دينا محمود (لندن)
كشفت مصادر أوكرانية مطلعة أن كثيراً من الجنود المشاركين في الهجوم غير المسبوق، الذي تشنه كييف منذ أكثر من أسبوع على منطقة كورسك الروسية، لم يُبلغوا بهذه المهمة إلا قبل أيام معدودة من بدء تنفيذها، وذلك في إطار استراتيجية تعتيم واسعة، شملت حتى القوى الغربية الكبرى، الحليفة للرئيس فولوديمير زيلينسكي.
وأشارت المصادر إلى تأكيدات الولايات المتحدة وألمانيا، وهما من أكبر الدول الداعمة لزيلينسكي عسكرياً ومالياً، على أنهما لم تتلقيا أي إخطار مسبق من جانب كييف بالعملية العسكرية، التي تمثل الهجوم الأكبر لجيش أجنبي على روسيا، منذ حقبة الحرب العالمية الثانية.
وبحسب المصادر، التي تحدثت لوسائل إعلام غربية، يشارك ما بين خمسة إلى ستة ألوية من الجيش الأوكراني، في هجوم كورسك، الذي قال جنود مشاركون فيه، إنه شهد تقدماً متسارعاً في أيامه الأولى، بمعدل كان يصل إلى 10 كيلومترات يومياً، بما قاد إلى التوغل لأكثر من 30 كيلومتراً في الأراضي الروسية خلال أقل من أسبوع، والاستيلاء على مناطق تناهز مساحتها نحو 350 كيلومتراً مربعاً.
وعزا الجنود هذا التقدم المُطَّرد إلى المفاجأة التي أصيبت بها القوات الروسية، خلال الساعات الأولى للهجوم، الذي أجبر أكثر من 120 ألف مدني على النزوح من ديارهم. وقال بعض أولئك الجنود، إنهم شعروا بالدهشة لأن وحداتهم لم تواجه مقاومة تُذكر.
وأعلنت أوكرانيا أمس أنها لن تبقي الأراضي الروسية التي استولت عليها خلال عمليتها المفاجئة عبر الحدود تحت سيطرتها وعرضت وقف الهجمات إذا وافقت موسكو على «سلام عادل».
وفي الوقت الذي يتوعد فيه كبار المسؤولين في موسكو بطرد القوات المشاركة في الهجوم من أراضي البلاد، اعتبر الجنود الأوكرانيون أن أهداف العملية الحالية تعزيز موقف حكومة زيلنيسكي خلال أي مفاوضات مستقبلية، وتخفيف الضغط الواقع على كاهل كييف في جبهات أخرى.
ووفقاً لتقارير أبرزتها صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، لا يزال من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان هذا التكتيك يؤتي ثماره من عدمه حتى الآن، وذلك على ضوء أن المعطيات الحالية تفيد بأن موسكو لم تسحب سوى عدد محدود من الجنود، من جبهتيْ دونيتسك بجنوب شرقي أوكرانيا، وخاركيف في الشمال الشرقي للبلاد، وقد استعان الجيش الأوكراني، بوحدات كانت منتشرة على هاتين الجبهتين، للمشاركة في مهاجمة كورسك، ما يثير مخاوف لدى بعض الجنود الأوكرانيين من إمكانية أن يؤدي ذلك إلى منح الجيش الروسي الفرصة لتحقيق مكاسب ميدانية في دونيتسك وخاركيف، بما يشمل بلدات استراتيجية، مثل تشاسيف يار التي تحاول موسكو جاهدة السيطرة عليها.
وفي حين أعرب هؤلاء الجنود عن قلقهم من أن استمرار هجوم كورسك قد يأتي على حساب مدن مُهددة من جانب الروس في دونيتسك بالتحديد، قال خبراء عسكريون: إن القوات الروسية تحقق في الوقت الحاضر بالفعل، تقدماً ميدانياً حول بعض المعاقل المهمة في الشرق الأوكراني، والتي ربما تكون قد «سقطت» من الوجهة العملياتية في يد موسكو، حتى وإن كانت لا تزال نظرياً تحت سيطرة كييف.
من جهة أخرى، أكد الخبراء أن انخراط القوات الأوكرانية المتوغلة في كورسك في حفر خنادق وإقامة استحكامات دفاعية يمثل مؤشراً على أن المعارك هناك قد تستمر لأمد طويل نسبيا، ما قد يُحوِّل تلك المنطقة إلى جبهة قتال رئيسة في المعارك المحتدمة بين موسكو وكييف منذ نحو 29 شهراً.
وفي تصريحات نشرتها مجلة «فوربس» الأميركية على موقعها الإلكتروني، حذر الخبراء من أن مهمة القوات الروسية في هذا الصدد تزداد صعوبة بفعل عودة المساعدات التي المتدفقة من الولايات المتحدة على كييف، وهو ما يعني أنه لن يكون بوسع موسكو أن تعول على نفاد الذخائر والعتاد، لإخراج الجنود الأوكرانيين من كورسك.
وتفيد تقديرات أوساط عسكرية مطلعة إلى أن فرص شن الكرملين هجوماً مضاداً قوياً على القوات المتوغلة، قبل انتهائها من إقامة تحصيناتها الدفاعية، يبدو أنها تتقلص بسرعة، لا سيما في ظل مواصلة الجنود الأوكرانيين شن هجمات ضد التعزيزات العسكرية الروسية، التي تحاول الوصول إلى كورسك.
وتشير هذه التقديرات إلى أن روسيا تسعى لنقل ما بين عشر إلى إحدى عشرة كتيبة، تتألف من أربعة آلاف جندي تقريباً، إلى جبهة القتال في هذه المنطقة، وسط توقعات بأن يكون ذلك، مجرد مقدمة لجلب تعزيزات أكبر، قد تشمل في نهاية المطاف عشرات الآلاف من الجنود.