دينا محمود (لندن)
كشفت وثائق قضائية تركية مُسرّبة النقاب عن توسيع نظام رجب طيب أردوغان، نطاق عمليات التجسس التي يستخدم فيها البعثات الدبلوماسية لبلاده ضد معارضيه في الخارج، لتشمل مواطني بلاده المقيمين في اليابان، وذلك بعدما شملت هذه الأنشطة من قبل، دولاً أفريقية وأوروبية، وأخرى تقع في الأميركيتين.
وأوضحت الوثائق أن الدبلوماسيين الأتراك في طوكيو، تورطوا بأوامر من جانب نظام أردوغان، في جمع معلومات استخباراتية بشأن عشرات من مواطنيهم في اليابان، بينهم أكاديميون ومعلمون وممثلون لمؤسسات وجمعيات أهلية، بجانب رجال أعمال بارزين، وذلك بدعوى الاشتباه في تأييدهم لرجل الدين التركي المعارض «فتح الله جولن».
ووفقاً للوثائق التي نشر موقع «نورديك مونيتور» الاستقصائي جانباً منها، استهدفت حملة التجسس التي نفذها دبلوماسيو نظام أردوغان بشكل منهجي في اليابان، التمهيد لرفع دعاوى جنائية ضد المغتربين الأتراك، الذين يُشتبه في أنهم يتبنون أفكاراً معارضة، للسلطات الحاكمة في تركيا.
وأظهرت الوثائق، التي يعود بعضها إلى أواخر عام 2018، أن مكتب المدعي العام في أنقرة استند إلى المعلومات التي جُمِعَت من خلال تلك الحملة، لفتح تحقيق ضد 37 تركياً وردت أسماؤهم في ملفات أرسلها الدبلوماسيون الأتراك من طوكيو بين عاميْ 2016 و2018، وخلت من أي أدلة ملموسة، تثبت ضلوع هؤلاء الأشخاص في ارتكاب مخالفات.
ورغم ذلك تمخض التحقيق عن اتهام عدد من أولئك الأشخاص بـ «بالانتماء إلى جماعة إرهابية»، في إشارة إلى الحركة التي يقودها «جولن».
وتعزز الوثائق التي نشرها «نورديك مونيتور»، ما أكده مركز «ستوكهولم للحريات» مؤخراً، من أن الأجهزة الأمنية التابعة لنظام أردوغان، كثفت على مدار العام الماضي حملتها، ضد كل من يُشتبه في تعاطفه مع «جولن»، بما يشمل تقديمهم لمحاكمات غير عادلة، وتعريضهم لممارسات تتنافى مع القانون، وتعذيب بعضهم، واختطافهم كذلك.
وتشكل هذه الملاحقات المحمومة، جزءاً من حملة القمع الواسعة التي تنخرط فيها السلطات التركية في الداخل منذ انقلاب 2016 الفاشل، بذريعة تطهير مؤسسات الدولة من الانقلابيين.
وأبرز الموقع الاستقصائي، إقرار دبلوماسيين أتراك في تصريحات علنية، بضلوعهم في أنشطة تجسس على مواطنيهم في الخارج، حسبما جاء على لسان سفير أنقرة لدى أوتاوا كريم أوراس، الذي اعترف بأن سفارته تجسست على 15 كندياً من أصل تركي، وبرر ذلك بالقول إنه «يتعين على أي سفارة التركيز على التهديدات التي تستهدف الدولة التي تمثلها».
كما سبق أن أقر السفير التركي لدى أوغندا فكرت كرم ألب، بأن الدبلوماسيين الأتراك يجمعون معلومات عن الأنشطة التجارية لمعارضي أردوغان المقيمين في الخارج، مبرراً ذلك بأن «بعض أنصار جولن، سعوا من قبل للاختباء في أوغندا، وكانوا يعملون في المدارس أو المستشفيات الموجودة هناك».
أما وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، فقال بدوره في تصريحات لصحفيين أتراك، إن «جمع المعلومات الاستخباراتية يشكل واجباً للدبلوماسيين»، وذلك في تجاهل صارخ لضرورة التزام العاملين في البعثات الدبلوماسية في مختلف أنحاء العالم، بأحكام اتفاقية فيينا، التي توجب عليهم احترام قوانين وأنظمة الدول المضيفة، ما يعني أنه لا يجوز لهم، الانخراط في أنشطة تجسس على أراضي هذه البُلدان.
وفي سياق متصل، كشفت وثيقة استخباراتية مُسرّبة النقاب، عن الدور المشبوه الذي يلعبه الرئيس التركي في إذكاء نزعات العنف والتطرف في هولندا، وتشجيع أعمال العنف في أراضيها.
وأكدت الوثيقة، المؤلفة من 30 صفحة، والتي لم تُنشر بعد رسمياً، أن تأثيرات مساعي أردوغان لنشر التشدد في بلاده، تمتد إلى هولندا عبر الجمعيات التركية الموجودة هناك، بما تمتلكه من صلات وثيقة بـ «تنظيمات سلفية» توجد في الداخل التركي.
وبحسب الوثيقة، التي أعدها المنسق الوطني للأمن ومكافحة الإرهاب في هولندا، ترتبط تلك التنظيمات بعلاقات قوية على نحو خاص مع «المنظمات الشبابية التركية - الهولندية، وكذلك مع دعاة متشددين، ويتفاعل عناصرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويضعون منشورات يُقال إنها تتضمن تمجيداً للمسلحين القتلى، وتشمل رسائل مناوئة للغرب».
وأبرزت الوثيقة الاستخباراتية، التي نُشِرَ جانب منها من خلال هيئة البث الهولندية، الشبهات التي تساور أجهزة الأمن في البلاد، بشأن وجود علاقة ولو غير مباشرة، بين تصريحات أردوغان وخطاباته التحريضية، وهجوم نفذه رجل تركي في مدينة أوتريخت، في 18 مارس 2019، وأوقع ثلاثة قتلى وجرح 7 آخرين. وبحسب موقع «أحوال» الإلكتروني، ناقش المحللون الذين شاركوا في إعداد الوثيقة، الصلة بين الهجوم الذي وقع في محطة ترام ومواقع أخرى في أوتريخت، والتحريض الذي يطلقه الرئيس التركي ضد الغرب بوجه عام، والتصريحات التي أدلى بها بشكل خاص في الأيام السابقة للاعتداء، وأجج من خلالها الكراهية، عبر استغلال هجوم دموي، كان متطرف أبيض قد نفذه في نيوزيلندا منتصف مارس 2019.
كما أشارت الوثيقة في أحد أجزائها، إلى المساحة الواسعة التي يمنحها أردوغان للقوى المتشددة في بلاده، وذلك بالتوازي مع إحكامه قبضته على الحكم، من خلال تحالفه مع الشعبويين والقوميين والمتطرفين.