دينا محمود (غزة، لندن)
«لقد تعاملنا مع 78 حالة ولادة خلال ليلة واحدة لا أكثر»، إفادة صادمة أدلت بها قابلة تعمل في مستشفى بمدينة رفح، لترسم من خلالها صورة قاتمة للوضع في أحد المستشفيات القليلة، التي لا تزال قادرة على تقديم خدماتها في جنوب قطاع غزة، مع اشتداد وطأة العمليات العسكرية هناك.
فالمستشفى لا يضم سوى 5 أَسِرَّة للولادة، وبالرغم من حصوله على إمدادات أساسية من صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإنه غير مجهز للتعامل مع العدد الكبير، الذي يتدفق عليه من السيدات الحوامل، وذلك في ظل اكتظاظ رفح بقاطنيها والنازحين إليها، إلى حد أدى لارتفاع عدد السكان هناك في الآونة الأخيرة بنسبة تقارب 500%.
ويؤكد العاملون في هذا المستشفى، الذي يعاني كغيره من مستشفيات غزة من محدودية عدد أطبائه وممرضيه، أن الأوضاع فيه باتت مروعة، على ضوء استقباله وبشكل مستمر، لعدد لا يُحصى من المرضى والجرحى، بجانب النساء الحوامل وأولئك اللواتي أنجبن حديثاً، فضلاً عن الرضع الذين خرجوا لتوهم إلى الحياة.
وتشير التقديرات إلى أن هذه الأوضاع الكارثية تفضي إلى وفاة العديد من الأطفال حديثي الولادة، إما لأن أمهاتهم لم يتمكَّنَّ من إجراء فحوص ما قبل الولادة بشكل طبيعي، أو لأنهن حُرِمنَ من الفحوص الضرورية في الفترة التالية لها، أو لافتقارهن لأي مساعدة طبية في أثناء عملية الولادة ذاتها.
وتقول قابلات فلسطينيات إن غالبية هؤلاء النسوة يتوقفن عن متابعة أوضاع الحمل منذ الشهر السابع له، لتأتي بعضهن بعد ذلك للولادة مباشرة، وهو ما يعني أن كثيراً منهن يُضطررن لإنجاب أطفالهن مبكراً، بما يشكله هذا من مخاطر جسيمة عليهن وعلى المواليد.
ويعزو الأطباء العاملون في مستشفيات غزة تفشي حالات الولادة المبكرة هذه إلى مشاعر «الرعب والقلق» التي تساور النساء الحوامل في القطاع، بسبب استمرار الحرب، واضطرارهن للفرار بشكل شبه مستمر، بحثاً عن الأمان، بالإضافة إلى أنهن يُرغمن على الإقامة في مخيمات أو مراكز إيواء، لا تستوفي الحد الأدنى من شروط الحياة الإنسانية.
ويحذر الأطباء من أن ما يحدث من انتشار كبير لمثل هذه الحالات يمثل تحدياً حتى في الأوقات العادية، ناهيك عن الظروف المأساوية الناجمة عن الحرب الحالية، والتي تقود لتزايد هائل في حجم الضغوط الواقعة على كاهل العاملين في المنشآت الطبية والمرافق الصحية، خاصة مع انتشار الأمراض المعدية، سواء في هذه الأماكن، أو في مراكز الإيواء المكتظة بقاطنيها. واعتبر أطباء غزة أن المواليد الجدد في القطاع يواجهون «معركة غير متكافئة للبقاء على قيد الحياة»، لا سيما أن نقص التجهيزات والمستلزمات الطبية، يقود في أحيان كثيرة، لوضع 5 أو 6 منهم في حضَّانة واحدة، ما يودي بحياة غالبيتهم في نهاية المطاف.