دينا محمود (بيروت، لندن)

بددت الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد اللبناني على وقع استمرار الحرب في قطاع غزة والانعكاسات الإقليمية لها، آمال مؤسسات مالية دولية، في إمكانية تعافيه ولو بشكل نسبي، وعمقت من الأزمة الاقتصادية والمالية.
فالحرب المتواصلة منذ السابع من أكتوبر الماضي، عرقلت النمو الاقتصادي الهش الذي سُجِلَ في لبنان، خلال الشهور القليلة التي سبقت اندلاع المعارك، وأدى إلى تباطؤ معدلات التضخم، ما قاد إلى كبح جماح مؤشر أسعار المستهلك، بما قلص ارتفاعه إلى قرابة 0.02%، بحلول أواخر 2023.
وتوازى ذلك، مع استقرار نسبي للعملة المحلية، التي كانت قد فقدت أكثر من 90% من قيمتها منذ عام 2019، ليستقر سعرها على مدار الأشهر الخمسة الأخيرة، عند مستوى 89 ألف ليرة لكل دولار واحد، في السوق الموازية أو السوداء.
وبعثت هذه المؤشرات الآمال، في أن يشهد الاقتصاد اللبناني انتعاشاً حذراً بعد سنوات من الانكماش، ما حدا بمسؤولي البنك الدولي، للقول إنه كان من المتوقع قبل نشوب الحرب في غزة، أن يزداد معدل النمو في لبنان بواقع 0.2%، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2018.
ولكن الحرب وتبعاتها المستمرة على الساحة الإقليمية أدت، وفقاً لما قاله المسؤولون أنفسهم، إلى أن يصبح من المتوقع عودة الاقتصاد اللبناني إلى هوة الركود من جديد، لا سيما وأن أي انتعاش محتمل فيه، يعتمد في الأساس على عائدات السياحة وتحويلات المغتربين، وهما عاملان طالما حذر خبراء من خطورة الاعتماد عليهما بشكل مستدام.
وأظهرت بيانات حكومية كُشِفَ عنها النقاب أخيراً في بيروت، عن أن معدل التضخم في لبنان لا يزال مؤلفاً من ثلاثة أرقام، للعام الثالث على التوالي، وذلك وسط تأكيدات على أن ما يُوصف بـ «صدمة تراجع الإنفاق السياحي»، في إشارة إلى التراجع الكبير في أعداد السائحين القادمين إلى البلاد بسبب الحرب، ربما يكون قد لعب دوراً ملموساً في عرقلة أي تعافٍ اقتصادي في أراضيها.
وفي تصريحات نشرها موقع «ميدل إيست آي» الإلكتروني، أكد محللون اقتصاديون لبنانيون، أن بلادهم تبدو عرضة على نحو خاص للتبعات السلبية للحرب الحالية، على ضوء كونه بلداً يعتمد بشكل لا يُستهان به على الاستيراد من جهة، وعلى التدفقات المالية الأجنبية، بما في ذلك الاستثمارات من جهة أخرى.
في الوقت نفسه، وفي ظل الهجمات المتبادلة الدائرة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، كإحدى تبعات الحرب في غزة، تضررت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في الجنوب، الذي يضم الجانب الأكبر من المساحات الصالحة للزراعة في لبنان، ما جعل من المستحيل على المزارعين هناك، حصاد محاصيلهم وبيعها.
ومن شأن تلف جانب من تلك المحاصيل بسبب الحرب، حرمان لبنان من أحد المصادر المهمة للعملة الصعبة الواردة إليه، بالنظر إلى أنه يتم تصدير بعض هذه المنتجات الزراعية.
وفي ظل هذه التطورات، حذرت دوائر اقتصادية تحليلية في بيروت، من أن استمرار الحرب، سيدفع الاقتصاد اللبناني إلى الانكماش بشكل أكبر، وربما يضعه أمام مصير مجهول، مع تواصل أزمة الفراغ الرئاسي والحكومي، التي تعاني منها البلاد، وتصيب مؤسساتها بالشلل شبه الكامل.