دينا محمود (كيف، لندن)

كشفت دوائر دبلوماسية غربية النقاب عن أن الحديث عن ضرورة تكثيف الجهود للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الأوكرانية عاد إلى الواجهة بقوة في الآونة الأخيرة، بفعل ضغوط تتعرض لها الأطراف المعنية، جراء عوامل ميدانية، وأخرى ترتبط بطبيعة الأوضاع الراهنة على الساحة الدولية.
وفي مقدمة هذه العوامل، بحسب تلك الدوائر، الوضع الميداني الذي يُوصف بالمعقد على خطوط المواجهة بين موسكو وكييف، خاصة في ظل تحقيق الجيش الروسي خلال أغسطس الماضي، تقدماً في الشرق الأوكراني هو الأسرع له منذ عامين، على الرغم من الهجوم المفاجئ، الذي شنته القوات الأوكرانية في الشهر نفسه، في منطقة كورسك الروسية.
ووسط تقارير عن تعثر العمليات العسكرية التي تشنها كييف في كورسك، تواصلت المكاسب الميدانية التي تحققها موسكو خلال الأيام الأولى من أكتوبر الجاري، بعد إعلان الجيش الروسي سيطرته على مدينة استراتيجية في منطقة دونيتسك، ما يفتح له الباب لتعزيز مواقعه قبل حلول فصل الشتاء.
بجانب ذلك، يشير محللون غربيون إلى أن القوى الدولية الكبرى باتت منشغلة حالياً، بملفات أخرى أكثر اشتعالاً، من بينها الحرب الدائرة في قطاع غزة ولبنان وانعكاساتها الإقليمية المتصاعدة، وهو ما سحب الأضواء بشكل نسبي، من ملف الأزمة الأوكرانية، التي قادت لاندلاع القتال الأشد ضراوة في أوروبا، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وأوضح المحللون أن تراجع الاهتمام بتلك الأزمة، ازداد على وقع احتدام المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة، بين المرشحيْن لخلافة الرئيس جو بايدن.
ووفقا للمحللين الغربيين، أدت تلك العوامل إلى «التفكير بهدوء»، في خيار الحل الدبلوماسي، رغم عدم الإدلاء بأي تصريحات علنية في هذا الشأن حتى الآن، وحرص الأطراف ذات الصلة بالأزمة على توخي الحذر، في الحديث عن إمكانية استئناف المفاوضات السلمية، التي يقول مراقبون إن الطريق إليها، لا يزال محفوفاً بالمخاطر.
وفي تصريحات نشرتها صحيفة «لو موند» الفرنسية على موقعها الإلكتروني، أشار المحللون إلى أن فكرة التفاوض لا تزال «في مهدها»، مع استمرار المعارك لأكثر من 30 شهراً، مؤكدين في الوقت نفسه أن الوضع الميداني والسياق الدولي، يدفعان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وبعض العواصم الغربية الداعمة لحكومته، إلى بحث كيفية بلورة مخرج من الصراع، حتى دون إلقاء السلاح.
وشددت الدوائر الدبلوماسية، التي وُصِفت برفيعة المستوى، على أنه على الرغم من أن أطراف الأزمة الأوكرانية، لا تزال بعيدة كل البعد عن أي شيء ملموس يتصل بإيجاد حل سياسي للمواجهة الراهنة، فإن ثمة تفكيراً متزايداً من جانبها في الوقت الحاضر، في ملامح سيناريو «اليوم التالي»، بعد طي صفحة المعارك.
وتزامنت هذه التصريحات، مع تأكيدات خبراء عسكريين لصحيفة «الجارديان» البريطانية، على أنه من غير المرجح أن تُحسم الأزمة عسكرياً، وتحذيرهم من أن عدم التوصل إلى تسوية دبلوماسية لها، يعني إزهاق المزيد من الأرواح، ووقوع دمار أوسع نطاقاً، واستمرار المعارك لسنوات عديدة قادمة.