دينا محمود (كابول، لندن)

في ظل برودة قارسة تتدنت فيها درجات الحرارة في كثيرٍ من الأحيان إلى ما دون الصفر خلال الليل، يكافح عشرات الملايين من الأفغان، لمواجهة هذه الظروف المُناخية القاسية، التي تتزامن مع تدهور الأوضاع المعيشية في بلادهم، خاصة وسط عراقيل متزايدة، تحول دون وصول المساعدات الإنسانية الدولية، للكثير من المحتاجين إليها، في شتى أنحاء أفغانستان.
فموجة البرد الشديد الحالية، حصدت حتى الآن أرواح أكثر من 160 شخصاً، في مناطق أفغانية مختلفة. كما أهلكت ما لا يقل عن 200 ألف من رؤوس الماشية، من ماعز وأغنام وغيرها، وهو ما يفاقم معاناة من يتكسبون من وراء تربية هذه الحيوانات، لبيعها أو الحصول منها، على لحوم وألبان وأصواف.
ويشكل ذلك ضربة أخرى لقطاع تربية المواشي في أفغانستان، الذي ازداد عدد العاملين فيه مؤخراً، مع تقلص الاستثمارات الأجنبية في البلاد. فالشتاء الحالي، يشهد هلاك عدد قياسي من الماشية، سواء بسبب التدني الحاد في درجات الحرارة، أو بفعل نقص كميات الأعلاف المتوافرة في الأسواق.
بالإضافة إلى ذلك، قاد تساقط الثلوج بكثافة في المناطق الجبلية في أفغانستان، خاصة الشمالية النائية منها، إلى إغلاق الكثير من الطرق، وعزل القرى والبلدات الواقعة في هذه البقاع، بما يحول دون وصول المؤن والمساعدات العاجلة من أغذية وأدوية، إلى السكان.
ووفقاً لتقديرات برنامج الأغذية العالمي، يواجه نحو 20 مليون أفغاني، نقصاً حاداً في الغذاء خلال الشتاء الحالي، من بينهم ستة ملايين، يعانون انعدام الأمن الغذائي بمستوى حرج، وهو ما يُعزى جزئياً، إلى توقف العديد من المشروعات المُمولة بمعونات أجنبية أو تعليق العمل فيها، بسبب تبعات قرارات من قبيل منع الأفغانيات من الالتحاق بالجامعات، وحظر عملهن في المنظمات الدولية غير الحكومية.
وكان للكثير من هذه الجمعيات والمنظمات، الفضل في تخفيف وطأة شتاء العام الماضي على ملايين الأفغان، بفعل توليها توزيع المواد الغذائية والإمدادات ذات الطبيعة الإنسانية، في غالبية أرجاء البلاد، وهو ما يزيد بالتبعية من الأعباء الملقاة على عاتق السلطات المحلية، التي تكافح في الوقت الحاضر، لسد الفجوة الناجمة عن تقلص المساعدات الخارجية.
واعتبر بيتر كيسلر، المتحدث الرسمي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والذي يتخذ من كابول مقراً له، أن من شأن هذه القرارات، التسبب في حدوث «اضطرابات كارثية»، على صعيد توزيع الإعانات والإمدادات العاجلة، على ملايين من النساء والأطفال في أفغانستان.
ولكن عرفان الله شرفزوي، المتحدث باسم جمعية الهلال الأحمر الأفغاني، وهي مؤسسة إغاثية غير حكومية، اتهم أطرافا خارجية لم يسمها بـ «تسييس» ملف الدعم الإنساني، قائلا في تصريحات نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، إن الجمعية باتت عاجزة، عن تلقي مساعدات مادية أو عينية، من جهات أو دول أجنبية.
وأشار شرفزوي في الوقت نفسه، إلى أن عدد المحتاجين لمساعدات عاجلة خلال الشتاء الحالي، يناهز الآن عشرة ملايين من مواطني أفغانستان، محذراً من أنه لم يعد بوسع الجمعية، سوى سد احتياجات نصف هذا العدد بالكاد، وذلك في الوقت الذي تحاول فيه السلطات التنسيق مع أطراف مختلفة، لإيصال الإعانات، حتى ولو تم ذلك باستخدام المروحيات العسكرية، لنقل البطاطين والأعلاف والحطب إلى المناطق النائية.
وكانت مصادر أممية، قد حذرت قبل بضعة شهور، من أن أكثر من نصف عدد السكان البالغ قرابة 39 مليون أفغاني، يواجهون المستوييْن الثالث والرابع من مستويات انعدام الأمن الغذائي، وهو ما جعل البعض يُشبِّه الوضع في أفغانستان، بنظيره في الصومال، الذي تهدده مجاعة وشيكة، جراء موجة جفاف هي الأسوأ من نوعها، منذ عقود.