دينا محمود (لندن)
بالتزامن مع الهزيمة المدوية التي مُنيت بها ميليشيا «حزب الله» الإرهابية في الانتخابات النيابية التي أُجريت في لبنان الأسبوع الماضي، قطعت الولايات المتحدة خطوة أخرى، على طريق محاصرة شبكة التمويل التابعة لهذه الجماعة المسلحة الدموية، بعدما فرضت قبل أيام عقوبات على رجل أعمال لبناني مرتبط بها، بجانب خمسة من شركائه التجاريين، وثمان من شركاته.
وفي سياق إعلانها عن العقوبات الجديدة، أكدت واشنطن أن هذه الخطوة، تؤكد التزام الولايات المتحدة بحماية النظام المالي والقطاع الخاص في لبنان من الأنشطة الإجرامية لـ «حزب الله»، وذلك في ضوء أن رجل الأعمال المشمول بها، والذي يُدعى أحمد جلال رضا عبد الله، كان عضواً نشطاً «في الشبكة المالية العالمية لـ(الحزب)، وطالما عكف على تنسيق عملياته التجارية مع كبار مموليه في دول مختلفة، بما يضمن تحويل الأرباح في نهاية المطاف إلى خزانة هذا التنظيم الإرهابي».
ومن شأن الإجراءات العقابية الأخيرة التي اتخذتها وزارة الخزانة الأميركية، وضع مزيد من القيود على شبكة الشركات، التي أنشأها «حزب الله»، كما يؤكد خبراء ومسؤولون أميركيون، لإخفاء أنشطته التخريبية وتمويل عملياته الإرهابية، دون اكتراث بأمن لبنان ومواطنيه.
وأبرزت مجلة «ذا ناشيونال إنترست» الأميركية، في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، احتفاء وزارة الخارجية في واشنطن بالعقوبات التي فُرِضَت على رضا عبدالله وشركائه وشركاته، وتأكيدها على أن تلك التدابير ستساعد في «مواجهة استغلال (حزب الله) للشركات التجارية لتمويل أنشطته الإرهابية وجهوده لزعزعة الاستقرار في لبنان والعالم بأسره».
وأشار التقرير إلى أن تأثير هذه الضربة الجديدة لشبكات تمويل تلك الجماعة الإرهابية، تتزايد في ضوء تزامنها مع تبدل المشهد السياسي على الساحة اللبنانية، بعد أن خسر «حزب الله» وحلفاؤه الأغلبية البرلمانية في مجلس النواب المقبل، إثر الانتخابات الأخيرة، التي تتيح نتائجها الفرصة لتشكيل حكومة لا يفرض عليها «الحزب» سطوته، كما كان الحال طوال السنوات الماضية.
وتعكس نتائج العملية الانتخابية، وفقاً للتقرير، حالة الغضب العارم التي تنتاب كثيرين في لبنان، إزاء ممارسات «حزب الله»، خصوصاً وأنه يتحمل الجانب الأكبر من المسؤولية عن الانهيار الاقتصادي والمالي الراهن، الذي أوقع غالبية مواطني البلاد تحت خط الفقر، وأدى إلى تهاوي قيمة العملة المحلية، وهروب الاستثمارات الخارجية، ونضوب احتياطات المصرف المركزي من العملات الأجنبية.
وبنظر محللين، نشرت صحيفة «إندبندنت أون لاين» الجنوب أفريقية تصريحاتهم، تشكل هزيمة «حزب الله» في الانتخابات، انتصاراً للانتفاضة الشعبية غير المسبوقة التي عمت لبنان في أكتوبر 2019، وطالب المشاركون فيها بتفكيك الطبقة الحاكمة، التي يمثل «الحزب» أحد مكوناتها الرئيسة، ووقف التدخلات الأجنبية في شؤون البلاد، والتصدي للفساد والمحسوبية.
وتمكن مرشحو المعارضة من هزيمة «حزب الله» في بعض معاقله التقليدية، وهو ما بدا ثمناً مستحقاً دفعه «الحزب» لاستخفافه بمصالح اللبنانيين، وتركيزه على تحقيق أهدافه الضيقة، التي ترتبط في كثير من الأحيان، بمصالح القوى الإقليمية الداعمة له. كما يرى كثيرون أن الناخبين عاقبوا «حزب الله» على عرقلته التحقيقات الجارية في انفجار مرفأ بيروت، الذي دمر العاصمة اللبنانية في أغسطس 2020، ويُنحى باللائمة على «الحزب» في وقوعه من الأصل.
وتعني نتائج الانتخابات، التي أسفرت عن فوز ثلاثة عشر، على الأقل، من مؤيدي انتفاضة 2019 بعضوية المجلس النيابي، أن البرلمان القادم، سيتحرر بشكل ما، من سطوة القوى ذات الصبغة الطائفية، التي فرضت أجنداتها عليه طوال العقود القليلة الماضية، بما يفتح الباب أمام مناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تهم اللبنانيين، على نحو أكثر فاعلية وكفاءة.
وفي هذا السياق، يجمع متابعو الشأن اللبناني، على أن ما تمخضت عنه انتخابات مايو 2022، يمثل بداية لتصدع الطبقة الحاكمة في بيروت، بما يسمح للساسة المستقلين والمناوئين للنزعات الطائفية بلعب دور أكثر فاعلية، خلال المرحلة المقبلة.
كما تشكل النتائج تأكيداً على رغبة اللبنانيين في إحداث تغيير حقيقي، ورفضهم لكيانات مسلحة مثل «حزب الله»، الذي يتشبث بالإبقاء على ترسانته من السلاح، وعَمِل مع حلفائه على إعاقة إجراء أي إصلاحات اقتصادية ومالية تمس الحاجة إليها، بما يحول دون إقالة الاقتصاد اللبناني من عثرته التي طالت.
وقادت العراقيل التي وضعها «الحزب» على هذا الصعيد خلال العامين الماضيين، إلى استمرار حالة «السقوط الحر»، التي تضرب لبنان، وتجعله، وفقا لتقديرات البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية المانحة، فريسة لإحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية التي شهدها العالم، على مدار السنوات الـ150 الماضية.