دينا محمود، وكالات (لندن، عدن)

أكد وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك، أمس، أن هجوم ميليشيات «الحوثي» الإرهابية على ميناءي «رضوم» و«الضبة» النفطيين بالطائرات المسيرة وما تمارسه من إرهاب على المستوى المحلي والإقليمي، يستدعي موقفاً جاداً من المجتمع الدولي للتعاطي الفوري مع هذه الاعتداءات والتهديدات.
وحذر بن مبارك، في اتصال هاتفي مع نظيره التونسي عثمان الجرندي تناول مستجدات المشهد اليمني، من أن اعتداءات «الحوثيين» لها تأثيرات وتداعيات خطيرة على السلم والأمن الدوليين، لاسيما عبر استعراضاتها وتهديداتها باستهداف مصادر الطاقة وقطع خطوط الملاحة الدولية.
ومع استمرار الجمود على الصعيديْن السياسي والعسكري في اليمن منذ انتهاء سريان الهدنة في الثاني من الشهر الجاري دون النجاح في تمديدها، أكد خبراء أن إصرار ميليشيات «الحوثي» الإرهابية على مواصلة عدوانها بما قاد إلى تقويض جهود تجديد التهدئة أو إعادة إرسائها، يمثل خذلاناً لملايين اليمنيين، الذين كانوا يأملون في استمرار ذلك التوقف المؤقت للمعارك.
وفي الوقت الذي أشاد فيه الخبراء، بالجهود المكثفة التي تبذلها الأمم المتحدة من خلال مبعوثها هانس غروندبيرغ لتمديد الهدنة، وإجبار العصابة الانقلابية على العودة للالتزام بها، حذر هؤلاء من أن يقتصر الاهتمام الدولي على هذا الجانب وحده من جوانب الصراع اليمني، مطالبين بضرورة العمل على ترسيخ مبادئ «العدالة الانتقالية» في البلاد، من أجل تمهيد الطريق، نحو حقن دماء مواطنيها.
وتكفل هذه المبادئ بوجه عام، الاعتراف بما ارتُكِبَ من جرائم خلال سنوات الصراع، على يد عناصر الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتعزيز الثقة بين مكونات المجتمع اليمني، وكذلك بناء ثقة أبنائه في مؤسسات الدولة، فضلاً عن تدعيم احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، بما يُسهم في إشاعة أجواء المصالحة، والحيلولة دون وقوع انتهاكات جديدة في المستقبل.
ويمكن للوسطاء المعنيين بالصراع اليمني الاستفادة في هذا الصدد، من تجارب دول سبق أن تم فيها تفعيل آلية «العدالة الانتقالية» لطي صفحة الصراعات الدموية والحروب الأهلية التي شهدتها أراضيها، وهو ما يتطلب جعل هذه الآلية في صلب أي جهود لإحلال السلام في اليمن.
وفي تصريحات نشرها الموقع الإلكتروني لمؤسسة «أتلانتيك كاونسيل» الأميركية المرموقة للأبحاث، انتقد الخبراء تجاهل من يضطلعون بدور الوساطة لإنهاء الصراع اليمني، لآلية «العدالة الانتقالية» والقضايا المتعلقة بها.
ولكن هذه المخاوف تتجاهل الخطوات التي كانت قد قُطِعَت بالفعل، على طريق تحقيق «العدالة الانتقالية» في اليمن، بين عاميْ 2012 و2014، قبل أن تذهب هذه الجهود أدراج الرياح، جراء الانقلاب الحوثي الدموي، الذي أطاح الحكومة اليمنية الشرعية، قبل أكثر من ثماني سنوات.
فقبل وقوع ذلك الانقلاب، كان قد تم الاتفاق خلال مؤتمر للحوار الوطني عُقِدَ في اليمن بين شهريْ مارس 2013 ويناير 2014، على العمل على استصدار قانون للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وإنشاء لجنة معنية بهذا الأمر، واستحداث صناديق للتعويضات أيضاً.
غير أن الانقلاب «الحوثي» أدى إلى تجميد كل هذه القرارات، وأغرق اليمن في صراع عنيف، أدى لمقتل قرابة 400 ألف من أبنائه، ونزوح قرابة 4.3 مليوناً آخرين، فضلا عن جعل ما يقرب من 19 مليون يمني، فريسة لانعدام الأمن الغذائي.
ودعا الخبراء إلى التركيز من جديد على تفعيل مبادئ «العدالة الانتقالية»، باعتبار أن ذلك يمثل الطريق الوحيد لتضميد الجروح الناجمة عن الانقلاب «الحوثي» وما أعقبه من معارك دموية، مشددين على أن تحقيق المصالحة الوطنية، لا ينبغي أن يشكل بديلاً عن وضع هذه المبادئ موضع التنفيذ، بما يكفل إشراك مختلف مكونات المجتمع اليمني، في أي عملية سلام مستقبلية.
ولم يغفل متابعو الشأن اليمني الإشارة في الوقت نفسه، إلى تطورات إيجابية حدثت في الآونة الأخيرة، على صعيد إدماج عدد من هذه المكونات في المشاورات التي يجريها غروندبيرغ حالياً، والتي باتت تشمل ممثلين للمجتمع المدني والقبائل وناشطات نسويات، دون الاقتصار على الأطراف المباشرة للصراع.
ولكن المحللين أكدوا أهمية أن تشمل تلك المشاورات مختلف القضايا العالقة، مثل إطلاق سراح النشطاء الحقوقيين القابعين في سجون «الحوثي»، والكشف عن مصير المختفين قسراً على يد ميليشياته، فضلاً عن تعويض المتضررين من ممارسات التعذيب التي يرتكبها مسلحو العصابة الانقلابية، وضحايا ما يزرعه هؤلاء المجرمون، من ألغام قرب خطوط المواجهة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.