طه حسيب (أبوظبي)

 

تسعى تكنولوجيا المناخ إلى معالجة تغير المناخ، من خلال تقنيات جديدة لإزالة الكربون، طارحة في الوقت ذاته فرصاً اقتصادية كبيرة، فمن المتوقع أن ينمو سوق التقنيات النظيفة والصديقة للمناخ بشكل كبير في العقود القادمة. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، فإن الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون يمكن أن يخلق ما يصل إلى 28 مليون وظيفة على مستوى العالم بحلول عام 2050، مقارنة بنحو 9 ملايين في صناعة الوقود الأحفوري اليوم. ويمكن أن يساعد ذلك في معالجة بعض التحديات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بتغير المناخ، مثل الفقر وعدم المساواة والبطالة.
العدالة المناخية تقتضي التفكير في مسارات التحول نحو الطاقات المتجددة من دون أن يسفر ذلك عن اختلالات أو خسائر في القطاعات المراد تحويلها، وتفعيل أدوات جديدة كاحتجاز الكربون وإنتاج الهيدروجين، والاستثمار في التقنيات النظيفة. 
خلال افتتاح «ملتقى تكنولوجيا المناخ» في أبوظبي من 10 إلى 12 مايو 2023، قدّم معالي الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا، الرئيس المعيّن لمؤتمر COP28، رؤية متوازنة وواقعية لآليات العمل على خفض الانبعاثات وفي الوقت نفسه الحفاظ على مسار النمو في قطاع الطاقة، وحفز استثمارات الطاقة الجديدة في الدول النامية.
وقال: «كان نصيب الاقتصادات النامية 20% فقط من الاستثمارات الموجهة إلى التقنيات النظيفة. علماً بأن هذه الاقتصادات تمثل 70% من سكان العالم، أي أكثر من 5 مليارات شخص. وتشكل التكنولوجيا عاملاً محورياً في مساعدة المجتمعات الأكثر عرضةً لتداعيات تغير المناخ على بناء القدرات وتحقيق قفزات نوعية باتجاه نموذج منخفض الكربون للتنمية الاقتصادية».
 الجابر أكد، «الحاجة الملحّة لتحقيق انتقال منطقي وعملي وعادل في قطاع الطاقة مع التركيز على خفض انبعاثات الوقود التقليدي بصورة تدريجية، وبالتزامن مع زيادة الاعتماد على جميع مصادر الطاقة الخالية من الانبعاثات والمجدية اقتصادياً، والتأكد من عدم ترك دول الجنوب العالمي خلف الرَكب» وأشار إلى «إننا بحاجة إلى إيجاد طريقة لخفض الانبعاثات وليس إبطاء معدلات النمو والتقدم، ونحتاج إلى حلول تحقق نقلة نوعية، وتعد التكنولوجيا الممكّن الأساسي لهذه الحلول، موكداً الدور المحوري للهيدروجين الذي نحتاج إلى توسيع نطاق إنتاجه وتسويقه من أجل إحداث تأثير حقيقي في منظومة قطاع الطاقة. 

فرصة التقنيات النظيفة
الجابر نوّه إلى أن «حجم الاستثمار في التقنيات النظيفة بلغ مستوى التريليون دولار للمرة الأولى، مع فرصة كبيرة لنمو هذا الرقم، متفائلاً بنقلة نوعية تمثل أعظم فرصة للبشرية والتنمية الاقتصادية منذ الثورة الصناعية الأولى». 
وأوضح معاليه أنه على الرغم من النمو الكبير في القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة، إلا أنه لا يمكن إزالة القسم الأكبر من الانبعاثات العالمية بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وحدها، خاصةً في الصناعات كثيفة الانبعاثات، مشيراً إلى أنه يوجد في العالم 5000 مصنع للإسمنت والصلب والألمنيوم تعد مسؤولة جميعها عن نحو 30% من الانبعاثات العالمية، ولا يمكن لأيٍ من هذه المصانع العمل على طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية وحدها.
«من خلال السياسات الصحيحة التي تحفز الاستثمارات الصحيحة، يمكن لتقنيات المناخ زيادة مساهمتها في النمو العالمي بما لا يقل عن الضعف، مع إزالة ما يصل إلى 25 مليار طن من انبعاثات الكربون سنوياً. ومن خلال الاستفادة من تقنيات المناخ، يمكننا بناء نموذج جديد للتنمية الاقتصادية يعتمد على وضع حد للانبعاثات، مع بث حياة جديدة في النمو الاقتصادي». وفي كلمته خلال «ملتقى تكنولوجيا المناخ»، أكد أهمية التقاط الكربون، قائلاً: «نحتاج إلى توسيع نطاق إنتاجه وتسويقه من أجل إحداث تأثير حقيقي في منظومة قطاع الطاقة. وإذا كنا جادين في خفض الانبعاثات من قطاع الصناعة، علينا مضاعفة الجهد في مجال التقاط الكربون، حيث إن أي سيناريو واقعي يهدف لتحقيق الحياد المناخي، يجب أن يتضمن الاستفادة من تكنولوجيا التقاط الكربون، وبدونها، لن يتحقق هذا الهدف». 
وأوضح معاليه أن تعزيز استخدام التكنولوجيا في دول الجنوب العالمي يتطلب قيام القطاعين الحكومي والخاص والجهات مُتعددة الأطراف بتحفيز التمويل المناخي، بما يسهم في توفيره بشكل أكبر وعلى نطاق أوسع، وبشروط ميسرة للدول الأكثر احتياجاً إليه.
كما أكد أهمية مواصلة الاستثمار في الطاقة النووية، والعمل على تحقيق قفزات كبيرة في زيادة القدرة التخزينية للبطاريات، والتوسع في الطاقة النووية، والاستثمار في حلول الطاقة الجديدة مثل الاندماج النووي، من أجل خفض الانبعاثات العالمية.
الجابر تطرق لتجربة الإمارات في «مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ»، بالشراكة مع الولايات المتحدة و50 دولة، «بهدف الاستفادة من التكنولوجيا من أجل الحد من الانبعاثات وزيادة وفرة الغذاء لكافة سكان العالم».
العدالة المناخية.. رحلة البحث عن حلول
في 17 أبريل 2023 أجرت محررة شؤون البيئة في صحيفة «الجارديان» البريطانية مقابلة مع معالي الدكتور سلطان الجابر أشار خلالها إلى إنجازات الإمارات في مجال الطاقة المتجددة، ومساعدات التنمية الخارجية، في التنويع خارج نطاق النفط، بحيث أصبح 75% من ناتجها المحلي الإجمالي الآن غير قائم على النفط، وقال إن ذلك سيمكنه من تحفيز الدول الأخرى المنتجة للنفط على الخروج بمثل هذا الأمر.

احتجاز الكربون
قال الجابر: «نحن بحاجة أيضاً إلى توسيع تقنيات احتجاز الكربون بشكل كبير». تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ منذ عام 2016 إن احتجاز الكربون هو أداة أساسية للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة تحت السيطرة. ومع ذلك، يتم احتجاز 44 مليون طن فقط من الكربون سنوياً. نحن بحاجة إلى مضاعفة هذا الحجم 30 مرة. هذا عمل ضخم لا يمكن تحمله في الوقت الحالي. نحن بحاجة إلى لوائح وسياسات حكومية تقدمية وذكية لتحفيز الاستثمار الخاص على نطاق صناعي».
وقال الجابر إنه ستكون هناك حاجة إلى كل من التمويل العام والخاص لتحويل الاقتصاد العالمي إلى قاعدة منخفضة الكربون. قال:«التهديد المشترك لكل التقدم الذي أتحدث عنه هو رأس المال. في العام الماضي تم استثمار 1.4 تريليون دولار في التكنولوجيا النظيفة على مستوى العالم. نحتاج أربعة أضعاف هذا المبلغ. ونحن بحاجة للتأكد من أن الاستثمار يصل إلى المجتمعات الأكثر ضعفاً في جميع أنحاء جنوب الكرة الأرضية.. التمويل يحتاج إلى أن يكون متاحاً بشكل أكبر ويمكن الوصول إليه وضمن الإمكانيات. نحن بحاجة إلى التوقف عن الحديث عن انتقال عادل لجنوب الكرة الأرضية، والبدء في التنفيذ». 
التمويل الألماني
في عام 2021، وصل مستوى التمويل الدولي للمناخ في ألمانيا إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، بإجمالي بلغ 5.34 مليار يورو، مخصصة لتمويل المناخ في البلدان النامية، موقفٌ تُعبر عنه تصريحات وزير الخارجية الألماني يوخن فلاسبارث: «إن مساهمة معظم البلدان النامية في تغير المناخ كانت ضئيلة، لكن العديد منها تأثر بشدة بعواقبه. وهذا هو السبب في أن الدول الصناعية على وجه الخصوص تتحمل مسؤولية مساعدة البلدان النامية في التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه. على الصعيد العالمي، تعد ألمانيا واحدة من أكبر مقدمي التمويل الدولي للمناخ. تظهر الأرقام الجديدة أن ألمانيا تكثف جهودها لمواجهة أزمة المناخ في جميع أنحاء العالم. سيتعين علينا مواصلة المسار للتأكد من أن ألمانيا يمكن أن تفي بوعدها بجلب التمويل الدولي للمناخ من الموارد العامة إلى ستة مليارات يورو على الأقل سنوياً بحلول عام 2025. وسيتطلب هذا جهوداً إضافية كبيرة في عامي 2024 و2025». وأكدت سفينيا شولتز، الوزيرة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية، أن «بلدان الجنوب العالمي هي الأكثر تضرراً من عواقب تغير المناخ، وغالباً ما تفتقر إلى الموارد اللازمة لحماية مواطنيها من هذه العواقب. إن الخسائر والأضرار أحد الموضوعات التي تتم مناقشتها في مفاوضات المناخ الدولية. يرتبط الموضوع بمسؤولية الدول الصناعية عن التسبب في تغير المناخ وما يرتبط به من مسألة العدالة المناخية». في تنزانيا، على سبيل المثال، قدمت ألمانيا 20 مليون يورو لدعم برنامج لجعل أنظمة إمدادات المياه في المناطق الناشئة من البلاد أكثر قدرة على التكيف مع تغير المناخ. ألمانيا هي واحدة من أكبر الجهات المانحة لـ«الصندوق الأخضر للمناخ». وخلال الفترة من 2020 إلى 2023، ضاعفت مساهمتها في الصندوق لتصل إلى 1.5 مليار يورو. الصندوق هو الأداة المركزية لتمويل المناخ متعدد الأطراف، يهدف لتحفيز الانتقال إلى التنمية المستدامة منخفضة الانبعاثات، ويقدم المنح والقروض والضمانات والإنصاف للبرامج التي تعزز التنمية الاقتصادية منخفضة الكربون أو تسهم بشكل كبير في التكيف مع تغير المناخ. وأطلقت ألمانيا «مبادرة تكنولوجيا المناخ الألمانية»، فمن خلالها خصصت وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية مبلغ 12.7 مليون يورو لتعزيز النقل الحضري المستدام في أميركا الوسطى.
ألمانيا أيضاً هي أكبر مانح، لـ«مرفق البيئة العالمية» بمساهمة قدرها 700 مليون يورو، علماً بأن «المرفق» هو أكبر ممول في العالم لحماية التنوع البيولوجي، واستعادة الطبيعة، والحد من التلوث، والاستجابة لتغير المناخ في البلدان النامية.
الدرع العالمي
خلال رئاستها لمجموعة السبع، أطلقت ألمانيا «الدرع العالمي ضد مخاطر المناخ»، الذي تم دعمه بالإجماع من قبل المجموعة. سيجمع الدرع أنشطة في مجال التأمين ضد مخاطر المناخ والوقاية منها بالتعاون الوثيق مع مجموعة V20 (اتحاد الدول المهددة بشكل خاص بتغير المناخ). وفي قمة Cop27، أعلن المستشار أولاف شولتز مساهمة ألمانيا بمبلغ 170 مليون يورو للدرع لتمويل مخاطر المناخ.
التغير المناخي جعل الفيضانات الغزيرة أو الجفاف أكثر تواتراً، ما يضع البلدان الفقيرة والضعيفة في ظروف صعبة تتطلب حماية أفضل ضد هذه المخاطر، هذه البلدان تطالب الدول الصناعية بتقديم الدعم. لذلك اتفقت دول مجموعة السبع G7 مع دول مجموعة العشرين (V20) على إنشاء «درع عالمي ضد مخاطر المناخ» تم إطلاقه الدرع رسمياً في 14 نوفمبر 2022 في مدينة شرم الشيخ المصرية مؤتمر المناخ COP27. تعد ألمانيا والدنمارك، من أوائل الداعمين لهذه المبادرة والتي تم إطلاقها رسمياً من قبل مجموعة الدول السبع الصناعية ومجموعة العشرين (الضعيفة المعرضة لخطر التغير المناخي (V20) في 14 نوفمبر 2022.

V20 وG20
انطلقت InsuResilience Global Partnership كمنصة للتعاون الشامل والمتكامل والتعلم المشترك وتقديم الحلول المتعلقة بتمويل مخاطر المناخ والكوارث والتأمين، هذه الشراكة العالمية تجمع بين بلدان مجموعة العشرين G20 مع مجموعة العشرين الضعيفة أو المعرضة لخطر التغير المناخي V20 وأيضاً المانحين والقطاع الخاص والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، من أجل معاً حماية أرواح وسبل عيش الفقراء والضعفاء من آثار الكوارث وجعل البلدان النامية أكثر قدرة على الصمود أمام مخاطر المناخ، والتعافي منها بسرعة، وتتبنى هدفاً طموحاً يتمثل في توفير الحماية المالية ضد مخاطر المناخ والكوارث لـ 500 مليون شخص سنوياً بحلول عام 2025. وفي عام 2021، كان هناك 24 برنامجاً تنفيذياً يعمل تحت مظلة InsuResilience مع 324 مشروعاً في 108 دول.
تحديات العالم النامي
يرى باسكال يونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، أن الدول الجُزرية والدول النامية تواجه تحديات متعددة، أهمها: الحاجة إلى تطوير مساهمات وطنية محددة ذات مسارات نمو شاملة تكون كلها قابلة للتنفيذ في الحال (بناءً على رأس المال البشري والمادي للبلد)، بما يتوافق مع اتفاقيات المناخ (وبالتالي خفض الكربون) والاستجابة لاحتياجات سكانها، وتأمين الأموال لتمكين هذه الدول من تنفيذ سياسات التخفيف والتكيف والتنمية، وضمان عدم تقويض هذه الجهود. من الصعب التأكيد على المساعدة «التي يشتد الاحتياج إليها»، لكنني أود التركيز على دور الحكم والسُلطات المحلية في التخفيف من مخاطر تغير المناخ. في الواقع، يعتمد التكيف مع تغير المناخ على سياسات طموحة، على المستويين الوطني والمحلي. ويمكن دعم تنفيذ هذه السياسات، عبر الصناديق الدولية، لكن الخطوة الأولى هي الاستعداد السياسي والحكم القوي. 
الحاجة إلى الدعم 
يؤكد بونيفاس أن بمقدور الدول الجُزُرية والبلدان النامية الاستفادة من الدعم الدولي لتصميم وتنفيذ مشاريع التكيف، والحد من التعرض للمناخ وإعاقة العمليات طويلة الأجل، مثل عوامل التعرية، وارتفاع مستوى سطح البحر، والتصحر، وانتشار الأمراض التي تنقلها الحشرات. ويمكن أيضاً لهذه الدول الاعتماد على دعم من أجل تخفيف تداعيات التغير المناخي من خلال الصناديق الدولية، مثل «الصندوق الأخضر»، والانخراط في مناقشات للانضمام إلى شراكة الانتقال العادل للطاقة، كما فعلت جنوب أفريقيا بهدف سد الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية في الانتقال إلى الطاقة النظيفة. 

دور التقنيات المتقدمة
يرى «ستيف سيفيرانس»، مدير النمو في مدينة «مصدر» بأبوظبي أن تغير المناخ له تأثير متفاوت على شعوب البلدان النامية. يمكن للأدوات والتقنيات المبتكرة المصممة لتحسين الاستدامة أن تقطع شوطاً طويلاً في التخفيف من آثار تغير المناخ وتحسين نوعية الحياة.
ويعرض سيفرانس أمثلة على ذلك من مدينة «مصدر»، من أهمها تعظيم الموارد الطبيعية المحلية. من الواضح أننا في الإمارات العربية المتحدة لدينا وفرة من أشعة الشمس، وقد حطمت الطاقة الشمسية المنتجة في «مدينة مصدر» الأرقام القياسية لكونها أرخص طاقة في العالم. على نحو متزايد، نرى الناس في أجزاء أخرى من العالم يستخدمون الألواح الشمسية لإنتاج طاقة موثوقة وبأسعار معقولة.
ثانياً: هناك أداة نسميها «التصميم السلبي»، هذا أسلوب للتصميم يستخدم ميزات معمارية لجعل المباني موفرة للطاقة قدر الإمكان. على سبيل المثال، لن تجد مباني مصنوعة من الزجاج وكأنها صندوق زجاجي في مدينة مصدر. كما أننا نصمم النوافذ بزوايا وتظليل مبتكر لزيادة الضوء الطبيعي مع تقليل أشعة الشمس المباشرة. وعلاوة على ذلك، فإننا نستخدم تقنيات إبداعية أخرى لتقليل الحاجة إلى التبريد كثيف الطاقة. تم تصميم المباني في «مدينة مصدر» وتوجيهها للاستفادة الكاملة من الرياح، ما يجعل المدينة أبرد بحوالي 10 درجات من وسط مدينة أبوظبي. في مبنى شركة سيمنز، تكون مخارج الطوارئ (سلم النجاة من الحريق) في الخارج، ما يعني أن مساحة أقل من الأرضية التي تحتاج إلى الإضاءة والتبريد. يمكن لأي مهندس معماري في أي مكان استخدام هذه المبادئ.
ثالثاً: النقل المستدام، يسهم النقل بشكل كبير في انبعاثات الكربون في جميع أنحاء العالم. في «مدينة مصدر»، نعتقد أن النقل في المستقبل سيكون كهربائياً ومشتركاً. انخفضت تكلفة النقل الكهربائي على مدى السنوات العديدة الماضية، ما جعله أكثر سهولة. والخيارات تتجاوز بكثير السيارات الكهربائية الشخصية. يمكن أن تشمل أنظمة النقل المستدامة حافلات النقل العام الكهربائية ومشاركة السيارات الكهربائية. وقد تشمل أيضاً مسارات للدراجات وأرصفة آمنة تشجع المشاة على ترك سياراتهم في المنزل. إن العديد من هذه الخيارات في متناول اليد في البلدان النامية.
 لتحقيق العدالة المناخية، يرى سيفيرانس أنه يجب ألا تكون حلول تغير المناخ باهظة الثمن. وفي «مدينة مصدر»، وجدنا طريقة لإنشاء مبانٍ مستدامة بتكلفة المباني التقليدية نفسها.

إندونيسيا و«ذي سي كلينرز»
العدالة المناخية تتحقق جزئياً من خلال الدعم التقني بنقل التقنيات المتقدمة، لسد الفجوة بين البلدان النامية والاقتصادات الناشئة من جهة والبلدان المتقدمة من جهة أخرى. وضمن هذا الإطار، أشارت «إليز ديبينيو»، رئيسة الاتصالات الدولية بمنظمة «ذي سي كلينرز» الفرنسية، إلى أهمية المشروعات التقنية المشتركة بين دولة متطورة ودولة نامية إلى المساعدة في بناء قدرة هذه الأخيرة في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وذلك بالتعاون مع الجهات الفاعلة المحلية، فلا يمكن عمل أي شيء من دون تعاون الكوادر المحلية، فهي أكثر دراية بالتفاصيل.
وتعرض «ديبينيو»، مثالاً عملياً للحلول التكنولوجية التي تقدمها منظمة «سي كلينزرز» لإزالة تلوث المحيطات في إندونيسيا، حيث تتم معالجة النفايات التي تم جمعها بواسطة قارب التنظيف دشنته «ذي سي كلينرز» باسم «موبولا 8» بواسطة شريك محلي، ومن خلال أربع مهام: (جمع النفايات على الأرض وفي البحر والتثقيف والبحث العلمي وتعزيز الاقتصاد الدائري)، سيتم توفير ما يتراوح بين 51 و101 فرصة عمل في المجتمعات المحلية، بالإضافة إلى ذلك، يعمل قارب «موبولا 8» على تحسين جودة المياه عن طريق الحد من التلوث، ويساعد على حماية واستعادة النظم البيئية في المياه.
وأشارت «ديبينيو» إلى أن عمليات التنظيف المذهلة التي يقوم بها موبولا 8 توفر فرصاً لتنظيم حملات توعية حول التلوث البلاستيكي. تقترن هذه الاستراتيجية بجهود للحد من النفايات البلاستيكية كمصدر لها وكجزء من تحرك أكبر نحو اقتصاد دائري.

الحل في التقنية
استنتج جيفري كمب، مدير البرامج الاستراتيجية بـ«مركز ناشونال انترست» في واشنطن، أنه لا ينبغي انتظار توافقات أميركية- صينية- أوروبية، كي يتم تقديم الدعم للدول النامية، خاصة أن الولايات المتحدة وأوروبا منشغلتان بأوكرانيا وأزمات الهجرة الفورية. وفي الوقت ذاته، تستعد الولايات المتحدة لانتخابات عام 2024، ولدى «الديمقراطيين» والجمهوريين خلافات قوية حول كيفية التعامل مع تغير المناخ.
- في العقد المقبل، سيكون للتطورات التكنولوجية، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، تأثير كبير على الطاقة والمنتجات الخضراء، والطب، والزراعة، والتصميم المعماري، والعديد من التخصصات الأخرى التي يمكن أن تقلل من آثار تغير المناخ.
من المحتمل- حسب كمب- ألا تكون هناك طريقة مجدية لحماية الدول الجُزرية المنخفضة من ارتفاع مستوى سطح البحر. لكن مع إشعار مسبق، يتيحه التطور التقني سيكون إخلاء بعض الجزر أمراً لا مفر منه. وأضاف كمب: يوجد عدد من الحلول الهندسية لارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة المد والجزر. وقد أقامت البندقية وهولندا ولندن حواجز للحماية. لكن التكاليف كانت باهظة للغاية. ربما تستطيع الدول الغنية تحمل تكاليف هذه الحلول المؤقتة، لكنها لن تتحمل البلدان الفقيرة، بما في ذلك الجزر المنخفضة هذه التكلفة. ولدى كمب قناعة بأن التقدم التكنولوجي أصبح في نهاية المطاف عامل تغيير لقواعد اللعبة للحد من مخاطر وتكاليف تغير المناخ. كما أن التطورات الملحوظة في الذكاء الاصطناعي ستجعل التنبؤ بالطقس بعيد المدى أكثر دقة، وبالتالي يمكن أن ينقذ العديد من الأرواح، إنْ لم يكن الممتلكات، عندما تحدث الأعاصير والمد والجزر والفيضانات والحرائق والجفاف بوتيرة متزايدة في المستقبل، كما أن التقنيات الهندسية الجديدة لتعزيز حماية الشواطئ والمساكن والمحاصيل والأرصدة الحية كلها تطورات إيجابية. ويتفاءل كمب بأن التطور السريع لتقنيات الاتصال حتى في المناطق النائية يضمن مساعدة البلدان الفقيرة على تحسين قدراتها بتكلفة ليست باهظة. تسببت جائحة كوفيد في تعطيل التعاون الدولي بشأن تغير المناخ. ومع انتهاء الوباء، هناك فرصة للتركيز مرة أخرى على أخطر تحدٍّ يواجه جميع البلدان.

ذِكْرُ الرحمن: تمويل المناخ في الدول النامية غير كافٍ يقتصر على 100 مليار دولار سنوياً نظراً للطابع الملّح للمخاطر المناخية
أكد الدكتور ذِكْر الرحمن، رئيس المركز الثقافي العربي الهندي، ومركز دراسات غرب آسيا في الجامعة الإسلامية بالهند، أن مفاوضات المناخ شاركت فيها الدول الجُزرية الصغيرة النامية، لأن التغير المناخي يهدد هذه الدول، حيث يشير تقرير «التقييم السادس للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ في عام 2022» إلى أنه حتى مع الإجراءات القوية، فإن الدول الجزرية أكثر عرضة لتأثيرات المناخ مثل الفيضانات، وفقدان مصائد الأسماك، والأعاصير الأكثر تواتراً وقوة، والفيضانات الساحلية بسبب ارتفاع سطح البحر. في بعض هذه الدول، قد يواجه نصف السكان فيضانات ساحلية في غرب المحيط الهادئ، وما بين 30% و50% في المحيط الهندي ومنطقة البحر الكاريبي. ودعا ذِكر الرحمن إلى التركيز بشدة خلال مفاوضات التغير المناخي على زيادة التمويل المتعلق بالمناخ بالنسبة للجُزر الصغيرة والبلدان النامية بما يتجاوز 100 مليار دولار سنوياً، والتي تم التأكيد عليها بموجب اتفاقية باريس.
التجربة الهندية
ويكمن جانب من الحلول في تحقيق انتقال سريع نحو الاقتصاد الأخضر، والتحول صوب الطاقة المتجددة. ويعرض د. ذِكر الرحمن لتجربة الهند، حيث قالت الحكومة الوطنية إنها قد حققت بالفعل الوعود الرئيسية التي تم التعهد بها بموجب اتفاقية باريس، والاتجاه بحلول عام 2030 إلى تحويل 40% من إنتاج الطاقة إلى الطاقة المتجددة، وإطلاق وعود أخرى يتم تنفيذها بموجب الاتفاقية كإنشاء مخزن للكربون يعادل 2.5 إلى 3 مليارات طن بحلول عام 2030.
وعن نوع المساعدة التي تحتاج إليها البلدان النامية في الغالب للحد من مخاطر تغير المناخ، كخطوة نحو تحقيق «العدالة المناخية»، يرى ذِكر الرحمن أن تمويل المناخ في الدول النامية يقتصر بموجب اتفاقية باريس على 100 مليار دولار سنوياً، مبلغ غير ملائم، نظراً للطابع الملّح للمخاطر المناخية.
 وأشار ذِكْرُ الرحمن إلى اليابان وألمانيا كونهما يمولان بدائل نقل صديقة للبيئة في بعض المدن الهندية، مثل بناء خطوط مترو الأنفاق وشراء حافلات كهربائية. علاوة على ذلك، يعد توليد الطاقة وإنتاج الصلب أحد القطاعات الرئيسية التي تحتاج إلى المساعدة لتقليل الانبعاثات. وقد شرعت الهند في مهمة لإنتاج الهيدروجين، وهي بحاجة إلى توسيع نطاقها بسرعة، مما يتطلب استثمارات ضخمة.
 تحتاج الهند إلى خريطة طريق لتقليص الطاقة والانبعاثات الصناعية بسرعة. لكن قطاع الصلب في الهند الذي يحتاج إلى تحويل عملياته إلى الأخضر سيجد صعوبة من دون توافر التمويل والتكنولوجيا لإنتاج الطاقة واحتجاز الكربون وتخزينه.
إن تطوير المواد الحديثة التي تنطوي على انبعاثات أقل، مثل المواد المركبة، يجب أن تقودها البلدان المتقدمة، وأن تتم إتاحة التكنولوجيا بشروط معقولة للاقتصادات الناشئة، والمتطلبات نفسها تنطبق على الانبعاثات من المباني والزراعة وإدارة النفايات، إلى جانب النقل.
محاذير تصديرية
ويرى ذِكْر الرحمن أنه في الوقت الحاضر، يمكن للاتحاد الأوروبي وربما الولايات المتحدة في المستقبل فرض ضرائب على البلدان التي لديها انبعاثات كربونية عالية في الإنتاج الصناعي. وهذا من شأنه أن يؤثر على الكفاءة التصديرية للبلدان النامية مثل الهند.
أفريقيا والمناخ فجوة التمويل
أفريقيا القارة الأقل تلويثاً للكوكب، كونها تساهم بـ2.8% فقط من الانبعاثات العالمية لغازات الاحتباس الحراري، لكنها من أكثر بقاع الأرض عرضةً لمخاطر التغير المناخي، وتتلقى أقل من 3% من إجمالي تمويل المناخ العالمي. تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، رصد خسائر هائلة تكبدتها دول القارة خلال الـ50 عاماً الماضية: الجفاف أودى بحياة نصف مليون شخص وتسبب في خسائر بلغت 70 مليار دولار. وأسفرت الفيضانات عن 1000 كارثة، وتقديرات بخسائر سنوية جراء التغير المناخي تبلغ 50 مليار دولار أميركي. 
المخاطر المناخية تستوجب تمويلاً من جهات متعددة الأطراف، لتسهيل التحول نحو النمو الأخضر، بنك التنمية الأفريقي يتطلع لزيادة حصة القطاع الخاص الذي لا تزيد حصته على 14% من إجمالي تمويل المناخ بالقارة. وخلال الفترة من 22 إلى 26 مايو المقبل، يطمح البنك في اجتماعاته السنوية المرتقبة بشرم الشيخ إلى تعبئة تمويل القطاع الخاص للمناخ والنمو الأخضر في القارة الأفريقية. 
تمويل المناخ للبلدان الأفريقية
«مبادرة سياسة المناخ»، مؤسسة بحثية مقرها سان فرانسيسكو، مهمتها دفع النمو الاقتصادي مع معالجة تغير المناخ، أكدت عبر دراسة أصدرتها خريف العام 2022 أن التدفقات المالية السنوية لتمويل المناخ في أفريقيا لم تتجاوز 30 مليار دولار أميركي، أي 11% من إجمالي ما تحتاج إليه سنوياً لمواجهة التغير المناخي، وهذا يعني أن تمويل المناخ الموجه لأفريقيا يحتاج إلى أن ينمو 9 مرات من 30 مليار دولار أميركي سنوياً إلى 277 مليار دولار لتحقيق الأهداف المناخية لعام 2030 هذه الفجوة التمويلية لا تتسق مع الفرص الاستثمارية الكبيرة داخل القارة السمراء، سواء في التوسع الحضري والبنى التحتية وقطاع الطاقة. 
«شراكة انتقال عادل للطاقة»
تهدف «شراكة انتقال الطاقة العادلة» إلى سد الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية في التحرك نحو الطاقة النظيفة. تعد جنوب أفريقيا وإندونيسيا وفيتنام أول ثلاث دول تحصل على تمويل. كانت أول تفعيل لهذه الشراكة مع جنوب أفريقيا وتم الإعلان عنها في COP 26 أو قمة جلاسكو للمناخ في نوفمبر 2021. وتعهد الممولون، وهم خمسة من أعضاء «مجموعة الشركاء الدوليين» الحاليين بقيادة الولايات المتحدة واليابان وكندا والدنمارك فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنرويج والمملكة المتحدة، بتقديم 8.5 مليار دولار أميركي في جولة التمويل الأولى. بعد ذلك بعام، في الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في شرم الشيخ، نشرت جنوب أفريقيا خطة تنفيذ برنامج شراكة الانتقال العادل للطاقة الخاص بها. من المتوقع أن تمنع هذه الشراكة ما يصل إلى 1-1.5 جيجا طن من الانبعاثات من الغلاف الجوي على مدار العشرين عاماً القادمة.
صندوق الأمازون
يمكن تقديم «صندوق الأمازون» الذي أنشأته النرويج والبرازيل في عام 2008، كنموذج للتعاون في مجال التمويل المناخي، ويركز الصندوق على الدعم الأوروبي للاستثمار في مشاريع بالجزء البرازيلي من غابات الأمازون. الصندوق يُعد آلية تركز على الحد من الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدهورها، ودور الحفظ والإدارة المستدامة للغابات وتعزيز مخزون الكربون في الغابات. وقد تم إنشاؤه لزيادة المساهمات بحيث يمكن الاستثمار في الجهود، لمنع ومراقبة ومكافحة إزالة الغابات. في الوقت الحالي، يأتي 93.8% من التمويل من النرويج، و5.7% أخرى تبرعت بها ألمانيا و0.5% من شركة Petrobras البرازيلية للنفط والغاز مملوكة للدولة.
الدول النامية تحتاج إلى 2 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2030 للتعامل مع الانهيار المناخي
تحقيق العدالة المناخية ليس هدفاً «طوباوياً»، لكن لا مناص من السير نحوه، والاقتراب منه بخطوات عملية، ومبادرات واقعية. وتدرك مراكز البحوث والهيئات المعنية بالمناخ في الأمم المتحدة جيداً حجم الفجوة بين شمال متقدم وأكثر جاهزيةً واستباقية في التعامل مع تحديات التغير المناخي، وجنوب صاعد التحق بركب التنمية ويطمح لتصحيح مسارات اقتصاده وقطاعاته الإنتاجية ليحقق التزاماته الوطنية بموجب اتفاقية باريس للمناخ. 
البحث عن مسارات مبتكرة في الطاقة والزراعة والصناعة بات مطلباً ملحاً، وتحفيز الأفراد والقطاع الخاص على الانخراط في العمل المناخي بطريقة أو بأخرى، يظل «فن الممكن» للمضي قدماً نحو «صفر كربون» وكبح الاحترار ودرء تداعيات التغير المناخي. 
وتعد جوائز الاستدامة رافداً حيوياً لتحفيز العمل المناخي في قطاعات متنوعة، يشارك فيها متسابقون من جميع أنحاء العالم، وتستفيد منها مجتمعات الدول النامية. وضمن هذا الإطار تأتي «جائزة زايد للاستدامة»، ومنذ انطلاقها في العام 2008 حققت إنجازات عالمية، أهمها: تزويد 54 مليون منزل بالطاقة المتجددة، وتمكين 11 مليون شخص من الحصول على مياه الشرب النظيفة، ورفع مهارات 16 مليون شخص من خلال التدريب، وإنارة المدارس بالطاقة الشمسية لـ 26 مليون طفل في المراحل الدراسية. 
وتأتي جائزة «جولدمان البيئية» التي انطلقت منذ عام 1988، وباتت تعرف باسم «نوبل الخضراء»، وتحتفي بالمدافعين عن البيئة في مجتمعاتهم من شتى أنحاء العالم، وخلال 34 عاماً قدمت الجائزة 29 مليون دولار للفائزين من 95 دولة، وعددهم حتى الآن 219 فائزاً ينتمون إلى 95 بلداً، وتمكنت 98 سيدة من الفوز بالجائزة. ومن بين الجوائز: جائزة أبطال الأرض، وهي أعلى تكريم بيئي يصدر من الأمم المتحدة، وانطلقت منذ عام 2005 لتحتفي بما تختاره من أشخاص يلهمون الآخرين ويشجعونهم على الانضمام إليهم في الدفاع عن مستقبل أفضل وأكثر استدامة، وجوائز أشدين التي انطلقت في عام 2001، كبرنامج جوائز سنوي بريطاني يكرم ويكافئ المنظمات التي تعمل على معالجة تغير المناخ، وتعزيز التنمية المستدامة في البلدان النامية.
«تمويل العمل المناخي»
يشير تقرير «تمويل العمل المناخي» الذي تدعمه الأمم المتحدة، إلى أن البلدان النامية والناشئة باستثناء الصين تحتاج بحلول عام 2030 إلى 2 تريليون دولار سنوياً للتعامل مع الانهيار المناخي. وكي تتجنب هذه الدول كوارث التغير المناخي، يدعو التقرير إلى زيادة المنح والقروض منخفضة الفائدة من حكومات البلدان المتقدمة من حوالي 30 مليار دولار سنوياً اليوم إلى 60 مليار دولار بحلول عام 2025. 

ويشير «نيكولاس ستيرن»، رئيس «معهد غرانثام» للبحوث بشأن تغير المناخ والبيئة في «كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية»، المحرر الرئيسي لتقرير «التمويل من أجل العمل المناخي» إلى أنه «يجب على الدول الغنية، نظراً للآثار الشديدة الناجمة عن المستويات العالية من انبعاثاتها الحالية والسابقة، إدراك أن من مصلحتها الذاتية الحيوية، وكذلك من أجل مسألة تتعلق بالعدالة، أن تستثمر في العمل المناخي في الأسواق الناشئة والبلدان النامية». 
تمويل «التكيف» 
حذر تقرير «فجوة التكيف لعام 2022» الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والمعنون بـ: «القليل جداً والبطيء جداً»، من أن فشل التكيف مع التغير المناخي يُعرض العالم للخطر، ويجب على العالم زيادة جهوده بشكل عاجل للتكيف مع تأثيرات تغير المناخ. وحسب التقرير: تبرز الكوارث المناخية الأخيرة، مثل الفيضانات الكارثية في باكستان ونيجيريا وتشاد، والجفاف الطويل والمجاعة في القرن الأفريقي، الحاجة الملحة للاستثمار في التكيف مع التغير المناخي، ولتحقيق هذا الهدف تحتاج البلدان النامية ما يقدر بـ 160-340 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن يرتفع هذا المبلغ إلى 315-565 مليار دولار بحلول عام 2050. ولكن في الوقت الحالي، يتم تخصيص أقل من 50 مليار دولار - أو 10% فقط من التمويل المتعلق بالمناخ - للتكيف. وأثناء قمة COP27 تم التأكيد على ضرورة زيادة مبلغ تمويل التكيف للبلدان النامية بمقدار 5 إلى 10 أضعاف.
دور البنك الدولي
لا تزال مجموعة البنك الدولي أكبر ممول متعدد الأطراف لأنشطة العمل المناخي في الدول النامية، ولهذا الغرض، خصصت المجموعة 35% من تمويلها خلال الفترة من 2021 - 2025، وموَّلت في السنة المالية 2022م العمل المناخي في الدول النامية مبلغ وقدره 31.7 مليار دولار أميركي بزيادة تبلغ 19% عن العام 2021م.

الإنصاف بالتمويل
الاقتراب من العدالة المناخية يستوجب دعماً مالياً يسد الفجوة التي تعاني منها الدول النامية، خاصة وأنها تحتاج، وفق تقرير صادر عن قمة COP27، إلى تعبئة 2.4 تريليون دولار أميركي من التمويل الخارجي للمناخ سنويًا بحلول عام 2030.
وحسب تقرير صدر في 16 مايو عن World Resources Institute تبرز الكوارث المناخية الأخيرة، مثل الفيضانات الكارثية في باكستان ونيجيريا وتشاد، والجفاف الطويل والمجاعة في القرن الأفريقي، الحاجة الملحة للاستثمار في التكيف. تتطلب البلدان النامية ما يقدر ب 160-340 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030 للتكيف مع التأثيرات المناخية المتزايدة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا المبلغ إلى ما بين 315 إلى 565 مليار دولار بحلول عام 2050. ولكن في الوقت الحالي، يتم تخصيص أقل من 50 مليار دولار - أو 10% فقط من التمويل المتعلق بالمناخ - للتكيف. كما تم التأكيد في COP27، يجب زيادة مبلغ تمويل التكيف للبلدان النامية بمقدار 5 إلى 10 أضعاف.

 

«التأمين ضد ضربات الشمس»
الخطر المناخي يطال المستثمرين ورواد الأعمال، ولذلك عليهم المبادرة بالانخراط في العمل المناخي. فرص جديدة نشأت جراء الاحترار، على سبيل المثال نشرت بلومبيرج تقريراً من اليابان تتحدث فيه عن «التأمين ضد ضربات الشمس»، من خلال شركة «سوميتومو» اليابانية للتأمين على الحياة، وباعت من خلال تطبيقات على الهواتف المحمولة، أكثر من 60 ألف وثيقة تأمين. وتبلغ تكلفة التغطية أقل من 100 ين (75 سنتاً) يومياً لتغطية تكلفة العلاج في المستشفى والتكلفة الطبية الأخرى الناجمة عن الحرارة والشمس.
 وحسب حملة «السباق إلى الصفر» Race to Zero، وصل الاستثمار في الطاقة المتجددة إلى التكافؤ مع الاستثمار في الوقود الأحفوري لأول مرة في عام 2022، ما يمثل تحولاً طال انتظاره نحو التدفقات المالية الصديقة للمناخ. ولكن في حين أن الحد من الانبعاثات أمر بالغ الأهمية، إلا أنه يمثل جانباً واحداً فقط من العمل المناخي الشامل. وحسب رؤية «الحملة»، هناك أسباب وجيهة جداً للشركات والقطاع المالي للقلق بشأن تأثيرات المناخ والتكيف معه. يواجه المستثمرون من القطاع الخاص مخاطر انتقالية ناجمة عن التحولات في الابتكار والتكنولوجيا والتنظيم، بالإضافة إلى المخاطر المادية الناجمة عن حرائق الغابات الأكثر شدة والإجهاد المائي وموجات الحر والأعاصير. هذه التأثيرات المناخية تعرض ما يصل إلى تريليون دولار للخطر على مدى السنوات الخمس المقبلة لأكبر 215 شركة في العالم. تتعرض الشركات أيضاً لضغوط متزايدة لتحقيق توقعات التنمية المستدامة.
حلول من الطبيعة 
تضيف دولة الإمارات العربية المتحدة إلى رصيدها مبادرة «تحالف القرم من أجل المناخ» التي أعلنتها خلال قمة COP27، بالشراكة مع جمهورية إندونيسيا، لتطرح حلاً قائماً على الطبيعة لمواجهة التغير المناخي، خاصة أن غابات القرم تلعب دوراً كبيراً في امتصاص وعزل انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً. وهذه المبادرة تجربة تستطيع الدول النامية، خاصة الدول الجزرية المهددة بالتغير المناخي الاستفادة منها. وقدمت الإمارات نموذجاً عملياً في توظيف أحدث التقنيات في زراعة أشجار القرم، عندما تعاونت «أدنوك» مع «هيئة البيئة- أبوظبي»، في زراعة 2.5 مليون شتلة من أشجار القرم في جميع أنحاء أبوظبي، باستخدام طائرات من دون طيار، ضمن طموح بزراعة 10 ملايين شجرة قرم في أبوظبي بحلول عام 2030.
«الابتكار الزراعي للمناخ»
وجاءت مبادرة «الابتكار الزراعي للمناخ» التي انطلقت رسمياً خلال قمة «COP26» بقيادة الإمارات والولايات المتحدة الأميركية ومشاركة 30 دولة، بهدف تسريع العمل على تطوير أنظمة غذائية وزراعية ذكية مناخياً على مدى الأعوام الخمس المقبلة. وتعهدت الإمارات باستثمار إضافي قيمته مليار دولار كجزء من هذه المبادرة، الهادفة إلى الاستثمار الطموح في ابتكار الأنظمة الغذائية والزراعية الذكية مناخياً والحفاظ على الطبيعة والتنوع البيولوجي، وتعزيز القدرة على مقاومة عوامل التغير المناخي، وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة وعزل الكربون. مبادرات الإمارات النوعية في العمل المناخي الساعية لتقديم الحلول وصناعة الفرص في القطاعات كافة تتواصل، ففي 30 يناير الماضي، أطلقت «طيران الإمارات» رحلتها التجريبية الأولى باستخدام وقود مستدام، خطوة هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعكس اهتمام الإمارات بتحقيق أهداف الاستدامة والحد من الانبعاثات.
عدالة.. غائبة لكن ممكنة 
وحّد التغير المناخي بوصلة العالم وصهر أيديولوجياته صوب حماية الطبيعة، ليس من أجل الراحة البصرية، بل لاستمرار النمو وصناعة الفرص ودرء المخاطر وحماية الموارد وصيانة المكتسبات كي تستفيد منها الأجيال المقبلة. وانطلاقاً من مقولة «ما لا يدرك كله لا يترك جله»، تحاول القمم المناخية - منذ Cop1 برلين 1995 إلى Cop27 شرم الشيخ 2022- تصويب الخلل بين الشمال والجنوب وتحديد المسؤوليات والالتزامات، والانتقال بسرعة إلى التنفيذ، لكن يبقى السجال مفتوحاً، لأن الغرب لم يعترف رسمياً بمسؤوليته عن الانبعاثات منذ الثورة الصناعية الأولى كي يتفادى التعويض، وبات منخرطاً في اقتراح الحلول، وهذه الأخيرة تتصدرها مسألة التمويل من خلال «صندوق الخسائر والأضرار» أثناء قمتي جلاسكو وشرم الشيخ، ومن خلال تفعيل التعهدات بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية، إضافة إلى تمويل البنك الدولي والمؤسسات متعددة الأطراف، ومجموعة العشرين ومجموعة السبع الصناعية، ومبادرة «الدرع العالمي»، والاستفادة من مبادرات قائمة على حلول من الطبيعة مثل «مبادرة القرم من أجل المناخ» و«الابتكار الزراعي للمناخ» وأيضاً عبر شراكات وتحالفات (جنوب-جنوب)، مثل مجموعة عدم الانحياز والصين، وعبر المنظمات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي والجامعة العربية وتحالف الدول الجُزرية الصغيرة، ومجموعة العشرين الضعيفة V20 التي من مهمتها إعلاء صوت الجنوب في مفاوضات المناخ والتأكيد على مقاربات شاملة لا تتوقف عند تخفيض الانبعاثات، بل صناعة الفرص الجديدة باستثمار في الطاقة المتجددة وتخزين الكربون وإنتاج الهيدروجين، وتطوير الخدمات المالية ونقل التكنولوجيا، وتقديم الدعم الفني وضخ الاستثمارات الهادفة لبناء اقتصاد دائري.
ومن المهم إدراك أن مسألة التمويل بالنسبة للدول النامية لا تعني فقط التعويض عن الخسائر، بل بناء القدرات للتكيف والتخفيف من التداعيات المناخية، مع مراعاة تباين المخاطر من وشيكة جداً كما في ارتفاع مستويات سطح البحر بالدول الجزرية، أو يمكن احتواؤها كما في بعض الدول النامية. 
والأمر لا يتعلق بكبح الانبعاثات أو الطاقات المتجددة فقط، بل بتطوير تدريجي ومتوازن لأدوات الإنتاج في قطاعات متنوعة كالزراعة والأغذية والتشييد والنقل وتدوير النفايات والصناعة والتعدين، بحيث لا يتم ترك دولة ما أو منطقة خارج الركب العالمي المتجه نحو الاقتصاد الأخضر. 

«العدالة المناخية».. «الفضيلة» الغائبة