دينا محمود (لندن)
في الوقت الذي دخلت فيه المنافسة على قيادة حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا مراحلها الأخيرة، بانتظار إعلان اسم الفائز في السباق المحتدم بين وزيرة الخارجية ليز تراس ووزير المالية السابق ريتشي سوناك مطلع سبتمبر المقبل، يبدو أن الحيلولة دون انفصال إسكتلندا، سيكون من بين الملفات الأكثر تعقيداً، على طاولة من سيتولى منهما، زعامة الحزب ومن ثم رئاسة الحكومة.
فبالتوازي مع تواصل الأزمات السياسية والاقتصادية التي أفضت إلى إعلان رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون الشهر الماضي استقالته من زعامة «المحافظين» واعتزامه ترك رئاسة الوزراء أيضاً، تتصاعد الدعوات في إسكتلندا، أحد الأقاليم الأربعة المُؤلفة للمملكة المتحدة، لإجراء استفتاء جديد على الانفصال، وهو ما يحظى بدعم كبير من رئيسة الحكومة المحلية هناك، نيكولا ستيرجن.
ويرفض كل من تراس وسوناك مثل هذه الخطوة، وهو الموقف ذاته الذي سبق أن تبناه جونسون، قائلاً إنه لا مبرر للعودة إلى طرح سؤال سبق أن أجاب عليه الإسكتلنديون بوضوح، في عام 2014، في إشارة إلى نتائج الاستفتاء، الذي أُجري في ذلك العام بشأن انفصال إسكتلندا عن بريطانيا، وأظهر رفض 55 في المئة من الناخبين هناك للمضي على هذا الدرب.
ولكن ستيرجن ترى أن المعطيات التي أُجري في إطارها تصويت 2014 قد تغيرت، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إثر الاستفتاء الذي أُجري في هذا الشأن عام 2016، وصوَّت غالبية الإسكتلنديين في إطاره، لصالح البقاء ضمن هذا التكتل، غير أن ذلك لم يحل من دون أن تصب النتيجة الإجمالية، في اتجاه الخروج.
ومنذ ذلك الحين، تزايدت المطالبات في إسكتلندا بتنظيم استفتاء ثانٍ على الانفصال، وفازت الأحزاب المؤيدة لاستقلال الإقليم، بغالبية مقاعد البرلمان المحلي، في الانتخابات التي أُجريت في مايو من العام الماضي، وهو ما شَكَّل دفعة كبيرة للمطالبين بإجراء هذا الاستفتاء.
وفي تصريحات نشرها الموقع الإلكتروني لوكالة «بلومبرج» الأميركية، حذر أندرو بوي، وهو عضو في البرلمان الإسكتلندي يؤيد البقاء ضمن المملكة المتحدة، من أن انفصال هذا الإقليم، يعني نهاية «الكيان السياسي للمملكة، كما نعرفه»، داعياً الزعيم الجديد لـ «المحافظين» أياً كان اسمه، للتعاون بشكل بناء مع الحكومة المحلية في إسكتلندا، ورئيستها ستيرجن.
وتشكل هذه الدعوة إشارة ضمنية، إلى العلاقات المتوترة القائمة بين ستيرجن وتراس، التي تتصدر استطلاعات الرأي، في السباق مع سوناك على زعامة «المحافظين».
وقد سبق أن قالت وزيرة الخارجية البريطانية، إن رئيسة الحكومة الإسكتلندية، تسعى طول الوقت للفت الأنظار ونيل الاهتمام، بما يوجب تجاهلها، وهو ما ردت عليه ستيرجن باتهام تراس بالغرور والتباهي الأجوف.
أما سوناك، الذي يحذر من محاولة تجاهل التعامل مع هذه السياسية الإسكتلندية المخضرمة، فيؤكد في الوقت نفسه، أنه سيعمل على تبني توجهات مغايرة لتلك التي تتبناها حكومتها، في ملفات مثل الصحة والتعليم، وهي الشؤون التي يُناط بالحكومة المحلية في إسكتلندا، الإشراف عليها.
وبحسب محللين بريطانيين، مثل جون كيرتس أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستراثكلايد، يبدو من العسير على ستيرجن وحكومتها أن تتخليا عن الحملة الداعية لإجراء استفتاء ثانٍ على الانفصال، بما سيجعل ملف حماية وحدة المملكة المتحدة، بما يصطبغ به من طابع وجودي، أكثر أهمية من سواه، بالنسبة للساكن المقبل لمقر رئاسة الحكومة البريطانية في 10 داوننج ستريت.