أحمد شعبان (القاهرة)

أكد الدكتور محمد مطر سالم الكعبي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، أن حكومة الإمارات قامت باتباع استراتيجية شاملة لتعزيز القيم الإنسانية المشتركة ضمن مبادرات حكومية تؤطر الثقافة الشعبية التسامحية المتأصلة في الشخصية الإماراتية، وتقننها بالتشريعات والقوانين، مشيراً إلى أن وثيقة الأخوة الإنسانية والبيت الإبراهيمي في أبوظبي لقيا تفاعلاً حضارياً عالمياً بما يحتويانه من قيم إنسانية مشتركة.
جاء ذلك خلال مشاركته في أعمال المؤتمر الدولي الـ31 للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف المصرية، والذي انطلق أمس بالقاهرة بمشاركة 75 شخصية من 35 دولة، ويستمر يومين، تحت عنوان: «حوار الأديان والثقافات»، برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، ومحمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، وبحضور الدكتور أحمد الحداد مدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي.
وقال الكعبي: «على الرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها العالم، فإننا اليوم في هذا المجلس نلتقي على أرض العروبة والحضارات، على مائدة حوار الأديان والثقافات، لنؤكد على المشترك الإنساني فيما يعود بالنفع والخير على البشرية». وأكد أنه ما من حضارة في التاريخ قامت على الانغلاق العرقي أو الديني، إلا تسارع إليها التفتت والانهيار، نتيجة لصدامها مع غيرها، مما يؤكد أنه لا استمرار ولا ديمومة إلا للحضارة المنفتحة القائمة على التعاون الإنساني.
وأضاف «نحن نفتخر بانتمائنا إلى الحضارة العربية والإسلامية، التي قدمت أروع مثل في إيمانها بالتنوع والتكامل، وإبداعاتها في وسائل التعايش والتواصل، وإعلائها للمشترك الإنساني القائم على قيم العدل والإنصاف والكرامة المتساوية لجميع بني آدم، والإيمان بالقدر الإلهي في الاختلاف والتعدد الكوني، واستثمار جميع الطاقات البشرية لعمارة الأرض وتعميم الرحمة للعالمين». وأشار الكعبي إلى أن الإنسانية اليوم تواجه خروجاً على هذه المبادئ الأخلاقية العالمية، تحت غطاء بعض الفتاوى الدينية المستندة إلى تفسيرات غير صحيحة من النصوص الدينية، وقراءات مغلوطة للسياقات التاريخية مما أدى لتكوين جماعات وتيارات تُظهر الدين بمظهر الانغلاق والقطيعة الاجتماعية والثقافية مع الآخر، مؤكداً أن هذا بدوره يؤدي إلى الصدام والعنف والحروب الدموية والطائفية».
وشدد الكعبي على أن أتباع الديانات السماوية إذا تشبعوا بالقيم الإيمانية، وتمسكوا بالمشترك الأخلاقي والحضاري، سيكونون صناع سلام وازدهار، ودعائم تلاحم واستقرار.
وأشار إلى أن الإمارات أنشأت أول وزارة للتسامح والتعايش، وأصدرت أول قانون يحمي قيم التسامح، واحترام دور العبادة، وحرية المعتقدات، ويُجرّم الأفعال المؤدية إلى الكراهية، وإثارة الطائفية، والمساس بالمقدسات الدينية.
وأضاف الكعبي: «توجت إنجازات الإمارات باحتضانها ورعايتها وتبنيها وثيقة الأخوة الإنسانية، التي سجلها التاريخ بتوقيع شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي «رعاه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية، الذي جمع قادة أديان العالم على أرض التسامح أبوظبي.
وأشار إلى أن الإمارات أقامت مجمعاً حضارياً شامخاً أطلقت عليه اسم «البيت الإبراهيمي»، يضم مسجداً يحمل اسم شيخ الأزهر الشريف، وكنيسة تحمل اسم البابا فرنسيس، ومعبداً للديانة اليهودية، وهي ثلاثة مبان مستقلة ومنفصلة تمكن أتباع كل ديانة من ممارسة شعائرهم كل في دار عبادته، مؤكداً أن هذا سلوك حضاري شهدته عواصم الحضارة العالمية حيث تجاورت فيها دور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، منذ عصر صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وشدد الكعبي على أن وثيقة الأخوة الإنسانية والبيت الإبراهيمي في أبوظبي لقيا تفاعلاً حضارياً عالمياً بما يحتويانه من قيم إنسانية مشتركة تؤكد على أن الأخوة الإنسانية تنظر إلى البشر جميعاً على أنهم متساوون في الحقوق والواجبات والكرامة وتحرم إزهاق النفس البشرية الطاهرة، وتدعو إلى تحقيق قيم العدل والرحمة، وتحث على الإحسان إلى الفقراء والبؤساء والمحرومين، وترسخ قيم السلام والتعايش بين الشعوب، مضيفاً «من أجل ذلك أصبح يوم الرابع من فبراير من كل عام يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في خطوة رائدة تعكس أهمية المشترك الإنساني بين الأديان والثقافات».
وأوصى الكعبي في ختام كلمته بقيام المؤسسات الدينية المشاركة في المؤتمر بتبني استراتيجية تثقيفية عبر المنابر الدينية والإعلامية، ومن خلال الندوات والفعاليات، تستهدف رفع الوعي بالمشترك الإنساني، وإطلاق مبادرات مشتركة على الصعيد الوطني في كل بلد عضو بين المؤسسات الدينية ورجالاتها في كل الأديان الممثلة في البلد على المستويات الرسمية والشعبية بالتأكيد على التلاحم الوطني، والاستقرار المجتمعي، وإحياء مظاهر الحضارة الإنسانية، والتعاون لخدمة البشرية وارتقائها.