أسماء الحسيني (الخرطوم، القاهرة)

أكد رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، أمس، أن الاتفاق السياسي الذي وقعه مع القائد العام للجيش، عبدالفتاح البرهان، كان ضرورياً لقطع الطريق أمام عودة «المؤتمر الوطني»، في إشارة إلى حزب نظام عمر البشير، الذي أطيح في أبريل 2019. وأضاف حمدوك، في تصريحات تلفزيونية، إن الاتفاق مهم للحفاظ على المكتسبات في مجالات الاقتصاد والسلام والحريات بالسودان.
وأشار رئيس الوزراء السوداني، الذي أعيد إلى منصبه بموجب الاتفاق السياسي الموقع أمس الأول: إن الخطوة كانت ضرورية لحقن دماء الشباب.وقال حمدوك، في مقابلة مع «رويترز» في مقر إقامته بالخرطوم: «نتوقع أن يكون أداء حكومة التكنوقراط له أثر إيجابي على الأداء الاقتصادي ومعيشة السودانيين».
وأضاف: «من ضمن أسباب عودتي هي المحافظة على المكاسب الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي على العالم».
ومنذ تعيين حمدوك رئيساً للوزراء لأول مرة في عام 2019 بموجب اتفاق لتقاسم السلطة بعد الإطاحة بعمر البشير، نفّذ السودان إصلاحات اقتصادية، منها رفع دعم الوقود وتعويم العملة بشكل منظم.
وكانت الإصلاحات، التي يراقبها صندوق النقد الدولي، سبباً في إعفاء السودان من جزء كبير من ديونه الخارجية، التي تزيد على 50 مليار دولار. وبعد سيطرة الجيش على السلطة، أوقف البنك الدولي وبعض المانحين المساعدة الاقتصادية التي يحتاج إليها السودان بشدة.
وقال حمدوك: «سنواصل تواصلنا مع مؤسسات التمويل العالمي، وموازنة العام الجديد التي ستبدأ في يناير، ستمضي في نهج الإصلاح الاقتصادي، وفتح أبواب الاستثمار في السودان». لكن حمدوك قال: إن حكومة التكنوقراط يمكن أن تساعد في تحسين الاقتصاد السوداني الذي عانى أزمة طويلة شهدت واحداً من أعلى معدلات التضخم في العالم بجانب نقص في السلع الأساسية.
وأضاف: إن الحكومة قد تعمل أيضاً على إتمام اتفاق سلام وُقع العام الماضي مع بعض الجماعات المتمردة، لإنهاء سنوات من الصراع.
وشدد على أن «الحفاظ على السلام، وتنفيذ اتفاق جوبا، وإكمال عملية السلام مع الأطراف التي لم توقع على اتفاق جوبا في أعلى جدول أعمال الحكومة الجديدة».
وبعد الإعلان عن الاتفاق بين الجيش وحمدوك أمس الأول، بدأ متظاهرون دافعوا عن حمدوك في السابق يرددون شعارات ضده. وقال حمدوك، إنه وقع على الاتفاق لمنع إراقة مزيد من الدماء. وأضاف «نحن ملتزمون بالمسار الديمقراطي والحفاظ على حرية التعبير والتجمع السلمي وانفتاح أكبر على العالم».
وأفرجت السلطات السودانية عن بعض السياسيين الذين كان تم توقيفهم الشهر الماضي، تزامناً مع إعلان قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان حلّ مؤسسات الحكم الانتقالي وفرض حال الطوارئ في البلاد. 
وجاء قرار الإفراج بعد أن أُعيد رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك إلى منصبه وأُلغي قرار إعفائه بموجب «اتفاق سياسي» وقّعه مع البرهان في القصر الجمهوري بالخرطوم. 
وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، أحد السياسيين المفرج عنهم، أمس: «جرى إطلاق سراحي وقت متأخر من مساء أمس الأول».
وأضاف الدقير: «كنت طوال هذه الفترة في حبس انفرادي ومقطوعاً تماماً عن العالم».
وحسب الدقير، جرى إطلاق سراح عدد من السياسيين، ومن بينهم صديق الصادق المهدي مساعد رئيس حزب الأمة، أكبر الأحزاب السياسية في البلاد. كما أُفرج عن ياسر عرمان مستشار رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، ونائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال جناح مالك عقار، أحد حركات التمرد المسلحة التي وقعت على اتفاق السلام في جوبا العام الماضي. ورفضت قوى إعلان الحرّية والتغيير، الكتلة المدنيّة الرئيسة، التي قادت الاحتجاجات المناهضة للبشير ووقّعت اتّفاق تقاسم السلطة عام 2019 مع الجيش، اتّفاق أمس الأول.
وفي الخرطوم ومدينتَي كسلا وعطبرة في شرق البلاد وشمالها، واصل آلاف السودانيّين احتجاجاتهم ضدّ الانقلاب العسكري. وتحوّلت الاحتجاجات إلى تعبير عن رفض الاتّفاق السياسي الجديد، حسبما أكّد شهود عيان. وبثّ التلفزيون تفاصيل الاتّفاق السياسي الذي شمل 14 نقطة في مقدّمها: تولّي حمدوك مجدّداً رئاسة الحكومة و«إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيّين والعمل على بناء جيش قومي موحّد». ورحب المجتمع الدولي بالاتفاق، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومجموعة دول الترويكا (بريطانيا والنروج والولايات المتحدة).
ومن جانبها، دعت فرنسا، أمس، إلى «الإسراع بتشكيل» حكومة مدنية في السودان بعد عودة حمدوك إلى منصبه، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية: «ترحب فرنسا بعودة عبدالله حمدوك إلى رئاسة الوزراء، وتدعو إلى مرحلة جديدة بالإسراع بتشكيل حكومة مدنية».