دينا محمود (لندن) 
لم تعد أفريقيا مجرد ساحة فرعية لعمليات تنظيم «داعش» الإرهابي، بعدما دُحِرَت عناصره في منطقة الشرق الأوسط، بل أصبحت تشكل الآن مسرحاً رئيسياً لاعتداءات هذه الجماعة الدموية وأنشطتها في تجنيد مسلحين جدد، وتدريبهم كذلك.
فالتنظيم يستغل، كما قال محللون غربيون متخصصون في شؤون الأمن ومكافحة الإرهاب، ضعف قدرات الأجهزة الأمنية في عددٍ من الدول الأفريقية، والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها هذه البُلدان، وتجعل مجتمعاتها تعاني هشاشة نسبية، فضلاً عن تفشي معدلات البطالة بين الشبان هناك، ما يحولهم إلى لقمة سائغة أمام القائمين على عمليات التجنيد.
وتركز استراتيجية «داعش» في هذا الصدد، على منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا، التي تضم الكثير من دول شرق وغرب ووسط وجنوب القارة كذلك، وهي البُلدان التي تتسم حسبما قال المحلل كولين بي كلارك، بحدودها القابلة للاختراق، ووجود مخزونات كبيرة من الأسلحة الصغيرة والخفيفة فيها، فضلاً عن تضاؤل قدرات قوات الأمن التابعة للسلطات الحاكمة في أراضيها.
وأكد كلارك، مدير قسم الأبحاث والدراسات بمجموعة صوفان للاستشارات الأمنية والاستخباراتية في الولايات المتحدة، أن ذلك يزيد من فرص نجاح «داعش» في اتخاذ بعض دول هذه المنطقة واسعة المساحة، «مركز قيادة» لعملياته هناك، لا سيما بُلدان مثل الصومال والكونجو الديمقراطية وموزمبيق.
وفي مقال نشره موقع «بيزنس إنسايدر» الأميركي، أشار كلارك إلى أن الأمم المتحدة سبق لها أن وصفت هذه الدول بأنها «ثالوث» لهذا التنظيم الإرهابي، يربط بين عملياته في شرق وجنوب ووسط أفريقيا، بما يشكل استغلالاً من جانب قيادات «داعش» وكذلك تنظيم «القاعدة»، لانشغال الدول الغربية عن تلك البقاع، ومنحها نصيب الأسد من اهتمامها لمناطق أخرى في العالم.
وأدى ذلك إلى أن تكون سبعاً من دول أفريقيا جنوب الصحراء، ومنها مالي والكونجو وموزمبيق، من بين الدول العشر التي شهدت الزيادة الأكبر في الهجمات الإرهابية في العالم خلال العام الماضي، وهو ما يعني أن تحويل «داعش» اهتمامه لتلك المنطقة تحديداً يمثل جزءاً من استراتيجية مدروسة، تستهدف العمل في منطقة يسهل على إرهابيي التنظيم، التحرك فيها عبر الحدود، مقارنة بمناطق أخرى من العالم.
ووفقاً لمقال كلارك، تعتقد قيادات «داعش» أن بوسع التنظيم بسط سيطرته على مساحات من الأراضي في هذه المنطقة من أفريقيا، خاصة على الساحل الجنوبي الشرقي للقارة، كما سبق أن فعل في العراق وسوريا في النصف الأول من العقد الماضي، حينما أعلن هناك خلافته المزعومة، التي تفككت بعد سنوات قليلة.
ويستغل التنظيم الإرهابي في هذا الصدد، جماعات متمردة محلية تشكو من مظالم مختلفة، لتكوين ما يمكن أن يُوصف بـ «زواج مصلحة»، تستفيد منه هذه المجموعات في تحسين إمكاناتها وتسليحها، وجعلها أكثر قدرة على شن هجمات أكثر تعقيدا. في المقابل، ينتفع «داعش» من هذه العلاقة المشبوهة، في شن حملات دعائية توحي باتساع رقعة سطوته ونفوذه.
ويمثل ما يحدث حالياً في موزمبيق دليلاً على ذلك، في ضوء مؤشرات تفيد بأن التنظيمات المسلحة المحلية العاملة هناك، والمعروفة بأسماء من بينها «أهل السنة والجماعة» و«أنصار السنة» و«الشباب»، أصبحت قادرة الآن على تنفيذ اعتداءات أوسع نطاقاً وأكثر دموية، منذ أن اعترف بها «داعش» رسمياً في أبريل 2019.
ومن أمثلة هذه العمليات، كما يشير كلارك في مقاله، شن هؤلاء المسلحين هجوماً مدمراً على بلدة «بالما» الساحلية في مارس الماضي، ما أدى إلى مقتل عشرات الأشخاص.