الاتحاد (مراكش)
يأتي انعقاد النسخة العاشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية التي احتضنها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية بمدينة مراكش بالمملكة المغربية، يوم الأربعاء 08 يونيو2022. وجاءت الندوة تحت عنوان: «العالم العربي أمام التحديات العالمية الجديدة»، ويتزامن انعقادها في سياق دولي يتسم بتحولات سريعة، وفي عالم متقلّب وغامض ومعقّد توالت فيه الأزمات وتوشك على تغيير الكثير من المعطيات، وفي سياق عربي إقليمي يتسم بتحديات متعددة، لا سيما فيما يتعلق بالأمن والتنمية، مما يدعو إلى مزيد من التباحث والتنسيق بشأنها.
وأكد معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، رئيس مجلس أمناء تحالف مراكز الفكر والثقافة العربية في افتتاح النسخة العاشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية أن انعقاد هذه النسخة العاشرة يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على خسارة رهان البعض على عدم استمرار ونجاح هذا التحالف.
وأوضح معاليه، خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال المنتدى، أهمية هذا التحالف، والذي انطلقت دورته الأولى في العاصمة أبوظبي في العام 2015، حيث أكد معاليه في حينه على أهمية التعاون بين مراكز البحوث والدراسات العربية، وأهمية تبادل الخبرات والمعارف، وهو من أسمى الأهداف التي ينشدها هذا التحالف والتي تمثل نقلة نوعية في مسيرة العمل المشترك خليجيا وعربياً في مجالات الفكر والثقافة العربية، كما أشار معاليه بأن مراكز البحوث والفكر والثقافة أصبحت اليوم تؤدي دوراً حيوياً وفاعلاً في نهضة الأمم والمجتمعات، خصوصاً في أوقات الأزمات والتحديات كما هي الآن في منطقة الشرق الأوسط بوجه خاص بل في العالم أجمع حيث تتنامى مظاهر التطرف والإرهاب.
وبين السويدي أن عقد هذا المنتدى اليوم ينطلق من الإيمان بقيمة الفكر والثقافة، وضرورة تشجعيهما في هذه المرحلة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية ليقوما بدورهما الطبيعي في الارتقاء بالشعوب والمساهمة في دعم متخذي القرار، وتعزيز مفهوم الدولة الوطنية والمواطنة وحماية منجزاتها ومصالحها المشتركة.
وقد ناقشت الندوة على مدار ثلاث جلسات، الظروف الجيو-سياسية الجديدة، والآفاق الجيو- اقتصادية، ومكانة المواطن. حيث تشكل هذه الندوة فرصة لتبادل الآراء حول التحديات التي من شأن العالم العربي مواجهتها وذلك من أجل اقتراح سياسات ذات بعد استباقي تسهم في تنوير دوائر صنع القرار الاستراتيجي.
وشارك في الندوة نخبة من المفكرين من العالم العربي منهم: معالي سامي النصف من الكويت، ومن البحرين سعادة الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة، ومن جمهورية مصر العربية أسامة هيكل ومحمد عرابي، ومن الأردن حسين هزاع المجالي والدكتور محمد أبو حمور، والدكتور عبدالحق عزوزي ومحمد توفيق مولين من المملكة المغربية، ومن اليمن معالي رياض ياسين، وقد أشاد الحضور بالدور الهام الذي يقدمه معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي في مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة وجماعة الإخوان المسلمين، فيما لقي كتاب جماعة الإخوان المسلمين في دولة الإمارات العربية المتحدة الحسابات الخاطئة إشادة واسعة من المشاركين في الندوة.
توصيات المشاركين
في ختام فعاليات هذه الندوة التي شهدت مشاركة نخبة من المفكرين والباحثين ينتمون إلى عدد من مراكز الفكر والثقافة في العالم العربي:
أشاد المشاركون عاليا الدور الريادي الذي تلعبه المملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، في إطلاق ودعم كل المبادرات التنموية والتضامنية الهادفة إلى تطوير الشراكة بين بلدان العالم العربي،
وثمّن المشاركون الرسالة السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، سنة 2018 إلى المشاركين في ندوة «الشيخ زايد ودوره في بناء العلاقات المغربية الإماراتية» التي انعقدت في مدينة الرباط، والتي سلطت الضوء على«ضرورة التضامن بين البلدان العربية، عملا بصدق وإخلاص، على توفير شروط العمل الثنائي والعربي المشترك، لمواجهة التحديات، التي تقف أمام شعوبنا».
ووجه المشاركون الشكر والتنويه للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية ومديره العام، السيد محمد توفيق ملين، ومساعديه على التنظيم الناجح لندوة «تحالف مراكز الفكر والثقافة العربية» في نسختها العاشرة وعلى حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة إذ ينوهون بالعمل الجاد والدؤوب الذي يقوم به المعهد في مجال دراسة القضايا الاستراتيجية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي،
وبلور المشاركون التوصيات الآتية:
الدعوة لتموقع العالم العربي في الخريطة الجيو-سياسية الجديدة من خلال:
• تكييف الدول العربية علاقاتها مع القوى العظمى من أجل الحفاظ على سيادتها واستقلالها الاستراتيجي.
• ضرورة قيام دول عربية محورية بتحريك العمل العربي المشترك وقيادة السفينة العربية في عالم مطبوع بخاصيات أربع: الغموض، والتوجس والمجهول واللايقين يحتم على الدول العربية وضع استراتيجيات مشتركة على الصعيد السياسي والدبلوماسي والأمني وكذا آليات فعالة من أجل بلورة مواقف موحدة تخدم مصالح الدول العربية وتعزز مواقفها وتموقعها الاستراتيجي أمام القوى العظمى الحالية والمستقبلية، وكذا الصمود في وجه تدخلاتها واختراقاتها.
• إنشاء هيئة عربية عليا يكون من مهامها وضع مقترحات للتقارب بين الحكومات، ولتقويض الشرخ«العقائدي-الإيديولوجي»، وتقديم اقتراحات في هذا الصدد، تكون قادرة على بناء الأسرة العربية الموحدة.
• إبرام اتفاق عربي لفض النزاعات العربية بالطرق السلمية لا يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة، ولكن لا يخضع لتأثيرات سلبية من قبل أعضاء في المنظمة العالمية. وفي هذا النطاق، يجب تبني مقاربة جديدة للتصدي للتهديدات الأمنية، ترتكز على تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز التعاون الإقليمي على أساس مبدأ المصير المشترك والحفاظ على الثوابت وأسس الوحدة الترابية لكل بلد عربي.
• تطوير استراتيجيات جديدة في الدول العربية تتلاءم مع التحديات الأمنية المستجدة في العصر الرقمي بما يحمله من تغيرات في حسابات القوى وزيادة التركيز على الأمن السيبراني باعتباره مرتبطا بقضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار السياسي، وتعزيز قدرات العالم العربي على إنتاج أسلحة السيبراني تمكنه من تحقيق أهدافه في الفضاء الافتراضي- السيبيراني.
• وضع استراتيجية عربية مشتركة لتعزيز أمن الفضاء السيبيراني والتعاون في مجال مكافحة المخاطر السيبراني بالتنسيق بين مراكز الدراسات والمؤسسات الرسمية المعنية، والعمل من أجل إعادة النظر في القوانين الدولية لتنظيم الفضاء الافتراضي- السيبراني عامة ومواجهة الحروب السيبرانية الجديدة، بهدف تحقيق توافق دولي بهذا الشأن.
وعن الآفاق الجيو-اقتصادية دعا المشاركون إلى:
تفعيل التكامل الاقتصادي بين البلدان العربية لخلق أسواق أكثر فساحة وبلورة استراتيجية لخلق سلاسل القيمة الإقليمية، وكذا إنجاز برامج اقتصادية مشتركة من قبيل مشروع مارشال عربي يشمل قطاعات مختلفة، ويساهم في جمع الشمل العربي وفي تحسين تموقع الدول العربية في سلاسل القيمة العالمية.
تكثيف التعاون من أجل بناء اكتفاء ذاتي عربي وتحقيق السيادة في المجالات الإستراتيجية الحيوية مثل:
- الأمن الغذائي والمائي، مما يترتب عنه ضرورة معالجة ندرة المياه وتحصين الأمن الغذائي بالعمل العربي المشترك،
- الأمن الصحي بما في ذلك إنتاج الأدوية واللقاحات، وفي هذا الصدد، أشاد المشاركون في الندوة بمشروع تصنيع وتعبئة اللقاحات الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس في شهر يوليوز 2021 والذي سيساهم في تحقيق السيادة اللقاحية على المستوى الوطني والإقليمي.
- التطور العلمي والتكنولوجي والصناعي.
- الطاقات المتجددة، ومصادر الطاقة الوطنية.
تكثيف المجهودات في البحث بهدف تحديد تأثيرات تغير المناخ على المنطقة العربية بشكل خاص ونهج سياسة حازمة تتوخى التكيف مع هذه الظاهرة، مع الأخذ بعين الاعتبار الخاصيات الطبيعية والاقتصادية والديمغرافية للمنطقة، ومتطلبات المسار التنموي، خاصة فيما يتعلق بالتطور الصناعي وتحديث طرق الفلاحة قصد تحقيق الاكتفاء الذاتي على المستوى الغذائي والحفاظ على الموارد المائية والطبيعية.
ودعا المشاركون إلى وضع المواطن في صلب الحكامة من خلال:
إعادة ترتيب الأولويات في معظم الدول العربية، وذلك عن طريق وضع العنصر البشري في صلب السياسات العمومية وإعطاء خدمات الرعاية الصحية والوقائية والعلاجية أهميتها المستحقة.
• ترسيخ أسس الحكامة الجيدة وذلك عبر تطبيق إصلاحات في الأنظمة والقوانين وإرساء نظام للمحاسبة العادلة، ووضع مخططات عربية للتدخل السريع في حالات الاستعجال.
رسم استراتيجية تعليمية-تربوية-ثقافية عربية قائمة على أهداف واضحة، من بينها تعزيز قيم المواطنة بما يحصن كيان الدولة الوطنية، وكذا الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية والتضامن الوثيق فيما بين الجميع، بالإضافة إلى بث مفاهيم وقيم التسامح وقبول الآخر والعيش المشترك، وترسيخها في التركيبة المجتمعية.
وضع خريطة طريق عربية متكاملة للبحث العلمي-التكنولوجي متناسقة مع أهداف الاستراتيجية التعليمية-التربوية-الثقافية.