دينا محمود (لندن)
مع تصاعد خطر الهجمات التي تشنها التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، وانتشارها في أنحاء مختلفة منها، حذر خبراء ومحللون، من أن ترافق هذه الاعتداءات، مع تزايد أنشطة الجماعات المتطرفة وعصابات الجريمة المنظمة وعمليات تهريب السلاح والاتجار بالبشر في القارة، يجعل الإرهاب بمثابة «تهديد وجودي»، لذلك الجزء من العالم.
فعلى مدار العقدين الماضييْن، زادت الأنشطة الإرهابية في مختلف أنحاء أفريقيا، بنسبة كبيرة جداً، ما يعني أنها خرجت تقريبا عن نطاق السيطرة، وذلك حسبما ذكرت دراسة حديثة أصدرها المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، وسط تحذيرات من أن غرب القارة، ولا سيما «منطقة الساحل»، يمثل البقعة الأكثر عرضة لهذا التهديد.
وأبرز المركز في دراسته بيانات، تفيد بأن العمليات الإرهابية التي عصفت بأفريقيا خلال العام الماضي، حصدت أرواح أكثر من 23 ألف شخص هناك، بزيادة تصل نسبتها إلى 20% عن عدد الضحايا الذين سقطوا في 2022، وذلك على الرغم من الجهود القارية والدولية المبذولة، لكبح جماح هذا الخطر.
ووفقاً للخبراء، يعود تفاقم ذلك التهديد في القارة خلال السنوات القليلة الماضية، إلى عدة عوامل من بينها، تكريس التنظيمات الإرهابية موارد أكبر لترسيخ وجودها وتوسيع نطاق اعتداءاتها هناك، بجانب رواج تجارة الأسلحة غير المشروعة بين الدول الأفريقية، بفعل الثغرات القائمة على الحدود فيما بينها، بالإضافة إلى تفشي الفساد والرشوة بين بعض عناصر الأجهزة الأمنية في تلك البُلدان.
كما تشمل تلك العوامل، الاضطرابات السياسية والاقتصادية المستمرة في أفريقيا، وما يصاحبها في كثير من الأحيان من ممارسات إقصاء على الصعيدين السياسي والمجتمعي، فضلا عن انعدام الأمن واتساع رقعة الفقر والبطالة، ما يُحوِّل بلدانا أفريقية عدة، إلى أرض خصبة لعمليات التجنيد، التي تنخرط فيها التنظيمات الإرهابية، وتركز فيها على استمالة الشرائح المهمشة.
وحدا ذلك بـ«بانكول أديوي»، مفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن، إلى الدعوة لاستحداث منظومة استخباراتية، تُعنى بالعمل على رصد وتعقب الأموال المنقولة لأغراض إرهابية عبر القارة، باعتبار أن قطع «شريان الحياة» المالي بالنسبة للتنظيمات المتطرفة، سيقود إلى إجهاض الغالبية العظمى من مخططاتها.
وفي تصريحات نشرتها صحيفة «ليدر شيب» على موقعها الإلكتروني، اعتبر محللون أفارقة، أن حل ما وصفوه بـ«الوضع المعقد» في منطقة الساحل، يمثل مفتاح معالجة مشكلة الإرهاب التي تهدد القارة بأسرها، مشددين في الوقت نفسه، على أن الخروج من «مستنقع الساحل»، يتطلب البحث بشكل عاجل، عن حلول دبلوماسية للتحديات الأمنية في هذه المنطقة.
وأشار المحللون، إلى أنه من الضروري البدء بإنهاء الانقسامات، التي تضرب المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، المعروفة باسم «إيكواس»، على إثر انسحاب النيجر ومالي وبوركينا فاسو منها في وقت سابق من العام الجاري، مؤكدين أن إعادة تلك البُلدان إلى ذلك التكتل الإقليمي، أمر حيوي لإنجاح أي جهود، ترمي لتشكيل قوة أفريقية دائمة، تتولى مهمة مكافحة الإرهاب.
وجاءت هذه الدعوات، بعد أسابيع من قمة أفريقية رفيعة المستوى، عُقِدَت في العاصمة النيجيرية أبوجا، على مدى يومين في أواخر إبريل الماضي، لبحث سبل تعزيز التعاون الإقليمي، لمواجهة التهديدات الإرهابية، والتعامل مع الوضع الأمني المتدهور حاليا في القارة.
وشهدت القمة إطلاق دعوات لاتخاذ إجراءات منسقة وعاجلة لمكافحة الإرهاب، باعتباره تهديدا للسلام والأمن والتنمية في أفريقيا، بما يستلزم القيام بتحركات تتجاوز الحدود الوطنية، ولا تقتصر على الجهود الفردية لدول القارة.
وشدد المحللون، على أهمية تفعيل هذه الدعوات، بالنظر إلى المؤشرات، التي ترجح انتقال بؤرة الأنشطة الإرهابية في العالم، من الشرق الأوسط والشمال الأفريقي، إلى منطقة الساحل، خاصة بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» في العراق وسوريا.