نشوى الرويني- منذ اللحظة الأولى التي تم خلالها إيقاف حساب الرئيس الأميركي السابق «ترامب» على بعض منصات التواصل الاجتماعي، تغيرت موازين القوى القديمة، ليصحو العالم على أسياد جدد يتحكمون بكل شيء يخطر على بالك، هذه الشركات الرقمية التي منحت ترامب رئاسة أميركا هي نفسها التي سلبتها منه في غمضة عين وحجبته عن ناخبيه الذين تجاوزوا السبعين مليون ناخب.
هكذا ببساطة صادمة ومقلقة، يصحو رئيس أقوى دولة نووية في العالم ليجد صوته مخنوقاً وغير قادرٍ حتى على كتابة تغريدة بينما مواطن أميركي بسيط في الشارع المقابل يستطيع قول ما يشاء عبر حساباته في المنصات الرقمية، مثال مصغر على ما تستطيع تلك الشركات أن تفعله من عزل دول بأكملها وتحويل البنية التحتية المعلوماتية لتك الدول إلى جزر قاحلة منعزلة عن العالم، لا تمتلك أي وسائل اتصال دولية أو محلية تسمح بإجراء المعاملات البنكية أو المراسلات الإلكترونية أو أدوات الملاحة الجوية والبرية، مع إصابة كافة الخدمات الحكومية للمواطنين وقضاء مصالحهم الشخصية بالشلل والتوقف الكامل، وهنا يلح السؤال، أين نحن من هذا كله؟، خاصة ونحن أمام تحدي الثورة الصناعية الرابعة وحتمية اللحاق بالركب الحضاري لهذه الثورة التي تعتمد على البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، كيف نكون في مأمن من التحكم المطلق لشركات البيانات الضخمة.
نحن لسنا أقل من تلك الدول، ولدينا كافة الإمكانات والخبرات إذا ما وجد السعي للتوطين التكنولوجي... ورصد الميزانيات الكافية للبحث العلمي والاستثمار في هذا المجال الحيوي، والذي أصبح مثل الماء والهواء، علينا أن نركز جهودنا في بناء أوطان رقمية متينة وعصية على الاختراق، كما فعلت الكثير من الدول المتقدمة، منها إسرائيل التي أقرت تدريس الأمن السبراني في مدارسها الابتدائية.
كما أقرت العديد من الدول بجعل الأمن السبراني فرعاً من فروع القوات المسلحة، حيث وظفت ألمانيا وحدها 13500 «هكر» لحماية وطنها الرقمي.
إن ضربة سبرانية واحدة قد تطال القطاع المصرفي، محطات توليد الطاقة، مصافي النفط، حركة الملاحة الجوية، الإمدادات اللوجستية الجوية، حركة ملاحة السيارات ونظم المرور، وإلى ما غير ذلك من القطاعات الحيوية، والتي تُعد من مسلمات الحياة في القرن الحادي والعشرين، خلاصة القول، المصير ليس مسألة مصادفة... إنه اختيار... إنه ليس شيئاً يجب انتظاره... إنه شيء يجب صنعه!