أن تكون مذيعاً لامعاً، ولديك برنامج يحمل اسمك ولا يجرؤ أحد على تجاوزك وتقديمه بدلاً منك، حتى ولو كنتَ طريح الفراش، هذا لا يعني أن تدع مساحات برنامجك الزمنية ملعباً لكل من لا يملك مهارة الإمساك بالكرة لكي يصول ويجول، ويتجاوز ويغلط دون أن توقفه أو تخرجه من الاستوديو ليس حرصاً عليك أو على جمهورك، بل على علاقات قد تكون أكبر منك ومن كل الذين يجالسونك، ويظنون أنهم في برلمان عام ليس عليه قيود، أو هو فارغ من قيم الإعلام المرئي أو المسموع، القيم الحقيقية التي انفلت أكثرها في زمن الانفلات الإعلامي.
ما يحدث في البرامج المباشرة في المحطات الفضائية في زمننا هذا أمر مستفزٌ وغثيث كما يقولون، كنّا عندما نجتمع حول جهاز التلفزيون، نقطع ساعات من الزمن ونحن ننتقل من محطة إلى أخرى باحثين عن الفائدة والمتعة التي ننشدها من البرامج المُسجلة، ومن ثم البرامج المفتوحة التي جاءت مع الانفتاح الإعلامي، وتحول المحطات الأرضية إلى فضائية، وصرنا نشاهد ضيفاً من أقاصي الأرض يحدثنا وكأنه يجلس بيننا، ثم أصبح التحول ليس في الشكل فقط، ولكن في نوعية الضيوف، وتفاوت مؤهلاتهم وخبراتهم واهتماماتهم، ومقاسات ألسنتهم.
وعند مقاسات ألسنتهم نتوقف قليلاً، فهنا «مربط الفرس»، بخاصة إن علمنا أننا نتحدث عن ألسنة عربية يُفترض أنها نشأت نشأة طيبة وفي محيطات أسرية مستقرة، يعني «عرفت تربي عيالها بشكل صح»، كي لا يظهروا للناس وهم بعيدون عن التنشئة الصحيحة التي تتكئ على قيم وعادات وتقاليد وسنع. اليوم بعض الذين نشاهدهم على الشاشات حتى طريقة جلوسهم في البرامج التي تتخذ الشكل الشعبي تكشفُ أصالتهم، ونوعية الثقافة التي يحملونها.
لكن إن علمنا أن بعض أولئك الضيوف يأتون من بيئات مختلفة بعضها لا يمت لثقافتنا الخليجية على الدقة بصلة، وإنما هو مقحمٌ عليها ويعرف «يلوي» لسانه عندما يتحدث فسيزول الاستغراب وتتحول علامة الاستفهام، إلى علامة سؤال: لماذا يؤتى بأولئك النفر من البشر ليكونوا ضيوفاً في برامج حيوية وخطيرة ولها جمهورها في وقت حرج لا يصح أن يترك لأي شخص فيه العنان ليقول الآراء ويهرف بما لا يعرف، ثم تصبح المشاحنات على وسائل التواصل الاجتماعي صورة بشعة لأخلاقيات الشباب الذين يدافعون، ويرفضون، ويتصادمون وهم أبناء منطقة واحدة، وثقافة مشتركة.
كل ذلك يحدث بسبب الانفلات اللحظي في برامج التحليلات والمناقشات المفتوحة دون سقف قيمي في بعض المحطات للأسف، فهل من رادع؟!