علي عبد الرحمن (القاهرة)
بدأت المرأة العربية رحلتها في عالم الدراما منذ بداياتها، تظهر كظل خافت على هامش الحكاية، كأنها مجرد انعكاس لمجتمع أرادها دائماً داعمة، صامتة، ومطيعة، وكانت خلف تلك الشخصيات البسيطة، براكين من القوة والكفاح تنتظر اللحظة المناسبة للظهور.
مع مرور الزمن، تحولت المرأة من مجرد ظل إلى نجم يضيء عوالم الحكايات، وتطرح أسئلة حول الحرية والعدالة والهوية. وبذلك شهدت الدراما العربية صعود المرأة كقائد للسرد، ورمز للتحولات المجتمعية وكاشفة للصراعات الداخلية والخارجية التي تعيشها.
نسخ مهمشة
في ستينيات القرن الماضي، كانت الدراما العربية تخطو خطواتها الأولى، حيث ظهرت الشخصيات النسائية كنسخ مهمشة من الواقع الاجتماعي القاسي، وجاء المسلسل المصري «هارب من الأيام» عام 1962، بطولة عبدلله غيث ومديحة سالم، وإخراج نور الدمراش، من أوائل الأعمال التي تناولت موضوع المرأة، حيث كانت تُعرض كخلفية درامية للرجل البطل، لكن المسلسل أشار إلى صراع المرأة الداخلي ضد القيود الاجتماعية المفروضة عليها.
وفي الدراما الشامية، بدأ التمرد النسائي يظهر بشكل أوضح في مسلسلات مثل «أسعد الوراق» عام 1975، بطولة منى واصف، حيث قدمت الشخصيات النسائية تحديات تتجاوز الأدوار التقليدية، وكانت المرأة السورية في هذا العمل رمزاً للتمرد، وتعبّر عن النضال الاجتماعي والاقتصادي.
كسر القيود
في السبعينيات من القرن الماضي، بدأت المرأة تكسر القيود التي كانت تكبلها، وتحولت من مجرد خلفية للأحداث إلى محور أساسي في البناء الدرامي، حيث قدم المسلسل المصري «الضباب» عام 1977 بطولة كريمة مختار، المرأة كمحرك رئيس للأحداث، وظهرت النساء في العمل مطالبات بالحقوق التي طالما حُرمن منها، متحديات الأدوار التقليدية.
وفي الخليج، بدأت الدراما تتناول قضايا النساء بطريقة أعمق، وكان مسلسل «إلى أبي وأمي مع التحية» عام 1979، بطولة حياة الفهد، من الأعمال التي قدمت المرأة الخليجية كعنصر فاعل في الأسرة والمجتمع، وبدأت الشخصيات النسائية تعكس الواقع الذي تعيشه، محاولة التوفيق بين طموحاتها الشخصية وحياتها العائلية.
وفي الدراما الشامية، بدأت علامات التغيير تظهر مع أعمال مثل «حارة الصيادين» عام 1979، الذي قُدمت فيه الشخصيات النسائية كرمز للمجتمع، تتحدى القيود التقليدية وتسعى لإثبات نفسها في سياق اجتماعي ضاغط.
وقدم هذا العمل تصوراً متقدماً لدور المرأة، ونماذج تعكس الصراعات والتحديات التي تواجهها في حياتها اليومية.
ثورة درامية
وشهدت فترة الثمانينيات من القرن الماضي ثورة درامية حقيقية في تمثيل المرأة على الشاشة، ففي مصر، قدم مسلسل «ليالي الحلمية» عام 1988 نموذجاً للمرأة القوية التي تتحدى الأدوار التقليدية وتبحث عن استقلالها في سياق اجتماعي يعاني من القيم التقليدية، وتعكس الشخصية الرئيسة في هذا العمل صراع المرأة مع التوقعات المجتمعية والبحث عن تحقيق ذاتها.
وفي الدراما الخليجية، شهدت هذه الفترة تقديم مسلسلات تتناول قضايا المرأة بجرأة، ومنها «خالتي قماشة» عام 1983، الذي قدمت فيه حياة الفهد، صورة المرأة الخليجية التي تسعى لتحقيق طموحاتها، متجاوزةً القيود التقليدية ومواجهةً التحديات الاجتماعية.
أما الدراما الشامية، فقدمت في مسلسل «الأجنحة» عام 1984 شخصية المرأة المثقفة التي تتمرد على القيود، باحثة عن هويتها في عالم يفرض عليها التبعية. وتعكس هذه الشخصيات صراع المرأة السورية مع التقاليد والمجتمع الذي كان يضع حدوداً صارمة لدورها.
تحرر واستقلال
مع دخول التسعينيات من القرن الماضي، تطورت صورة المرأة بشكل غير مسبوق في الدراما العربية.
وفي مصر، قادت ليلى علوي مسلسل «التوأم»، الذي قدم المرأة كشخصية مستقلة، تعيش واقعاً مليئاً بالتحديات، وتواجهه بعقلانية وإرادة حرة.
وفي الخليج، ظهرت المرأة بشكل أكثر تعقيداً ونضجاً، حيث قدمت فاطمة الحوسني في مسلسل «دارت الأيام» شخصية المرأة المتعلمة والمثقفة التي تسعى لفرض نفسها في مجتمع يفرض عليها قيوداً صارمة.
صنع الحكاية
مع الألفية الجديدة، أصبحت المرأة العربية مركز الدراما، وقادت نيللي كريم مسلسل «سجن النسا» الذي قدم شخصية المرأة التي تعاني من قسوة المجتمع، وتحتفظ بصلابة داخلية تجعلها قادرة على مواجهة الظلم.
وفي الخليج، تألقت هدى حسين في مسلسل «أم هارون»، الذي عرض قصة امرأة قوية تتحدى تقاليد مجتمعها التي فُرضت عليها، لتصنع لنفسها مكاناً جديداً وسط التحولات الاجتماعية الكبرى التي تشهدها منطقة الخليج.
وفي الدراما الشامية، عُرض مسلسل «خمسة ونص» قوة المرأة في مواجهة الظلم، حيث قدمت نادين نسيب نجيم دوراً مميزاً يعبر عن معاناة المرأة اللبنانية وسط الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.
انعكاس للواقع
تقول الناقدة الفنية منّة عبيد: «لم تقتصر رحلة المرأة العربية في الدراما على التحول في الأدوار التمثيلية فحسب، بل كانت أيضاً انعكاساً لواقع اجتماعي وثقافي متغير، فقد ارتفعت نسبة الأعمال التي تركز على قضايا النساء بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، مما يعكس تغييراً في التوجهات الثقافية والاجتماعية».
ومن المتوقع أن تستمر المرأة في توسيع دورها في الدراما، حيث تسهم التكنولوجيا الحديثة والبث الرقمي في فتح آفاق جديدة للتعبير عن قضاياها، وقد نرى أعمالاً تتناول موضوعات مثل التمرد الاجتماعي والتغيير الثقافي بطرق مبتكرة، مما يعزز صورة المرأة كقوة فاعلة في تشكيل المجتمع.
تشكيل المفاهيم
شددت الناقدة منّة عبيد على أن دراما المرأة تظل مرآة تعكس واقعاً معقداً، وبفضل تطورها، لم تعد مجرد متفرجة على التغيرات، بل صانعة لها، تسهم في إعادة تشكيل المفاهيم الثقافية والاجتماعية، مؤمنة بأن رحلتها لم تنته، وفي صعود مستمر نحو مستقبل أكثر عدالة.
تحدي القيود
في الدراما الشامية، أبرز مسلسل «أبناء وأمهات» تطور صورة المرأة من خلال تقديم شخصيات نسائية تتحدى القيود، وتبحث عن فرص جديدة في المجتمع.
وتميزت هذه الشخصيات بالقوة والاستقلالية، مما ساعد في تعزيز صورة المرأة الشامية كمحور أساسي في الحكايات الدرامية.