شعبان بلال (الخرطوم، القاهرة)

اشتباكات قبلية شهدها السودان خلال الأيام القليلة الماضية أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى وسط محاولات من السلطات الرسمية والأمنية للسيطرة على الوضع الذي لاقى رفضاً محلياً ودولياً.
وقال والي ولاية غرب دارفور خميس عبد الله أبكر إن قوات مشتركة أوقفت 177 شخصاً شاركوا في نزاع قبلي بمنطقة «آزرني».
وفي ديسمبر 2021، وقعت أعمال عنف قبلي بمنطقة «آزرني» ومواقع قريبة منها بولاية غرب دارفور، أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين وتشريد آلاف آخرين. وقال الوالي إن «قوات مشتركة من الجيش والدعم السريع وجهاز المخابرات العامة، قبضت على 177 متفلتاً، شاركوا في النزاع القبلي بمنطقة آزرني بولاية غرب دارفور».
ووضع خبراء ومحللون سياسيون عدة سيناريوهات لمواجهة تجدد الصراعات القبلية في السودان، موضحين أن هذه النزاعات ليست جديدة ولكنها ممتدة في عمق التاريخ بسبب الصراع على المراعي والأرض وغيرها. واعتبر المحلل السياسي السوداني عثمان ميرغني أن النزاعات القبلية تنشأ من قضايا ملكية الأرض غالباً وأحيانا نزاعات على الموارد الاقتصادية كما هو الحال في صدامات المزارعين والرعاة بولايات دارفور.
وأضاف ميرغني لـ «الاتحاد»، أنه «في الماضي كانت الإدارات الأهلية تفض النزاعات حسب الأعراف المحلية من دون الحاجة إلى تدخل الحكومة المركزية، لكن مع ازدياد تغول السياسة ونزوع الساسة لاستخدام القبيلة أداةً في التنافس والصراعات السياسية، أصبحت الأجندة القبيلة قنابل موقوتة تنفجر لأسباب بسيطة مثل نزاع بين رجلين يكفي أن يفجر حرباً تودي بأرواح المئات».
وحول استراتيجيات لمواجهة هذه الصراعات القبلية، أضاف ميرغني أنه «على المدى القريب لابد من العمل على ضبط الأمن بشكل صارم ومنع الانفلاتات، بينما على المدى البعيد لابد من حل قضية علاقة الأرض بالقبيلة عبر تشريعات واضحة، ثم رفع مستوى التنمية والخدمات والمعيشة لكل السكان».
بدورها، أشارت الدكتورة تماضر الطيب، أستاذة العلاقات الدولية بـ«مركز الدراسات الدبلوماسية» في جامعة الخرطوم، إلى أن الحكومة المركزية عجزت عن حل النزاعات القبلية بصورة جذرية لذا تتجدد بين حين وآخر، مضيفة أن هذه المرة أخذت زخماً أكبر كون منطقة «النيل الأزرق» تشهد لأول مرة هذا الصراع وهذا ينم عن ضعف وهشاشة الوضع الأمني. وحول حلول هذه الأزمة، ذكرت تماضر الطيب لـ «الاتحاد»، أنه لا شيء يلوح في الأفق سوى الحديث المتكرر عن إرسال قوات أمنية مشتركة والسيطرة على الموقف.
وأرجعت الباحثة السودانية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الخرطوم أسمهان إسماعيل إبراهيم السبب الأساسي للصراعات القبلية في السودان التنافس للاستحواذ على الموارد الطبيعية خاصة تملك الأرض ومصادر الرعي والمياه، بجانب عمليات الثأر التي تقوم به بعض القبائل.
واتفقت أسمهان إبراهيم حول أهمية الدور المحوري لزعماء الإدارة الأهلية للقبائل في حل النزاعات ووقف الاقتتال جنباً إلى جنب مع جهود المصالحات التي تدعمها مؤسسات الدولة الرسمية للحد من تطور الصراعات القبلية والمواجهات المسلحة التي شهدها السودان عامةً وولايات غرب وشرق وجنوب السودان خاصة. وحسب أسمهان يوجد في السودان ما لا يقل عن 400 قبيلة تنتمي لما يقارب 41 عرقية مصنفة حسب اللغة والثقافة، موضحة أن جذور الصراعات تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي.
وأوضحت الباحثة السودانية أن «الحل الحقيقي يكمن في مخاطبة جذور الأزمة وعلى رأسها التنمية المتوازنة والتي ستزيل الغبن وتخلق روح التعاطي الإيجابي بين مكونات الشعب السوداني، وكذلك يجب إعلاء خطاب التصالح ونبذ القبلية العنصرية وتمثيل كل مناطق السودان في الحكم والمبادرة بالمصالحات بين القبائل المتناحرة وتعويض المتضررين من الصراعات وابتعاد السياسيين عن زج القبلية في السياسة».