أكرم ألفي، عبد الله أبوضيف (القاهرة، واشنطن)
تشهد بورصة «وول ستريت» حالة من عدم اليقين في ترجمة لتنافسية وتقارب شديد في السباق إلى البيت الأبيض، والتي قد لا يستطيع أحد تحديد نتائجها إلا في يوم إغلاق صناديق الاقتراع في 5 نوفمبر 2024.
اليوم التالي للانتخابات يكون في الأغلب يوم صعود مؤشرات الأسهم الأميركية بعد انتهاء السباق والوصول إلى اليقين.. تقليدياً كان يوم الأربعاء التالي للانتخابات هو يوم ارتفاع جماعي للأسهم تتزين فيه «وول ستريت» باللون الأخضر، باستثناء الانتخابات المعلقة مثل انتخابات بوش وآل غور.
ويبدو توقع حركة الأسهم بناء على فوز الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب أو نائبة الرئيس الأميركي الديمقراطية كامالا هاريس بمثابة «تنجيم»، فمؤشر سوق المال هو تعبير عن الأرباح وليس حديث «الساكن» في البيت الأبيض.
وفي انتخابات 2024، لا يزال التيار العام في «وول ستريت» يفضل المرشح الجمهوري ولكن الملفت في سباق العام الجاري هو دخول هاريس على الخط وحصولها على دعم العديد من كبار الشخصيات في سوق الأسهم في تحول لمرشح ديمقراطي كسب ثقة «وول ستريت».. هذه الوضعية تجعل «وول ستريت» أكثر طمأنينة يوم الانتخابات عن أي انتخابات سابقة، فمهما كان الفائز، فسوق المال سينتصر !.
الأسهم تبحث عن «ترامب»
عقب انتخاب دونالد ترامب في 2016، شهدت بورصة «وول ستريت» ارتفاعاً كبيراً في التداولات نتيجة ارتفاع أحجام العقود الآجلة إلى مستوى قياسي بلغ 44.5 مليون عقد في اليوم التالي للانتخابات.. وفي عام 2019، ارتفع مؤشر البورصة بنسبة 59 في المئة خلال سنة واحدة تحت قيادة ترامب نتيجة لسياساته الداعمة للقطاع الخاص، وتعزيز ثقة المستثمرين حيث تجنب استخدام النفقات العامة في تحفيز الاقتصاد وركّز على حماية الصناعات المحلية.
وتخلق دعوة ترامب إلى خفض الضرائب على الشركات إلى جانب سجله الاقتصادي خلال فترة رئاسته الأولى، حالة من التفاؤل في «وول ستريت» التي أصبحت ترغب في تقليل القيود على شركاتها الكبرى، إلى جانب الخروج من دائرة الحرب في أوكرانيا وتأثيراتها السلبية.
وتفيد سياسة ترامب الاقتصادية الخاصة بالسياسة النقدية والعجز المالي وكذلك المتعلقة بالسياسة التجارية وفرض الرسوم الجمركية البعض وتضر بالآخر في «وول ستريت»، حيث إن الشركات التي تمارس أغلب أعمالها في الداخل الأميركي ستكون أسهمها هي الأكثر استفادة على عكس الشركات التي تعتمد على الواردات من الخارج.
وقد يبدو ظاهرياً أن «وول ستريت» تدعم فترة جديدة لترامب بسبب أجندته الاقتصادية ولكن واقعياً، فإن العديد من الشركات تخشى من توجهاته الخاصة بالسياسة النقدية وفرض رسوم جمركية «مبالغ فيها» على الواردات خاصة من الصين، وهو قطاع توسع داخل سوق المال في نيويورك.
وفي الاتجاه ذاته، يقول نسيب غبريل، رئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي في «بنك بيبلوس» والخبير الاقتصادي، لـ«الاتحاد» إن الأسواق ترى في ترامب داعماً قوياً للقطاع الخاص، إذ يُعتبر برنامجه أكثر ملاءمة لارتفاع أسهم الشركات. ومع ذلك هناك بعض المخاوف من تأثير سياسات التعريفات الجمركية التي يدعمها ترامب على التجارة الدولية ما قد يضر بالصادرات الأميركية ويؤدي إلى إجراءات مضادة من شركاء الولايات المتحدة التجاريين.
ولكن في النهاية، لا يزال مؤيدو ترامب في «وول ستريت» أغلبية، فهو رجل أعمال يعرف كيف تدار العملية داخل أسواق المال. فالتيار السائد يرى أن ترامب سيأتي ومؤشر «ستاندرد آند بورز 500» يواصل ارتفاعه مع بدء عملية الخفض التدريجي للفائدة، إلى جانب أن التخفيضات الضريبية التي وعد بها ستقود إلى ارتفاع جديد للأسهم. ولكن المخاوف فقط ستكون على المدى البعيد بسبب المخاوف من أن تقود الرسوم الجمركية الجديدة وسياسة ترحيل المهاجرين إلى «اشتعال التضخم» وتأثيراته السلبية على سوق الأسهم.
إن قطاع شركات التكنولوجيا وأشباه المواصلات والذكاء الاصطناعي يخشى فعلياً من زيادة الرسوم الجمركية على الواردات من الصين، حيث إن تجربة التعريفات الجمركية في 2018 دفعت إلى ركود للقطاع الصناعي الأميركي. وبالتوازي، فإن «الذاكرة الترامبية» في «وول ستريت» ما زالت قوية، حيث قادت سياساته الداعمة للنمو وإلغاء القيود التنظيمية إلى ارتفاع أرباح الأسهم لأغلب البنوك والشركات.
هاريس.. تقارب «حذر»
على عكس التوقعات، نجحت هاريس في كسب تأييد العديد من الشخصيات البارزة في «وول ستريت» التي تخشى «تهور» ترامب والرسوم الجمركية، وفي نفس الوقت وجدت في نائبة الرئيس بديلاً أكثر طمأنينة للسوق من الرئيس جو بايدن الذي هز سوق الأسهم بسبب تردي وضعه الصحي.
وترى «وول ستريت» في دعم هاريس محاولة للحيلولة دون الدخول في معركة جديدة مع الإدارة الديمقراطية – في حال فوز هاريس- حيث شهدت فترة بايدن هجوماً على الشركات واتهامها بالمسؤولية عن أزمة التضخم.
وتتمتع هاريس بالفعل بعلاقة أفضل من بايدن مع «وول ستريت»، ولديها نهج أكثر انفتاحاً مع وادي السليكون حيث توجد أكبر الشركات الأميركية بفعل كونها عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا. وهو ما دفع إلى تدفق شيكات التمويل من شركات كبرى بـ«وول ستريت» إلى المرشحة الديمقراطية في عكس التوجه العام الذي كانت تفضل فيه «وول ستريت» المرشح الجمهوري.
وبحسب نسيب غبريل، رئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي في «بنك بيبلوس»، فإن سياسات إدارة بايدن كانت تعتمد على الإنفاق العام لدعم الاقتصاد، وهو ما يُرجح استمراره في حال فوز هاريس مما يعني استفادة الشركات المدرجة في البورصة التي تحصل على عقود حكومية.
من جهة أخرى، يشير البعض إلى أن قرار تخفيض الفائدة الأخير من قبل الاحتياطي الفيدرالي الذي قلل من تكاليف الاستدانة وشجّع النمو الاقتصادي ليس له علاقة مباشرة بأي من الحزبين، إذ يتخذ الفيدرالي قراراته بشكل مستقل بناءً على مؤشرات التضخم والبطالة.
ونجحت هاريس، خلال الأسابيع الأخيرة بالفعل في كسب دعم قوي داخل «وول ستريت»، خاصة من الشركات التي تعتمد على السوق العالمية والتي تخشى من فرض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية. فهاريس ترفض فرض تعريفة جمركية تدفع إلى رفع الأسعار وتضر بالشركات وتكلفة الوظائف والمستهلكين.
وكان لافتاً أن نجل الملياردير جورج سورس «أليكس» أعلن صراحة دعمه لهاريس، استجابة لخطاب المرشحة الديمقراطية غير التقليدي الذي يخفف من حدة «صراع الطبقات» وتعبيراً عن سجلها في كاليفورنيا كداعم للشركات.
ويقول المحلل الاقتصادي الأميركي باري دونيدو إن فوز هاريس قد يؤثر سلباً على «وول ستريت»، مؤكداً أن «وول ستريت» تدرك أن ترامب كرجل أعمال سيسعى لتخفيف الضرائب ويدرك ما يتطلبه الأمر لإصلاح الاقتصاد. في المقابل من المتوقع أن تقوم هاريس بزيادة الضرائب على الشركات مما قد يضر بالاقتصاد. وأضاف أنه في ظل هاريس، سيعاني المستهلكون في الولايات المتحدة من ارتفاع أسعار الضروريات الأساسية مثل الطعام والوقود.