طه حسيب (أبوظبي)
 
القيمة المضافة الحقيقية في مؤتمر الأطراف السابع والعشرين «كوب27» في شرم الشيخ أنه يتبنى هدفاً رئيسياً: ضمان التنفيذ الكامل لاتفاق باريس. وتشهد فعاليات اليومين الثاني والثالث للمؤتمر المناخية حضور أكثر من 100 رئيس دولة وحكومة، للمشاركة في قمة قادة العالم. وسجلت فعاليات «كوب27» خطوة إيجابية كبرى، تتمثل في إدراج بند الخسائر والأضرار خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، ما يعكس، حسب سامح شكري وزير الخارجية المصري، شعوراً بالتضامن مع معاناة ضحايا التغير المناخي وما ينجم عنه من كوارث، وأن المحادثات حول هذا الموضوع تهدف إلى التوصل إلى قرار حاسم «في موعد أقصاه 2024». إدراج هذا البند سيكون بمثابة دعوة للدول الصناعية المتقدمة لتقديم تمويلات إلى البلدان الأقل نمواً، التي تواجه تحديات مناخية كالفيضانات وموجات الحر والجفاف وارتفاع منسوب البحار وكوارث أخرى بسبب تغير المناخ. واكتنزت كلمة أمين عام الأمم المتحدة أنتوني غوتيريش بدعوة صريحة في بداية «كوب27» إلى ميثاق تاريخي للتضامن المناخي بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة. 


حالة طوارئ مناخية 
تستمد فعاليات «كوب27» زخمها من كونها تنعقد في نهاية عام شهد كوارث مناخية لفتت انتباه العالم وتسببت في خسائر فادحة جراء الفيضانات المدمرة وموجات الحرارة غير المسبوقة، وحالات جفاف شديدة وعواصف رهيبة، وكلها علامات لا لبس فيها على حالة الطوارئ المناخية. في الوقت نفسه، يواجه ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم آثار أزمات متزامنة في الطاقة والغذاء والمياه وتكلفة المعيشة، وجميعها تحديات تفاقمت بسبب الصراعات والتوترات الجيوسياسية الشديدة. في هذا السياق، أدت هذه التداعيات إلى تحرك بعض البلدان في الاتجاه المعاكس، سواء ما يتعلق بتعطيل السياسات المرجوة في مواجهة التحدي المناخي، أو العودة إلى استخدام الوقود الأحفوري.
وفي السياق ذاته، تأتي تصريحات سامح شكري، وزير الخارجية المصري في «كوب27»، رأى خلالها: «نجتمع هذا العام في وقت يمر فيه العمل المناخي العالمي بلحظة فاصلة. تواجه التعددية الجيوسياسية، والأسعار المتصاعدة، والأزمات المالية المتزايدة، في حين أن العديد من البلدان التي ضربها الوباء بالكاد تتعافى، وأصبحت الكوارث الناجمة عن تغير المناخ الشديدة والمستنفدة أكثر تواتراً». شكري أشار أيضاً إلى أن «كوب27» فرصة فريدة للعالم في عام 2022 لكي يتحد، ولجعل التعددية تعمل من خلال استعادة الثقة والالتقاء على أعلى المستويات لزيادة طموحنا وعملنا في مكافحة تغير المناخ. يجب أن نتذكر على أن «كوب27» هو «مؤتمر الأطراف للتنفيذ».


جهود غير كافية
يُعقد مؤتمر الأطراف السابع والعشرين في شرم الشيخ على خلفية عدم كفاية الطموح للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، يجب خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2010 لتلبية هدف اتفاق باريس المركزي المتمثل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن. هذا أمر بالغ الأهمية لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ، بما في ذلك موجات الجفاف الشديدة والمتكررة وموجات الحر وهطول الأمطار.
وقبل انطلاق فعاليات «كوب27»، نوّه تقرير نشرته الأمم المتحدة، يشير إلى أنه بينما تتراجع انبعاثات غازات الدفيئة العالمية في بعض البلدان، تظل الجهود غير كافية للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.


تحديث طفيف للالتزامات
وفقاً لتحليل «تتبع العمل المناخي» الذي يرصد منذ عام 2009 ما يتم إنجازه من قبل الحكومات ويقارنه بالأهداف المرجوة من اتفاقية باريس المتفق عليه عالمياً المتمثل في «الحفاظ على احترار أقل بكثير من 2 درجة مئوية، ومتابعة الجهود للحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية»، فإنه حتى يوم الخميس الماضي 4 نوفمبر 2022، أي قبل انطلاق «كوب27» بيومين، قدمت 21 دولة فقط التزامات مناخية وطنية مُحدّثة، ولا تحتوي حتى كل تلك الخطط الجديدة على أهداف أكثر طموحاً، 172 دولة أخرى لم تقم بتحديث أهدافها، وقدمت دولة كبيرة واحدة فقط حتى الآن خطة تتضمن التزامات أقوى وذات مصداقية لخفض الانبعاثات، وهي أستراليا.


 فعاليات منطقة «العمل المناخي»
ستستضيف رئاسة «كوب27» سلسلة من الفعاليات خلال الفترة من 9 إلى 17 نوفمبر التي تسلط الضوء على الحلول العملية لتحدي تغير المناخ واستكشاف مناهج لتوسيع نطاق تنفيذ هذه الحلول على الفور في القطاعات الرئيسية مع جميع أصحاب المصلحة، وضمن هذا الإطار سيتم تقديم خطط وأهداف لمجموعة من القطاعات والمبادرات في عشرات الفعاليات داخل منطقة «العمل المناخي» في «كوب27»، وذلك بتوجيه اثنين من رواد المناخ رفيعي المستوى، نايجل توبنج، رائد المناخ البريطاني وممثل الأمم المتحدة في «كوب26» ومحمود محيي الدين رائد المناخ للرئاسة المصرية في «كوب27»، ويشهد الأسبوع الثاني من المؤتمر نقاشات وزارية خلال الفترة من 15 إلى 18 نوفمبر.
 وخلال «كوب27» سيتم عرض العمل المناخي الذي تقوم به مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة الذين يعملون لدعم تنفيذ اتفاقية باريس، مع التركيز على تحويل التعهدات المتعلقة بالمناخ إلى عمل حقيقي على الأرض، سعياً وراء انبعاثات صفرية صافية، وتعزيز المرونة لأكثر الفئات ضعفاً، ومواءمة التدفقات المالية مع هذه الأهداف.
بالإضافة إلى ذلك، من المهم التذكير بأن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ دعمت المبادرات القطاعية في الرياضة والأزياء والسياحة والطيران وستعلن عن طموح أكبر وتعاون متزايد لمواءمة هذه القطاعات مع هدف 1.5 درجة مئوية لاتفاق باريس.


خسائر مناخية تريليونية
استنتج «مجلس المناخ»، وهو منظمة أسترالية مستقلة قائمة على الأدلة بشأن علوم المناخ وآثاره وحلوله، أنه خلال السنوات العشرين بين عامي 2000 و2020، تم تسجيل 7348 كارثة طبيعية أثرت على أكثر من 4 مليارات شخص، مع خسائر اقتصادية بقيمة 2.97 تريليون دولار أميركي. يؤدي استمرار حرق الفحم والنفط والغاز إلى ارتفاع درجة حرارة كوكبنا وزيادة شحن أنظمة الطقس لدينا، مما يؤدي إلى مزيد من الظواهر الجوية المتطرفة في جميع أنحاء العالم. لا يلتزم تغير المناخ بالخطوط على الخريطة - بغض النظر عن مكان وجودك في العالم، فإن تأثيرات تغير المناخ محسوسة اليوم. ومع ذلك، تؤثر الأحداث بشكل غير متناسب على المجتمعات الضعيفة بالفعل، مثل تلك التي تواجه أزمات تتعلق بالصراع وانعدام الأمن الغذائي والصدمات الاقتصادية لوباء «كوفيد - 19».


مصطلحات جديدة
وهناك مصطلح «تمويل المناخ»، ويعني الأموال التي تدفعها البلدان المتقدمة لمساعدة البلدان النامية على الاستثمار في الطاقة المتجددة ومعالجة الآثار المناخية.
أما مصطلح «الخسائر والأضرار»، فيشير إلى الدور المأمول من الدول المتقدمة لمساعدة البلدان المتضررة من خسائر لا يمكن تجنبها بسبب تغير المناخ.
إن مدفوعات «تمويل المناخ» و«الخسائر والأضرار» هما طريقتان يمكن لقادة البلدان المتقدمة من خلالها معالجة سبب وتأثير تغير المناخ على الصعيد الدولي. على الرغم من أن الأمم المتحدة تدعمها بشدة، إلا أن تكاليف وبدء تنفيذ هذين البرنامجين اللذين تشتد الحاجة إليهما موضع خلاف كبير ومن المرجح أن تظهر خلال مفاوضات «كوب27». 


معضلة تمويل الضرر المناخي
في عام 2009 وخلال «كوب 15» في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، التزمت البلدان المتقدمة بهدف جماعي يتمثل في تقديم 100 مليار دولار أميركي سنوياً بحلول عام 2020 لتمويل العمل المناخي في البلدان النامية، وتم إضفاء الطابع الرسمي على الهدف في«كوب16» في كانكون المكسيكية، وفي «كوب21» في باريس، تم إعادة التأكيد عليه وتم تمديده حتى عام 2025. مواجهة التغير المناخي تتطلب تعاوناً دولياً وموارد مالية واستثمارات كبيرة. ومنذ أكثر من عقد من الزمن، أعلنت البلدان المتقدمة التزامها بحشد 100 مليار دولار سنوياً بشكل مشترك بحلول عام 2020 لدعم العمل المناخي في البلدان النامية، لكن، لم يتم تحقيق هذا الهدف.
قد يبدو الأمر كثيراً، ولكن قارنوا ذلك بالإنفاق العسكري العالمي في عام 2020 والذي قُدر بأقل من تريليوني دولار أو 2000 مليار دولار أو تريليونات الدولارات التي أنفقتها الدول المتقدمة على الإغاثة المتعلقة بفيروس كورونا لمواطنيها.


دور البنك الدولي
 قدمت مجموعة البنك الدولي رقماً قياسياً قدره 31.7 مليار دولار في السنة المالية 2022 لمساعدة البلدان على معالجة تغير المناخ، بزيادة تبلع بنسبة 19%عن أعلى مستوى في التمويل بلغ 26.6 مليار دولار أميركي في العام المالي السابق. لا تزال مجموعة البنك الدولي أكبر ممول متعدد الأطراف للعمل المناخي في البلدان النامية.
ويرى ديفيد ك مالباس رئيس مجموعة البنك الدولي أنه في السنة المالية الأخيرة المنتهية في يونيو 2022، قدمت المجموعة ​​31.7 مليار دولار أميركي إلى البلدان النامية لتحديد وتمكين المشاريع ذات الأولوية العالية المتعلقة بالمناخ كجزء من خطط التنمية الخاصة بها.
وتشير بيانات مجموعة البنك الدولي إلى أن تمويل العمل المناخي في السنة المالية الممتدة من 1 يوليو 2021 حتى 30 يونيو 2022 بلغ 36% من إجمالي تمويل المجموعة، وهذا يتجاوز الهدف المحدد بشأن تغير المناخ للفترة 2021-2025 لنشر ما متوسطه 35% من تمويل المؤسسة لدعم العمل المناخي.
قدم البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية معاً 26.2 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو الماضي لتمويل المناخ، كما تم تقديم ما يقرب من نصف ذلك - 12.9 مليار دولار - لدعم استثمارات التكيف والمرونة. وقدمت مؤسسة التمويل الدولية، ذراع القطاع الخاص لمجموعة البنك الدولي، مبلغاً غير مسبوق قدره 4.4 مليار دولار في مجال تمويل المناخ وحشدت 3.3 مليار دولار إضافية من مصادر أخرى. وقدمت الوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA)، ذراع التأمين ضد المخاطر السياسية وتعزيز الائتمان لمجموعة البنك الدولي، 1.1 مليار دولار لتمويل المناخ.


أوروبا والخطر المناخي
رصدت فيكتوريا بيست في صحيفة «واشنطن بوست» حجم الخطر المناخي في أوروبا تحديداً مستندة إلى تقرير سنوي يرصد حالة المناخ في أوروبا، كان قد صدر الأربعاء الماضي عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج «كوبرنيكوس لمراقبة الأرض» التابع للاتحاد الأوروبي.  تقول الدراسة إن الاحترار في أوروبا أسرع مرتين مقارنة ببقية مناطق العالم، ذلك لأن درجات الحرارة في أوروبا ارتفعت بأكثر من ضعف المتوسط ​​العالمي خلال الثلاثين عاماً الماضية، مع تعافي القارة من صيف شهد ارتفاعًا قياسيًا. وحسب التقرير: ارتفعت درجات الحرارة في أوروبا بمعدل 0.5 درجة مئوية (0.9 درجة فهرنهايت) كل عقد بين عامي 1991 و2021. 

 

أحداث مناخية قاسية
وفي القارة الأوروبية تم تسجيل أحداث مناخية قاسية في فصل الشتاء، مع تساقط الثلوج بغزارة على إسبانيا والنرويج بشكل غير عادي. وأقر التقرير بعض التقدم الذي أحرزه الاتحاد الأوروبي في مكافحة تغير المناخ، وسلط الضوء على انخفاض بنسبة 31 في المائة في غازات الاحتباس الحراري في المنطقة من عام 1990 إلى عام 2020. وقد حددت الكتلة سابقًا خططًا لخفض الانبعاثات بنسبة 55 في المائة عن مستويات عام 1990 بحلول عام 2030. «بيتيري تالاس» رئيس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية دعا أوروبا إلى تعزيز أهدافها للحد من تغير المناخ، ووصفها بأنها «مطلب ضروري للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين، مع متابعة الجهود للحد من الزيادة إلى 1.5 درجة، على النحو المحدد في اتفاقية باريس».


الاختبار الحقيقي
منذ مؤتمر «كوب26» في جلاسكو باسكتلندا، قدمت 29 دولة فقط من أصل 194 خططاً وطنية مشددة لمواجهة التغير المناخي. وضمن هذا الإطار يرى سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، أن الاختبار الحقيقي لهذا الحدث وكل مؤتمر عن المناخ في المستقبل هو إلى أي مدى تقترن المداولات بالعمل على أرض الواقع.
في خطابه الافتتاحي، طلب الأمين التنفيذي لتغير المناخ التابع للأمم المتحدة من الحكومات التركيز على ثلاثة مجالات حاسمة في «كوب27»، أولها: الانتقال نحو تنفيذ اتفاق باريس، ووضع المفاوضات في إجراءات ملموسة.
وثانيها: تعزيز التقدم في مسارات العمل الحاسمة للتخفيف والتكيف والتمويل والخسائر والأضرار، مع تكثيف التمويل لا سيما لمعالجة آثار تغير المناخ. وثالثها: تعزيز تقديم مبادئ الشفافية والمساءلة في جميع أنحاء عملية الأمم المتحدة لتغير المناخ.


رؤية رئاسة «كوب27» 
حددت الرئاسة المصرية لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين رؤية طموحة لهذا المؤتمر والتي تضع الاحتياجات البشرية في صميم جهودنا العالمية للتصدي لتغير المناخ. تعتزم الرئاسة تركيز انتباه العالم على العناصر الرئيسية التي تعالج بعض الاحتياجات الأساسية للناس في كل مكان، بما في ذلك الأمن المائي والأمن الغذائي والصحة وأمن الطاقة. وتتضمن أجندة «كوب27» فعاليات رئيسية حول الجهود المبذولة من أجل مواجهة التغير المناخي، تبدأ بمائدة مستديرة وزارية أولى حول طموح ما قبل عام 2030 ومناقشات مستمرة حول التقييم العالمي - وهي عملية للبلدان وأصحاب المصلحة لمعرفة أين يحرزون بشكل جماعي تقدماً نحو تحقيق أهداف اتفاقية باريس - وأين ليسوا كذلك، وذلك لاستكمال مناقشات بدأت في مؤتمر تغير المناخ في بون خلال شهر يونيو الماضي وستستكمل من جديد في «كوب27». 


قارة تزداد احتراراً
ولفت «بيتيري تالاس» الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن عام 2021 قدم صورة حية لعالم يزداد احتراراً، وذكرنا أنه حتى تلك المجتمعات التي نعتبرها أفضل استعدادًا ليست في مأمن من الآثار الشديدة لظواهر الطقس المتطرفة، خاصة الفيضانات الاستثنائية وحرائق الغابات التي ضربت القارة الأوروبية العام الماضي. ونوّه التقرير بأن أكثر من نصف مليون شخص تأثروا بشكل مباشر بأحداث الطقس والمناخ الكبرى - معظمها من العواصف أو الفيضانات - بتكلفة تجاوزت 50 مليار دولار.
ارتفاع استثنائي في درجات الحرارة وموجات الحرارة شهدته القارة الأوروبية، حيث بلغت الحرارة في صقلية الإيطالية 48.8 درجة مئوية في أغسطس 2021.


أنهار أوروبا الجليدية 
أشار تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج «كوبرنيكوس لمراقبة الأرض» التابع للاتحاد الأوروبي، إلى أن ارتفاع درجات الحرارة كان له تأثير كبير على الأنهار الجليدية في أوروبا: سجلت جبال الألب خسارة 30 متراً (98 قدماً) من سمك الجليد بين عامي 1997 و2021، وساهم ذوبان الغطاء الجليدي في جرينلاند في ارتفاع مستويات البحار العالمية. في أوروبا، تم تحطيم المزيد من درجات الحرارة القياسية هذا العام، حيث شهدت إنجلترا وفرنسا أشد درجات الحرارة في يوليو على الإطلاق، وسجلت بريطانيا أعلى درجة حرارة على الإطلاق، وذوبان الأنهار الجليدية بمعدل غير مسبوق.
كلمة أنتوني غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة في القمة الرئاسية ل«كوب27» اكتنزت بمضامين مهمة، حيث أشار إلى أنه في غضون أيام فقط، سيتخطى سكان كوكبنا حدا جديدا، سيولد العضو رقم 8 مليارات. وتضع نقطة التحول هذه في الاعتبار ما يدور حوله مؤتمر المناخ هذا. بماذا سنجيب عندما يسأل مواليد اليوم: ماذا فعلتم لعالمنا - وكوكبنا - عندما واتتكم الفرصة؟
غوتيريش يرى أن كوب27 تذكير بأن الإجابة في أيدينا. والوقت يداهمنا. إننا نخوض معركة حياتنا، ونخسر. فانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في تزايد مستمر. ودرجات الحرارة العالمية آخذة في الارتفاع. وكوكبنا يقترب بسرعة من نقاط التحول التي ستجعل الفوضى المناخية لا رجعة فيها. نحن نمضي بسرعة في طريقنا إلى جحيم المناخ.
وأضاف: إن الحرب في أوكرانيا، والصراع في منطقة «الساحل»، والعنف والاضطراب في العديد من الأماكن الأخرى هي أزمات مروعة يعاني منها عالم اليوم. لكن تغير المناخ يحدث وفقا لجدول زمني مختلف وحجم مختلف. إنها القضية الحاسمة والتحدي الرئيسي لعصرنا. لذا، فمن غير المقبول ألا نجعله على رأس أولوياتنا، هذا أمر فظيع ومدمر.


صراعات مرتبطة بالفوضى المناخية
وأكد أمين عام الأمم المتحدة أن العديد من صراعات اليوم ترتبط بفوضى مناخية متزايدة. فقد كشفت الحرب في أوكرانيا عن المخاطر العميقة لإصرارنا على استخدام الوقود الأحفوري، ولديه قناعة بأنه لا يمكن أن تكون أزمات اليوم الملحة ذريعة للتراجع أو التظاهر بالحرص على البيئة، وإذا كانت تمثل أي شيء، فهي سبب لمزيد من الإلحاح والعمل الأقوى والمساءلة الفعالة.
وأشار أمين عام الأمم المتحدة إلى أن النشاط البشري هو سبب مشكلة المناخ. لذا، يجب أن يكون العمل البشري هو الحل. العمل على استعادة الطموح. والعمل على إعادة بناء الثقة - خاصة بين الشمال والجنوب. والعلم واضح: أي أمل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة يعني تحقيق صافي انبعاثات صفرية عالمية بحلول عام 2050. لكن هدف 1.5 درجة ينهار – والوقت يداهمنا. نحن نقترب بشكل خطير من نقطة اللاعودة.
لتجنب هذا المصير الرهيب، يقول غوتيريش: «يجب على جميع دول مجموعة العشرين تسريع انتقالها الآن - في هذا العقد. يجب على البلدان المتقدمة أن تأخذ بزمام المبادرة. لكن الاقتصادات الناشئة ضرورية أيضا لثني منحنى الانبعاثات العالمية».


ميثاق للتضامن المناخي
وأكد أمين عام الأمم المتحدة أنه دعا في العام الماضي خلال قمة جلاسكو إلى إقامة تحالفات لدعم الاقتصادات الناشئة عالية الانبعاثات من أجل تسريع الانتقال من الفحم إلى مصادر الطاقة المتجددة. ونحن نحقق تقدماً في شراكات انتقال الطاقة العادلة - ولكن هناك حاجة إلى المزيد.
لهذا السبب، دعا غوتيريش في بداية «كوب27»، إلى التوصل إلى ميثاق تاريخي بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة - ميثاق للتضامن المناخي. ويصف ميثاق بأنه تبذل فيه جميع البلدان جهداً إضافياً لتقليل الانبعاثات خلال هذا العقد بما يتماشى مع هدف 1.5 درجة. ميثاق تقدم بموجبه البلدان الأكثر ثراء والمؤسسات المالية الدولية المساعدة المالية والتقنية لمساعدة الاقتصادات الناشئة على تسريع تحولها إلى الطاقة المتجددة. ميثاق لإنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري وبناء محطات الفحم - والتخلص التدريجي من الفحم في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بحلول عام 2030 وفي كل مكان آخر بحلول عام 2040. ميثاق يوفر طاقة مستدامة عالمية وبأسعار معقولة للجميع. ميثاق تتحد فيه الاقتصادات المتقدمة والناشئة حول استراتيجية مشتركة وتحشد القدرات والموارد من أجل صالح البشرية. 


وعود مالية
أكد أمين عام الأمم المتحدة أننا بحاجة ماسة إلى إحراز تقدم في التكيف - لبناء المرونة في مواجهة الاضطرابات المناخية القادمة. اليوم، يعيش حوالي ثلاثة مليارات ونصف المليار شخص في بلدان شديدة التأثر بتأثيرات المناخ. في جلاسكو، وعدت الدول المتقدمة بمضاعفة دعم التكيف إلى 40 مليار دولار سنويا بحلول عام 2025. وأضاف: نحن بحاجة إلى خارطة طريق حول كيفية تنفيذ ذلك، مشيراً إلى أن علينا إدراك أن هذه ليست سوى خطوة أولى. ومن المقرر أن تنمو احتياجات التكيف إلى أكثر من 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030. ويجب أن يتم تخصيص نصف التمويل المتعلق بالمناخ للتكيف.
ودعا غوتيريش  المؤسسات المالية الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف إلى تغيير نموذج أعمالها والاضطلاع بدورها لتوسيع نطاق تمويل التكيف وتعبئة التمويل الخاص بشكل أفضل للاستثمار بشكل مكثف في العمل المناخي. وأضاف أنه يتعين على البلدان والمجتمعات أيضا أن تكون  قادرة على الوصول إلى هذا - مع تدفق التمويل إلى الأولويات المحددة من خلال جهود مثل آلية تسريع التكيف.


العدالة المناخية
وقال أنتوني غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة، علينا أن نعترف بحقيقة قاسية: لا يمكن التكيف مع العدد المتزايد من الأحداث الكارثية التي تسبب معاناة هائلة في جميع أنحاء العالم، مؤكداً أن الآثار المميتة لتغير المناخ موجودة هنا والآن، ولم يعد من الممكن إخفاء الخسائر والأضرار، وهذا  واجب أخلاقي، ومسألة أساسية تتعلق بالتضامن الدولي - والعدالة المناخية. أولئك الذين ساهموا بشكل أقل في أزمة المناخ يحصدون الزوبعة التي زرعها الآخرون.
وأضاف غوتيريش:  «يصاب الكثيرون بالصدمة بسبب التأثيرات التي لم يكن لديهم تحذير أو وسيلة استعداد لها. وهذا هو سبب دعوتي إلى تغطية أنظمة الإنذار المبكر الشاملة في غضون خمس سنوات. ولهذا السبب أطالب جميع الحكومات بفرض ضرائب على الأرباح المفاجئة لشركات الوقود الأحفوري». 
وقال غوتيريش: دعونا نعيد توجيه الأموال إلى الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وإلى البلدان التي تعاني من الخسائر والأضرار الناجمة عن أزمة المناخ.
وفيما يتعلق بمعالجة الخسائر والأضرار، يرى غوتيريش أنه يجب أن يتفق مؤتمر الأطراف «كوب27» على خارطة طريق واضحة ومحددة زمنيا تعكس حجم التحدي وإلحاحه. ويجب أن تؤدي خارطة الطريق هذه إلى ترتيبات مؤسسية فعالة للتمويل. يعد الحصول على نتائج ملموسة بشأن الخسائر والأضرار بمثابة اختبار أساسي لالتزام الحكومات بنجاح COP27.


حان الوقت للتضامن الدولي
يرى أمين عام الأمم المتحدة أن الخبر السار هو أننا نعرف ما يجب القيام به ولدينا الأدوات المالية والتكنولوجية لإنجاز المهمة. لقد حان الوقت لكي تجتمع الدول من أجل التنفيذ، مؤكداً أنه قد حان الوقت للتضامن الدولي في جميع المجالات، التضامن الذي يحترم جميع حقوق الإنسان ويضمن مساحة آمنة للمدافعين عن البيئة وجميع الجهات الفاعلة في المجتمع للمساهمة في استجابتنا المناخية. 
واختتم غوتيريش كلمته قائلاً: دعونا ألا ننسى أن الحرب على الطبيعة هي بحد ذاتها انتهاك جسيم لحقوق الإنسان. نحن بحاجة إلى تكاتف كل الأيدي من أجل عمل مناخي أسرع وأكثر جرأة. لا تزال الفرصة متاحة، ولا يزال هناك بصيص من الأمل. وحسب أمين عام الأمم المتحدة:  سننتصر في معركة المناخ العالمية أو نخسرها في هذا العقد الحاسم – في عهدنا، وهناك شيء واحد مؤكد: أولئك الذين يستسلمون سيخسرون بالتأكيد. لذلك دعونا نقاتل معا - ودعونا نحقق الفوز، من أجل 8 مليارات فرد من عائلتنا البشرية - وللأجيال القادمة.