دينا محمود (لندن)
بعيداً عن المعارك التي تدور على الأرض في اليمن، يستعر صراع من نوع آخر، محوره هذه المرة العملة المُستخدمة في البلاد. فالريال اليمني، الذي يواصل انهيار قيمته، أصبح مبعث قلق جديداً للأوساط المحلية والإقليمية والدولية المعنية بالوضع في اليمن، ما حدا بالأمم المتحدة إلى إطلاق تحذير شديد اللهجة، من أن استمرار هذا التراجع غير المسبوق، سيُحْدِث كارثة اقتصادية بكل معنى الكلمة.
ويعزو محللون السبب المباشر لهذه الأزمة، التي تفاقم من المأساة الإنسانية التي تعصف بملايين اليمنيين منذ نحو 7 سنوات، إلى قرار اتخذته الميليشيات الانقلابية أواخر عام 2019، بوقف تداول أوراق نقدية جديدة ضختها الحكومة في ذلك الوقت.
وأدى هذا القرار المثير للجدل، الذي زعم الحوثيون أنه يستهدف مواجهة معدلات التضخم المتزايدة، إلى زيادة المعروض من الريالات الورقية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، ومحدوديته في تلك المنكوبة بهيمنة الحوثيين عليها، وذلك في وقت كان البنك المركزي اليمني الذي يتخذ من عدن مقراً له، يتوقع فيه أن يتم تداول الأوراق النقدية الجديدة، بشكل متساوٍ بين مختلف أنحاء البلاد.
وقاد هذا الوضع الغريب من نوعه، حسبما قال محللون لصحيفة «واشنطن نيوز داي» الأميركية، إلى حدوث ثبات نسبي لقيمة العملة اليمنية في المناطق التي تخضع للميليشيات الحوثية، ليبلغ سعر صرفها أمام العملات الأجنبية، لنحو 600 ريال مقابل الدولار الأميركي الواحد. أما في المدن والبلدات التي تسيطر عليها الحكومة، فيتم مبادلة كل دولار بقرابة 1000 ريال.
وفتح ذلك الباب أمام المتلاعبين والمضاربين في الريال، ما أفضى عملياً إلى ظهور سعريْ صرف له يتباين باختلاف المناطق اليمنية، في ظاهرة يصفها المحللون الاقتصاديون والماليون، بالغريبة من نوعها.
وأكد المحللون أن «حرب العملة» المستعرة في الوقت الحاضر بين الحكومة والميليشيات الانقلابية تضيف عبئاً ثقيلاً آخر على كاهل اليمنيين، الذين تمزق الصراعات بلادهم، بفعل استيلاء الحوثيين على السلطة في صنعاء في سبتمبر 2014، ما أشعل شرارة حرب تضع اليمن بأسره على شفا مجاعة، تحذر الأوساط الأممية بأنها ستكون الأسوأ في العالم بأسره منذ عدة عقود.
وفي الأسابيع الأخيرة، صعّد الحوثيون من ممارساتهم العدوانية على هذا الصعيد، إثر اتهامهم للحكومة بطبع أوراق نقدية مزيفة، وذلك بعدما طرح البنك المركزي أوراقاً نقدية، كانت موجودة لديه في الأساس، في مسعى لمواجهة التراجع المستمر في قيمة العملة المحلية.
وسبق أن أدى حجب الميليشيات الحوثية المساعدات الإنسانية والمواد الحيوية عن المحتاجين إليها، إلى اتخاذ برنامج الأغذية العالمي، قراراً بوقف عملياته في المناطق التي تسيطر عليها تلك الحركة الانقلابية، وذلك بفعل قلق الجهات المانحة له، من عدم وصول الإمدادات الغذائية إلى مستحقيها.