أحمد مراد ومهدي سليمان (أبوظبي، القاهرة)

ترسم قمة جدة بين الدول الخليجية ودول آسيا الوسطى، خريطة طريق مستدامة نحو النماء والازدهار، عبر التزام قادة المنطقتين بتأسيس شراكة مستقبلية طموحة بين دولهم، بناءً على ما تحتضنه القمة من أجندة وملفات والعمل عليها من أجل إيجاد نوع من الشراكة وتطوير الآليات لضمان استدامة التشاور والحوار وتطوير التعاون، واعتماد خطة العمل المشترك للحوار الاستراتيجي والتعاون بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى للفترة المقبلة، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ السريع لهذه الخطة على الوجه الأكمل، على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف.
وتكتسب القمة الخليجية الأولى مع دول آسيا الوسطى أهمية استراتيجية بالنظر للوضع الدولي الصعب ليصب في تلبية المصالح طويلة الأجل لكلتا المنطقتين، وذلك في ظل تزايد الاهتمام والتنافس الإقليميين والدوليين بدول آسيا الوسطى الخمس؛ نظراً لموقعها وأهميتها الجيواستراتيجية، والثروات الطبيعية التي تمتلكها هذه الدول، بما يؤهلها لقفزات تنموية كبيرة.
وشدد خبراء في الشؤون الآسيوية والعلاقات الدولية على أهمية تنامي الشراكات الاستراتيجية، وروابط التعاون التي تجمع بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول منطقة آسيا الوسطى، مؤكدين أن المنطقتين تشكلان تحالفاً سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً مؤثراً وحيوياً على الصعيدين الإقليمي والدولي. وأشار الخبراء، في تصريحات لـ«الاتحاد» إلى تبني دول المنطقتين، الخليج وآسيا الوسطى، لسياسة الانفتاح على الشراكات والتحالفات مع المجموعات والتكتلات الإقليمية والدولية المؤثرة في أحداث وقضايا الإقليم والعالم، وهو ما يدفع الجانبين إلى رفع مستويات التشاور والتنسيق تجاه مختلف الملفات. وأوضحوا أن القمة الأولى التي تجمع بين الدول الخليجية ودول آسيا الوسطى في مدينة جدة السعودية تُجسد نقلة نوعية في تاريخ العلاقات المشتركة بين الجانبين، وستسهم بشكل كبير في تطوير علاقاتهما خلال المرحلة المقبلة، في ظل وجود فرص واعدة لشراكات مستقبلية قوية وطموحة في شتى المجالات.

تكتل حيوي
وأكد الكاتب والمحلل السياسي المصري وخبير الشؤون الآسيوية، الدكتور محمد فراج أبو النور، تعدد أوجه العلاقات الاستراتيجية والروابط المشتركة التي تجمع بين الدول الخليجية ودول منطقة آسيا الوسطى التي تضم تكتلاً سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً مهماً وحيوياً يشمل 5 دول، وهي: كازاخستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، أوزبكستان، قرغيزستان، وجميعها تتمتع بعضوية نشطة وفعالة في منظمة التعاون الإسلامي.
وكانت دول مجلس التعاون الخليجي سارعت إلى بدء علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية مع دول منطقة آسيا الوسطى في أعقاب استقلالها في مطلع فترة التسعينيات، وجاء ذلك من منطلق العلاقات التاريخية بين الجانبين، بحكم القرب الجغرافي، والتاريخ المشترك.
وقال أبوالنور لـ«الاتحاد»، إن فرص وآفاق التعاون بين الجانبين واعدة ومتطورة، وتحظى بدعم ورعاية القادة؛ وذلك من منطلق الثقل الإقليمي والسياسي والاقتصادي للمنطقتين الحيويتين، وتكفي الإشارة إلى ما تمتلكه المنطقتين من موارد كبيرة في قطاعي النفط والغاز، وهو ما يجعل دورهما مهماً ومؤثراً في ملف أمن الطاقة العالمي.
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي المصري وخبير الشؤون الآسيوية، أن قمة جدة التي تجمع بين الدول الخليجية ودول آسيا الوسطى تساهم بشكل كبير في تطوير العلاقات بينهم خلال المرحلة المقبلة، ما يجعلها تمثل نقلة نوعية في تاريخ العلاقات المشتركة بين الجانبين. وتُعد قمة جدة أول قمة تجمع بين قادة الدول الخليجية وقادة دول منطقة آسيا الوسطى، وتأتي بالتزامن مع اللقاء التشاوري الثامن عشر لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، ما يعكس الاهتمام الخليجي بتطوير وتوسيع مجالات التعاون مع مجموعة دول آسيا الوسطى.

شراكة مهمة
وأوضحت نادية حلمي أستاذة العلوم السياسية والخبيرة في الشؤون السياسية الآسيوية، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن منطقة آسيا الوسطى تمثل أهمية خاصة بالنسبة للسياسة الخارجية الخليجية، وفي المقابل تمثل المنطقة الخليجية أهمية استراتيجية وحيوية بالنسبة لدول منطقة آسيا الوسطى، ومن هنا يعمل الجانبان على تعميق شراكتهما السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والثقافية والأمنية. وقبل ما يقارب عام واحد فقط، وتحديداً خلال سبتمبر 2022، عُقد في العاصمة السعودية «الرياض» الاجتماع الوزاري المشترك الأول للحوار الاستراتيجي بين دول الخليج ودول آسيا الوسطى، بمشاركة وزراء الخارجية في دول المنطقتين، وتعهد الجانبان بتأسيس شراكة مستقبلية قوية وطموحة في شتى المجالات، وذلك بناءً على القيم والمصالح المشتركة والروابط التاريخية العميقة بين شعوبهم، والتعاون القائم بينهم على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف.وخلال الاجتماع، تم إعداد خطة العمل المشترك للحوار الاستراتيجي والتعاون بين مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى في الفترة بين عامي (2023 ـ 2027) الرامية إلى تعزيز التعاون المستمر بين دول الخليج ودول آسيا الوسطى.
وقالت أستاذة العلوم السياسية، إن دول المنطقتين، الخليج وآسيا الوسطى، تتبنى سياسة الانفتاح على الشراكات والتحالفات مع المجموعات والتكتلات الإقليمية والدولية المؤثرة في أحداث وقضايا الإقليم والعالم، وبالتالي يحرص الجانبان على توثيق العلاقات المشتركة، ورفع مستويات التشاور والتنسيق تجاه مختلف الملفات الإقليمية والدولية.

علاقات اقتصادية
ذكرت الدكتورة نادية حلمي، أن دول الخليج العربي مهتمة بتطوير علاقاتها الاقتصادية مع دول منطقة آسيا الوسطى التي تمتلك احتياطيات ضخمة من المعادن والنفط والغاز الطبيعي والفحم، إذ تصل احتياطات الغاز في دول آسيا الوسطى والقوقاز إلى 35% من الإجمالي العالمي، وأكبر الاكتشافات كانت في دولتي تركمانستان وكازاخستان. كما تمتلك دولة طاجيكستان أكبر منابع للمياه، إذ تصل إلى 60% من منابع المياه في آسيا الوسطى، الأمر الذي يفيد دول مجلس التعاون الخليجي في إطار علاقاتها الاقتصادية بها. 
وبحسب التقديرات الرسمية، وصل حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى إلى 3.1 مليار دولار في عام 2021، وجرى خلال الفترة الأخيرة توقيع العديد من الاتفاقيات والاستثمارات بين الدول الخليجية ودول آسيا الوسطى، منها الاستثمارات التي تلقتها كازاخستان من صندوق الاستثمارات العامة في السعودية، وحصلت أوزبكستان على اتفاقيات استثمار بقيمة 14 مليار دولار من السعودية، بالإضافة إلى استثمارات من الإمارات في قطاع الطاقة بقيمة تجاوزت 3 مليارات دولار.

ملفات القمة
شددت الدكتورة نادية حلمي على أهمية الملفات المطروحة على مائدة القمة الأولى بين الدول الخليجية ودول آسيا الوسطى، المعروفة باسم دول الـ«ستان الخمس»، وتشمل هذه الملفات قضايا التعاون في التجارة، والاستثمار، والطاقة، والتعليم، والبحث العلمي، والصناعة، والزراعة، والسياحة، والثقافة، إضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية، ومنها دعم الاستقرار، وتعزيز أسس الأمن في الخليج وآسيا الوسطى، والقضية الفلسطينية، والتضامن الإسلامي، ومواجهة التطرف والجماعات الإرهابية. 
وأشارت إلى أن العلاقات التاريخية والثقافية بين الدول الخليجية ودول منطقة آسيا الوسطى تعود إلى قرون عدة، حيث كانت منطقة آسيا الوسطى محط اهتمام العرب والمسلمين مع وجود روابط بين الثقافة العربية والإسلامية وثقافات دول آسيا الوسطى التي عرفت في التاريخ الإسلامي ببلاد ما وراء النهر، وكان لها تأثير كبير في الثقافة الإسلامية.
وفي هذه الأثناء، أشاد الدبلوماسي الفلسطيني السفير بركات الفرا، بالمساعي المشتركة التي تبذلها دول الخليج العربي ودول آسيا الوسطى لتعميق روابطهما وعلاقاتهما في المجالات كافة، وهو ما يظهر جلياً خلال الزيارات المتبادلة بين قادة ومسؤولي دول المنطقتين، ما أسفر عن توقيع العديد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم بين الطرفين.
وقال الدبلوماسي الفلسطيني لـ«الاتحاد»، إن رفع مستوى التنسيق والتشاور بين دول الخليج العربي ودول آسيا الوسطى يشكل دعماً كبيراً للقضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وذلك من منطلق الثقل العربي والإسلامي الذي تمثلها الدول الخليجية والثقل الإسلامي والآسيوي الذي تمثله دول منطقة آسيا الوسطى.
ويُعد تطوير التعاون مع الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى تقارباً وثيقاً بالعادات الدينية والإسلامية والثقافية والحضارية التي نشأت منذ زمن بعيد بروابط تاريخية منذ بداية الفتوحات الإسلامية، وبدء الهجرة والهجرة المعاكسة من شبه الجزيرة العربية وإليها منذ القرن الهجري الأول، وما ترتب على ذلك من تقارب ثقافي وانصهار بين قبائل وجماعات في المنطقتين.