أحمد مراد (بيروت، القاهرة)
أقر مجلس النواب اللبناني مشروع قانون الموازنة لعام 2024 بعد إدخال تعديلات عليه، لكن خبراء قالوا، إن مشروع القانون أهمل تضمين إصلاحات حاسمة من شأنها أن تساعد البلاد على الخروج من الانهيار المالي الذي دمر القطاع العام منذ ما يقرب من 5 سنوات. وتمت الموافقة على مشروع القانون في وقت متأخر أمس الأول، بعد ثلاثة أيام من الخلافات والتي شملت عدة مشاحنات في قاعة البرلمان مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، مما سلط الضوء على الانقسامات العميقة التي أطالت أمد الفراغ الرئاسي المستمر منذ أكثر من عام.
وألقت الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية التي يشهدها لبنان بالعديد من التوابع والتداعيات الاجتماعية الخطيرة، من بينها تزايد موجات الهجرة الجماعية بشكل غير مسبوق، واضطرار الآلاف للرحيل عن وطنهم، بحثاً عن فرص عمل وسبل الحياة الكريمة في الخارج.
وبحسب بعض التقديرات، فإن موجات الهجرة خلال الفترة بين عامي 2020 و2023 أدت إلى مغادرة ما يقارب 12% من مواطني لبنان بمعدل يتراوح بين 400 إلى 500 ألف مهاجر، ما يجعله الدولة الأولى في العالم من حيث تناقص عدد السكان.
وأوضح المحلل والكاتب اللبناني، أسعد بشارة، أن لبنان يعاني منذ تفجر الأزمة الاقتصادية في عام 2019 نزيفاً سكانياً حاداً بسبب موجات الهجرة الجماعية التي تزايدت بشكل مقلق مع تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية خلال العامين الماضيين، ومن بينها أزمة الفراغ الرئاسي الممتدة منذ ديسمبر 2022 وما ترتب عليها من أوضاع مأسوية.
وذكر بشارة في تصريح لـ«الاتحاد» أن النزيف السكاني في لبنان يتزايد، وتحديداً بين فئة الشباب الذين يشكلون 80% من نسبة المهاجرين، لا سيما أن فرص العمل وبناء المستقبل لم تعد موجودة في بلدهم.
ومع تسارع وتيرة الانهيار المالي خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تزايدت موجات الهجرة الجماعية من معظم الإدارات والمؤسسات الرسمية، حيث بلغت نسبة الوظائف الشاغرة حوالي 70% أو نحو 19 ألف وظيفة في مؤسسات وإدارات القطاع العام الذي كان يضم 27 ألف وظيفة قبل ثلاث سنوات.
وقال الكاتب والمحلل السياسي، إن جيلاً بأكمله يريد الآن مغادرة لبنان، وهو ما يشكل أكبر كارثة منذ الحرب العالمية الأولى العام 1914 عندما تعرضت البلاد لمجاعة أدت إلى وفاة ثلث السكان، وبالتالي لا بد من تبني برنامج إصلاح اقتصادي وسياسي يُجذب هؤلاء للعودة إلى البلاد من أجل إحياء اقتصاده وبنائه من جديد.
من جانبه، حذر المحلل والكاتب اللبناني، يوسف دياب، من خطورة تنامي معدلات الهجرة، وبالأخص فئة الشباب، ما يهدد لبنان بالشيخوخة، ويجعل منه «بلدا عجوز» يعاني من نزيف لثروته الشبابية والعلمية والتكنولوجية بسبب «هجرة الأدمغة».
وذكر دياب في تصريح لـ«الاتحاد» أن نحو 70 أو 80% من المقيمين على الأراضي اللبنانية يرغبون في الهجرة لو اُتيحت أمامهم فرص العمل خارج البلاد، لا سيما في ظل الانهيار الاقتصادي والتدهور المعيشي والاجتماعي، إضافة للمخاوف الأمنية في المناطق الجنوبية، وغيرها من الأزمات الحادة التي تدفع مئات الآلاف للرحيل بحثاً عن سبل الحياة الكريمة في الخارج.