هدى جاسم (بغداد)

لم يخطر ببال الفنان العراقي جواد سليم أن يصبح «نصب الحرية» الذي يتوسط العاصمة بغداد إيقونة المطالبين بحقوقهم، في الوقت ذاته الذي أصبح خلفية لأجمل ذكريات القادمين إلى بغداد وهم يلتقطون الصور ويوثقون أجمل أوقاتهم.
الفنان جواد سليم لم يشهد افتتاح النصب الذي عمل عليه بين العراق وإيطاليا عام1961، لتكمله من بعده زوجته البريطانية لورنا، التي عاشت في بغداد منذ عودته من الدراسة في أربعينيات القرن الماضي.
لكن سليم محمد صالح الذي كان أحد المحتجين المطالبين بالإصلاحات وفرص العمل عام 2019 كان شاهداً على إعادة افتتاح «نصب الحرية»، بعد إعادة تأهيله مع الحديقة التي يتوسطها في ساحة التحرير.
وقال صالح البالغ من العمر44 عاماً، وكان سائقاً لـ«التوك توك» التي كسبت شهرة واسعة في نقل ضحايا احتجاجات أكتوبر عام 2019، إنه باعها لظروف ألمت بعائلته، وهو يعمل الآن تحت «نصب الحرية» بائعاً لعبوات المياه، ويستذكر مئات الضحايا ممن سقطوا تحت هذا النصب وفي محيطه وهم يطالبون بأبسط حقوقهم.
وأشار صالح إلى أنه كان فاعلاً في كل ما ألم بتلك الاحتجاجات التي دخلت فيها عناصر غريبة جعلت منها موضع شك للبعض من المراقبين.
بدورها، قالت الممرضة «س، ل» التي شاركت في احتجاجات 2019، إنه مع فرض قيود «كورونا» ومع حالات القمع تلاشت بشكل كبير التظاهرات في أوائل عام 2020، مع أنها حققت سمعةً مهمة واستطاعت أن تجبر رئيس الحكومة حينها على الاستقالة وإجراء انتخابات مبكرة.
لكن الحاج عبد الكريم الذي قارب عمره الـ70 عاماً يقول: إن ساحة التحرير و«نصب الحرية» شهدا الكثير من الثورات منذ افتتاحهما الأول في الستينيات من القرن الماضي، لكن احتجاجات 2019 كانت هي الأقوى والأوسع.
وكانت الساحة أيضاً منطلقاً لتظاهرات «التيار الصدري» باتجاه «المنطقة الخضراء» قبل أن تتشكل حكومة محمد شياع السوداني من قبل قوى «الإطار التنسيقي».
مراقبون للشأن السياسي وناشطون يؤكدون أن هذه الساحة وهذا النصب سيبقيان منطلقاً للاحتجاج على أي انحراف أو ظلم، مشيرين إلى أن كل الحكومات كانت تخشى المعنى وراء النصب الذي أراد منه الفنان جواد سليم أن يقول: إن القيود لابد لها أن تتحطم أمام إرادة الشعوب.
وعادت ساحة التحرير و«نصب الحرية» إلى سابق عهدهما كموقع للذكريات والتقاط الصور، مع بعض التجمعات والتظاهرات المحدودة المطالبة بفرص عمل، والخدمات مع وجود مستمر لقوات مكافحة الشغب خصوصاً في أيام العطل الرسمية، خشية تطور أي تجمع باتجاه «جسر الجمهورية» الذي يربط المنطقة بـ«المنطقة الخضراء» التي تضم مقار حكومية ومجلس النواب.
وعلى الرغم من اختفاء مظاهر الاحتجاجات بشكلها الواسع، إلا أن الرسوم على جدران النفق الرابط بين الساحة وشارع السعدون ما تزال شاهداً على ما حصل.
 ويقول لؤي أحمد: «كنت طالباً في أكاديمية الفنون الجميلة عندما بدأت الاحتجاجات، حملنا ألواننا مع مجموعة من الطلبة، وقمنا بنقش الأحداث برؤيتنا على الجدران، وكتبنا ذكرياتنا عنها، وهي إلى الآن ما زالت تلون تلك الجدران».