دينا محمود (لندن)
في ظل أجواء تُنذر بتجدد الحرب الأهلية في لبنان، بعد أكثر من ثلاثة عقود على إسدال الستار عليها، يبدو أن اتفاق الطائف، الذي وضع حداً للاقتتال الذي انخرط فيه الفرقاء اللبنانيون، خلال الربع الأخير من القرن الماضي، قد يمثل هذه المرة أيضاً، مفتاح الخروج من الأزمة الحالية.فاستكمال تطبيق الاتفاق، الذي تم التوصل إليه برعاية سعودية، بما يجبر ميليشيات «حزب الله» الإرهابية على نزع سلاحها، يشكل بنظر خبراء ومحللين أميركيين، السبيل الأمثل لاحتواء العاصفة السياسية والاقتصادية والمعيشية، التي تجتاح لبنان في الوقت الحاضر. 
وبالرغم من أن هذا الاتفاق وُقِعَ قبل أكثر من 30 عاما، فإن ما نص عليه من ضرورة حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وتسليم أسلحتها إلى الدولة، لم يطبق حتى الآن على «حزب الله»، الذي أصر على الاحتفاظ بترسانته من السلاح، التي تفوق في حجمها على الأرجح، الأسلحة التي يتزود بها الجيش اللبناني نفسه.
وفي تصريحات نشرتها مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية، أكد المحلل راسل برمان الباحث في معهد «هوفر» للدراسات والأبحاث في الولايات المتحدة، أن تفكيك سلاح «حزب الله»، سيمثل خطوة لا يُستهان بها على طريق وقف التدهور الراهن، للوضع على الساحة اللبنانية، بما يحول دون تفاقم المعاناة الإنسانية هناك. وأشار إلى أنه ينبغي أن يشكل التخلص من ترسانة الأسلحة الهائلة التي تمتلكها تلك الميليشيا الإرهابية، وتضع الجانب الأكبر منها في أحياء مكتظة بالسكان، أحد الأهداف الرئيسة التي تتوخاها القوى الدولية الراغبة في وقف انزلاق لبنان نحو الهاوية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
فـ «حزب الله» أصبح يمثل الآن القوة ذات النفوذ المطلق في الحلبة السياسية اللبنانية، التي تُبقي على مكونات الطبقة الفاسدة في السلطة من جهة، وتتورط في الفساد بنفسها متمثلاً في عمليات تهريب وتجارة المخدرات وغسل الأموال من جهة أخرى، إلى حد يدفع اللبنانيين أنفسهم، إلى اعتبار الحزب بمثابة «احتلال خارجي»، لا يلبي احتياجاتهم، وإنما يعمل على خدمة داعميه الإقليميين.واعتبر برمان أن بوسع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الاضطلاع بدور محوري على صعيد إجبار «حزب الله» على نزع سلاحه، حتى وإن كانت هذه الإدارة تبدو في الوقت الراهن، غير متحمسة لإطلاق مبادرات خارجية مكلفة، لا سيما حيال الأزمات التي يشهدها الشرق الأوسط.
فمن شأن تفكيك ترسانة الحزب، خدمة مصالح الأمن القومي الأميركي، في ضوء أن ذلك يمهد الطريق أمام إحلال الاستقرار في بلد، قد يفضي تفشي الفوضى فيه إلى تهديد أوروبا والغرب بوجه عام، إذ أن «نزع أنياب هذا التنظيم الإرهابي، يجعل الأجواء مهيأة لإجراء إصلاحات هيكلية وسياسية مهمة، تختلف عن الخطوات الجزئية التي يتم اتخاذها حاليا، والتي تقتصر على دعم الجيش اللبناني، وتوفير مساعدات إنسانية للبنانيين»، الذين يعانون من تضخم مفرط، وانهيار في قيمة عملتهم المحلية، ويصطفون في طوابير طويلة، للحصول على الوقود والسلع الرئيسة.
ورأى المحلل الأميركي أن لبنان يمثل اختباراً متوسط الشدة لإدارة بايدن، مؤكداً أن لدى هذه الإدارة طرقاً مختلفة يمكن لها من خلالها، أن تُظهر إرادتها وتصميمها على إنهاء الاضطرابات الحالية على الساحة اللبنانية، بما يشمل مواصلة دعم الجيش، والضغط على الطبقة السياسية الحاكمة في بيروت، لإجراء الإصلاحات المنشودة. 

وأشار إلى أن الإدارة الأميركية ربما تلجأ في هذا الصدد، إلى التلويح بفرض عقوبات على الساسة اللبنانيين الذين يعرقلون المضي على طريق الإصلاح وتطهير مؤسسات الدولة من الفساد، وهو ما قد يدفع شخصيات بعينها في الطبقة الحاكمة، نحو الانصياع للمطالبات الخاصة بإجراء الإصلاحات، التي ظلت تقاومها بشدة حتى الآن.