرية للهجرة، إلى جانب تحسين إدارة الهجرة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، يمكن أن يشكل استجابة أكثر استدامة للتحديات المستمرة التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.

 

مقترحات أوروبية

في عام 2016، وقَّع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع تركيا، تقضي بأن تحتفظ الأخيرة باللاجئين السوريين على أراضيها مقابل مساعدات مالية أو استثمارات، وذلك على اعتبار أن الاتفاق يمنع تدفق المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا، ولجأت تركيا أحياناً لاستخدام هذه الورقة كأداة ضغط على التكتل.

وللحد من تدفقات المهاجرين، التزم الاتحاد الأوروبي بتدريب وتجهيز خفر السواحل الليبيين، وتوصلت بروكسل في الآونة الأخيرة إلى اتفاق مماثل مع تونس وموريتانيا، وأيضاً مصر، التي يوجد لديها -حسب المنظمة الدولية للهجرة- 9 ملايين مهاجر ولاجئ -بما في ذلك 4 ملايين سوداني، و1.5 مليون سوري. ويطمح الاتحاد الأوروبي إلى كبح موجات الهجرة القادمة إلى دول التكتل من شمال أفريقيا عبر البحر المتوسط الذي يعد مسار الهجرة الأكثر خطورة، حيث لقي 2500 شخص حتفهم جراء محاولة المرور عبره إلى أوروبا في عام 2023.

بداية الحل

تدفقات المهاجرين تظل مجرد عرض لمجموعة تحديات متراكمة في دول الجنوب عموماً، أهمها الفشل التنموي وغياب الاستقرار وشح الموارد والاضطرابات السياسية والصراعات المتواصلة، وبداية الحل تكمُن في نزع فتيل الصراعات، وتمويل التنمية المستدامة والمتوازنة في دول الجنوب، التي تضمن عدالة التنمية بطريقة تعزز التكامل الوطني، وأيضاً تقديم الدعم الفني لهذه الدول عبر المنظمات الدولية والاتفاقيات الثنائية، وتعزيز دور المنظمات الإقليمية في احتواء أزمة الهجرة. أما في دول الشمال، فعليها تقنين آليات واضحة لاستيعاب وإدماج المهاجرين، وكبح النعرات المتطرفة المعادية لهم، والمنكرة لدورهم قوةَ إنتاج ومصدراً للكفاءات ومحركاً للنمو الاقتصادي، وبث رسالة تسامح في التعامل مع المهاجرين الشرعيين، واحترام ثقافاتهم من أجل بناء المواطنة الإيجابية.