على مدار معظم تاريخنا، لم يكن الصيام المتقطع خياراً طوعياً. نظراً لشح الطعام وصعوبة تخزينه، وكان من الشائع أن يقضي الناس ساعات أو حتى أياماً دون تناول الطعام. ولكن بالانتقال إلى يومنا هذا، نجد أن معظم الأشخاص لا يبتعدون أبدا عن وجبة خفيفة سريعة.
هذا التباين الحاد في عادات الأكل جعل الناس يتساءلون عما إذا كانت تلك الفترات الخالية من الطعام كانت مفيدة. وإذا كانت كذلك، فهل ينبغي أن نعيد إدخالها في حياتنا؟
لتوضيح الأمر، يشير الصيام المتقطع عادةً إلى خطة غذائية تقيد فيها تناول الطعام لأوقات أو أيام معينة. على سبيل المثال، تناول الطعام فقط خلال نافذة زمنية مدتها ثماني ساعات ضمن فترة 24 ساعة (غالبًا ما يُشار إليها بنظام 16:8)، أو تقييد السعرات الحرارية التي تتناولها على مدار يومين من كل سبعة أيام (وهو ما يعرف بنظام 5:2) بحسب موقع «.sciencefocus.com».

الإيجابيات
أولاً، نعم: الصيام يمكن أن يساعدك على فقدان الوزن، وخاصة الدهون. يقول الدكتور جيسون فونغ، مؤلف كتاب الدليل الكامل للصيام: "عندما تأكل عدد مرات أقل في اليوم، فإنك عموماً تأكل كمية أقل بشكل عام. الصيام يُنشئ هيكلاً ليوم الأكل. كما أنه بسيط ومرن وبديهي".

  • ربما يساعدك الصيام المتقطع على إنقاص الوزن وخاصة الدهون

 

اقرأ أيضاً.. الصيام المتقطع منها.. 8 نصائح تُحسن الذاكرة

غالباً، عندما نحاول اتباع حميات تقليدية تعتمد على تقييد السعرات الحرارية، تحدث أشياء عدة تحاول الحفاظ على نفس الوزن: نشعر بالجوع طوال الوقت، نتحرك أقل قليلاً، ونستخدم طاقة أقل.
يبدو أن الصيام يخفف من بعض هذه المشكلات: في دراسة صغيرة ولكن محكمة، تمكن المتطوعون الذين قيدوا تناولهم للطعام إلى نافذة زمنية مدتها ست ساعات يوميًا من استهلاك نفس كمية الطاقة كالمعتاد، مع انخفاض في مستويات هرمون الجوع (جريلين) وتراجع الرغبة في تناول الطعام.
هناك أيضاً أدلة على أن الصيام يساعد جسمك على حرق الدهون. يقول خبير صحة الأمعاء الدكتور داريل جيوفري: "عندما تأكل باستمرار، فأنت تضخ الأنسولين باستمرار في الدم، وهو ما يوجه الجسم لتخزين الدهون. يساعد الصيام في إنتاج الكيتونات، وهي مادة كيميائية ينتجها الكبد عند تكسير الدهون، والتي يمكن للجسم استخدامها كمصدر للطاقة".

 


  • عندما تأكل باستمرار ، فإنك تتخلص باستمرار من الأنسولين في دمك

الصيام المتقطع يقلل أيضاً من الوقت الذي يقضيه الجسم في حالة الهضم، والتي تكون فيها مستويات السكر والدهون في الدم مرتفعة. لذلك، يبدو أن الصيام المتقطع مرتبط بتقليل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع 2، وقد يحسن صحة الأوعية الدموية، على الرغم من أن بعض هذه الفوائد قد تأتي من فقدان الوزن وتقييد السعرات الحرارية.
يقول برادي هولمر، الباحث في موقع Examine.com والذي يجري أبحاث الدكتوراه حول فسيولوجيا القلب والأوعية الدموية: "هناك أدلة قوية تشير إلى أن الصيام المتقطع مفيد لصحة القلب والأيض".
ويضيف: "من الصعب تحديد التأثيرات طويلة المدى لأن معظم الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع تتراوح مدتها بين 6 إلى 12 شهراً فقط. ولكن البحث الذي قرأته يشير إلى أن الصيام المتقطع يحسن عوامل الخطر لصحة القلب على المدى الطويل، مثل الوزن ونسبة الدهون في الجسم ودهون الدم وضغط الدم. إذا كان الصيام المتقطع جيدًا لهذه النتائج حتى حوالي سنة، أجد صعوبة في الاعتقاد بأن ممارسته لفترة أطول يمكن أن تؤدي إلى نتائج صحية سلبية".
وأخيرًا، هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن الصيام قد يحمي من مشكلات الشيخوخة الأخرى، مثل تحسين عملية الالتهام الذاتي (autophagy)، وهي طريقة الجسم في تنظيف المواد الخلوية التالفة أو غير الوظيفية.

اقرأ أيضاً.. كيف يدعم الصيام المتقطع جودة النوم؟

السلبيات
إذًا، هل هناك أي جوانب سلبية للصيام المتقطع؟ مؤخرًا، لفتت الأبحاث المقدمة إلى الجمعية الأميركية للقلب الانتباه بوجود مزاعم تربط تقييد تناول الطعام لفترة تقل عن ثماني ساعات يومياً بزيادة بنسبة 91% في خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية، حيث اقترح الباحثون أن السبب قد يكون نقص الكتلة العضلية.
من المهم ملاحظة أن هذه الدراسة لم تكن مراجعة من قِبل الأقران ولم تُنشر في مجلة علمية، بل كانت مجرد ملخص علمي.
أولًا، البيانات جاءت من دراسة ملاحظة تعتمد على استذكار الأشخاص لعاداتهم الغذائية خلال فترتين من 24 ساعة، مما يعني أن الأشخاص الذين تم دراستهم لم يكونوا بالضرورة يتبعون صيامًا متعمدًا، بل تذكروا أنهم تناولوا الطعام في نافذة زمنية مدتها ثماني ساعات لعدة أيام فقط.
كانت هناك أيضاً مشكلة في حجم العينة: "رغم أن العدد الإجمالي للدراسة تجاوز 20,000 شخص، إلا أن المجموعة التي تمت دراستها كانت حوالي 2% فقط من المجموع، مع تسجيل حوالي 30 حالة مرتبطة بأمراض القلب"، حسبما أشار أخصائي التغذية درو برايس.






  • هناك أدلة دامغة على أن الصيام المتقطع مفيد لصحة القلب والأوعية الدموية

"هذه مشكلة لأنها تعني أن هناك فرصة أكبر لأن تكون عينتك غير ممثلة للسكان بشكل عام. في الواقع، يبدو أن مجموعة الثماني ساعات كانت تضم نسبة عالية من المدخنين، الذين من المرجح أن يموتوا بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية مقارنةً بالسكان العامين."
ماذا عن مخاوف الباحثين بشأن الكتلة العضلية؟ قد تكون دراسة تكوين الجسم أكثر صعوبة على المدى الطويل مقارنةً مع نتائج أخرى، لكن الدراسات قصيرة المدى تصب في مصلحة الصيام.
يقول برايس: "مع الحميات الغذائية التقليدية التي تقيّد السعرات الحرارية، حوالي ثلاثة أرباع الوزن المفقود يكون من كتلة الدهون، والربع الآخر من الكتلة الخالية من الدهون [العضلات]. ومع ذلك، تظهر بعض البيانات أن الصيام المتقطع قد يكون أفضل من حيث نسبة فقدان الدهون".
المشكلة الأكبر في الصيام قد تكون نفس المشكلة التي تعيق أنواع الحميات الأخرى: قد لا يجد بعض الأشخاص أن هذه الطريقة مناسبة لهم.
تشير بعض المراجعات إلى أن الناس قد يواجهون صعوبة في الحصول على كميات كافية من البروتين أثناء الصيام المتقطع. أما الأشخاص الذين لديهم تاريخ من اضطرابات الأكل أو الذين يفرطون في تناول الطعام عند شعورهم بالجوع، فيجب عليهم استشارة مختص قبل البدء بالصيام (وكذلك أي شخص يعاني من مشكلات صحية تتطلب تناول وجبات منتظمة).

اقرأ أيضاً.. مشروبات يسمح بتناولها أثناء حمية الصيام المتقطع

  • تأكد من حصولك على ما يكفي من البروتين للتخفيف من أي مشاكل تتعلق بفقدان العضلات

فماذا إذا كنت تفكر في تجربة الصيام المتقطع؟
يقول برايس: "وجهة نظري، كأخصائي تغذية ومدرب سابق في القوة واللياقة البدنية، هي أن الأبحاث تشير إلى ضرورة القيام بنفس الأشياء التي تفعلها في نظام غذائي تقليدي مقيد بالسعرات الحرارية".
"تأكد من أنك تحصل على ما يكفي من البروتين للتخفيف من أي مشكلات تتعلق بفقدان العضلات. أيضاً، كمية صغيرة من تمارين المقاومة يمكن أن تكون مفيدة جدًا – جلسة أو جلستين لمدة 20-30 دقيقة في الأسبوع يمكن أن تساعد حقًا".
إذا كنت قلقاً بشأن نقص الأدلة طويلة الأجل حول الصيام، فإن من المفيد أن تأخذه بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع النظام الغذائي العادي: كشيء تقوم به بين الحين والآخر، بدلاً من أن يكون دائماً. وكما هو الحال مع أي نظام غذائي، يبقى ما تأكله مهماً ويحتاج إلى اعتبارات دقيقة – خاصة عندما تكون مستعدًا لكسر صيامك.