باريس (وكالات)

أظهرت تقديرات تصدّر الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، أمس، بفارق بضع نقاط مئوية عن منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان، وسيتواجه الاثنان في الجولة الثانية في 24 أبريل.
وحصل ماكرون على ما بين 27.6 و29.7 في المئة من الأصوات فيما حصلت لوبان على ما بين 23.5 إلى 24.7 في المئة من الأصوات.
ووفق التقديرات، حل المرشح اليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون ثالثاً بحصوله على ما بين 19.8 و20.8 في المئة من الأصوات.
وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية، أن نسبة المشاركة في الجولة الأولى بلغت 65 في المئة حتى الساعة الخامسة بالتوقيت المحلي. 
وجاءت النسبة المسجلة أقل نقطتين تقريباً من ذات النسبة المسجلة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2017 في التوقيت نفسه، وبلغت حينها 69.49 في المئة.
ودعا مرشحو اليمين وحزب الخضر والحزبين الشيوعي والاشتراكي في الدورة الأولى من الانتخابات، أمس، إلى التصويت للرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون في الدورة الثانية لقطع الطريق على مرشحة اليمين المتطرف لوبان.
ويمثل هؤلاء المرشحون نحو 15 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى، بحسب التقديرات. وتصدر ماكرون نتائج هذه الدورة متقدماً ببضع نقاط على لوبان التي سيواجهها في 24 أبريل.
لكن المرشح اليميني المتطرف إريك زمور، الذي نال نحو سبعة في المئة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ناخبيه إلى التصويت لمنافسته في اليمين المتطرف لوبان في الدورة الثانية، في مواجهة ماكرون.
وقال زمور أمام أنصاره: «لدي خلافات مع مارين لوبان، ولكن هناك في مواجهتها رجل أدخل مليوني مهاجر، ولم يتطرق البتة إلى موضوع الهوية.. لن أخدع بخصمي»، داعياً إياهم إلى «التصويت لمارين لوبان».
وفي هذه الأثناء، سجلت نسبة امتناع عن التصويت عالية راوحت بين 26.2 في المئة و29.1 في المئة وفق تقدير معهدين، وهو ما يشير إلى نفور الفرنسيين المتزايد من نخبتهم السياسية. وتتجاوز هذه النسبة تلك المسجلة عام 2017 وبلغت حينها 22.2 في المئة، في حين أن النسبة القياسية تبلغ 28.4 في المئة وسجلت عام 2002.
وتبدو مارين لوبان، التي هزمها إيمانويل ماكرون في الدورة الثانية في انتخابات عام 2017، قريبة أكثر من أي وقت مضى من تحقيق النصر وفق استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات، وأظهرت تخلفها عن ماكرون بفارق ضئيل للغاية يقع ضمن هامش خطأ الاستطلاعات.
ولدى لوبان احتياطي أصوات منخفض نسبياً في الجولة الثانية، في ضوء التقديرات التي منحت المرشح اليميني المتطرف الآخر إريك زمور بين 6.8 في المئة و7 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى. لكنه يبقى أفضل من الانتخابات السابقة عندما لم يكن لها أي احتياطي أصوات محتملة.
وقد يكون لفوز لوبان تداعيات دولية مهمة، نظراً إلى مواقفها المعادية للتكامل الأوروبي ورغبتها مثلاً في سحب فرنسا من القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي «الناتو».
وفوزها سيمثل سابقة مزدوجة، فلم يسبق أن حكمت فرنسا امرأة كما لم يحكم اليمين المتطرف البلاد قطّ.
في هذا الصدد، قال الخبير السياسي باسكال بيرينو على موقع «آر تي»: «في عام 2017، لم يكن لدى مارين لوبان احتياطي كبير، أما الآن فيمكنها الذهاب أبعد بكثير.. سيتعين على ماكرون صيد الأصوات من جان لوك ميلانشون».
واعتبر لويس أليوت القيادي في «التجمع الوطني» حزب لوبان، على شاشة تلفزيون «فرانس24» أن «انتخابات جديدة بدأت»، داعياً إلى «تجمّع» من لا يريدون أن يفوز ماكرون بولاية ثانية.
وقالت لوبان في أول رد فعل لها بعد إعلان النتائج، إن «ما سيحدد في 24 إبريل سيكون خياراً للمجتمع والحضارة»، متعهدة خصوصاً بـ«استعادة سيادة فرنسا» وإقرار إجراء استفتاءات بدعوة من المواطنين.
من جانبه، اعتبر وزير الاقتصاد والمالية برونو لومير أن «رؤيتين لفرنسا ستتواجهان».
ستكون المناظرة المتلفزة التقليدية في فرنسا بين دورتي الانتخابات من المحطات الحاسمة في الحملة الجديدة التي تستمر أسبوعين اعتباراً من 20 أبريل.
وفي عام 2017، هيمنت ظاهرة إيمانويل ماكرون على الساحة وباغتت الكل، لكن هذه المرة تبدو ابنة جان ماري لوبان، الذي كان أول من يقود اليمين المتطرف إلى الدورة الثانية للرئاسيات عام 2002، مستعدة أكثر.
وخاضت لوبان حملة ميدانية منذ البداية ركزت خلالها على القوة الشرائية التي تمثل الشاغل الرئيسي للناخبين، في حين أن إيمانويل ماكرون الذي انشغل بالأزمة في أوكرانيا وربما كان واثقاً جداً من استطلاعات الرأي، لم يشارك كثيراً في حملة الجولة الأولى.
وشهدت الحملة الانتخابية ظروفاً غير مسبوقة، فقد تعطلت كثيراً بسبب جائحة «كوفيد» والأزمة الأوكرانية.
وامتنع العديد من الفرنسيين عن التصويت أو ترددوا حتى اللحظة الأخيرة قبل اختيار أحد المرشحين الإثني عشر.
وكان ذلك حال فرانسواز رينتو، البالغ 55 عاماً، وهي ناخبة من مارسيليا قالت إنه «من بين الـ12 مرشحاً، اخترت 4 مساء أمس الأول، وحسمت قراري صباح أمس».

وفي بلدة بانتان في ضواحي باريس، قالت بلاندين لو أو، البالغ 32 عاماً، إنها لن تصوّت، موضحةً: «إنها المرة الأولى في حياتي، لكنني أكرههم جميعاً، فقد بلغنا مرحلة باتوا يُخيفونني».
والامتناع عن التصويت سيكون إحدى القضايا الرئيسة في الدورة الثانية، إضافة إلى الحصول على أصوات ناخبي المرشحين المنهزمين في الدورة الأولى.
ودعا بعض المرشحين على الفور إلى قطع الطريق على مارين لوبان، مثل الشيوعي فابيان روسيل والاشتراكية آن هيدالغو ويانيك جادوت من الخُضر. أما مرشحة اليمين التقليدي فاليري بيكريس، التي حصلت على 5 في المئة من الأصوات، فقالت مساء أمس، إنها ستصوت «عن وعي» لإيمانويل ماكرون.
لكن استراتيجية الاعتماد على ما يسمى «الجبهة الجمهورية» التي استخدمتها الأحزاب الحاكمة مدى عقود لمحاولة وقف تقدم أقصى اليمين، يبدو أنها لم تعد تحظى بثقة كبيرة لدى الناخبين.
وفي أوساط ماكرون، تعترف مصادر بأن «الجبهة الجمهورية» التي استفاد منها عندما انتخب في 2017، لم تعد أمراً بديهياً.
وإدراكاً منه للخطر، دعا الرئيس المنتهية ولايته منذ بداية أبريل إلى «التعبئة» ضد اليمين المتطرف.