دينا محمود (لندن)
في غمار الاهتمام الإقليمي والدولي بالوضع المتدهور في منطقة الساحل الواقعة بغرب أفريقيا وما تشهده من اضطرابات ونزاعات منذ عقود، تحذر دوائر تحليلية غربية، من مغبة اقتصار التركيز على التبعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمثل هذه القلاقل، دون النظر إلى ما ينجم عنها من أضرار جسيمة تلحق بالبيئة.
فالاضطرابات الحالية في هذه المنطقة الممتدة على مساحة تقارب ستة آلاف كيلومتر، تحدث مزيداً من التدهور البيئي، في تلك البقعة التي تتوزع على 10 دول أفريقية يقطنها ما يزيد على 150 مليون نسمة، وتُصنَّف من بين أكثر مناطق العالم معاناة من التغير المناخي وعواقبه.
وبحسب المحللين، تمثل الصراعات والانقلابات والحروب التي تعصف بكثير من بُلدان «الساحل الأفريقي»، خطراً متصاعداً على ثروة هذه الدول من الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز والمعادن، فضلاً عن المياه الجوفية. كما تهدد تلك النزاعات في الوقت نفسه، مسار الاستدامة البيئية في القارة السمراء بأسرها. فمنطقة الساحل، كما يقول المحللون، تشكل في الوقت الحاضر بؤرة ساخنة بفعل ما تضمه بين جنباتها، من مزيج مُنذر بالخطر يجمع بين الفقر والتطرف وانعدام الأمن البيئي، بما يزيد من تفاقم الظروف الإنسانية الهشة هناك من الأساس، على وقع تأثيرات الأزمة المناخية، وتدهور النظام الإيكولوجي جراء موجات الجفاف المتواصلة، والتصحر وتردي أوضاع الأراضي الزراعية أو تلك الصالحة للزراعة. وفي تصريحات نشرتها مجلة «فوربس» الأميركية على موقعها الإلكتروني، انتقد المحللون النهج الذي تتبناه غالبية الأطراف المعنية بالوضع في «الساحل الأفريقي»، لمعالجة أزماته المتعددة، مشيرين إلى أن السياسات المتبعة في هذا الصدد تركز حتى الآن بشكل كبير على الحلول الأمنية والعسكرية، واتخاذ التدابير العقابية.
وشدد المحللون على أن هذه البقعة الأفريقية المضطربة تحتاج بدلاً من ذلك إلى نهج أكثر تكاملاً، يقوم على اعتبار حماية الموارد والاستفادة منها، جزءاً من أي اتفاقات سلام محتملة طويلة الأمد، والعمل كذلك على أن يمثل التوافق الإقليمي والدولي، بشأن أهمية مواجهة التهديدات المُحدقة بالبيئة، مظلةً لأي مساعٍ ترمي لإرساء الاستقرار في منطقة الساحل.
ومن بين السوابق الناجحة في هذا الإطار تحرك أقره القادة الأفارقة في عام 2007، تحت اسم «مبادرة الجدار الأخضر العظيم أمام الصحراء الكبرى والساحل». وذلك بهدف مواجهة التبعات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لزحف التصحر وتدهور الأراضي في منطقة الساحل والصحراء الكبرى في القارة الأفريقية.
وأكد المحللون أن نجاح مثل هذه المبادرات، يسهم في بناء الثقة بين الأطراف المتناحرة، بما يمهد لإجراء نقاشات بينها، بشأن قضايا أكثر تعقيداً، تتعلق بملفات الحكم وتقاسم السلطة والتحول الديمقراطي، وهو ما يمكن أن يعيد منطقة الساحل، في نهاية المطاف، للمضي على مسار يقود نحو الحكم الرشيد والتنمية المستدامة، ويصب في الوقت ذاته، في صالح الجهود الهادفة، لكبح جماح المخاطر البيئية في قارة أفريقيا ككل.