لكبيرة التونسي (أبوظبي)
الذكاء العاطفي يختصر في معانيه عدداً من الصفات الشخصية والمهارات الاجتماعية التي تمكِّن الشخص من تفهم انفعالات الآخرين، ما يجعله أكثر قدرة على ترشيد حياته، ويصبح قادراً على تحديد وإدارة مشاعره ومشاعر من حوله. والتمتع بالذكاء العاطفي له مردود صحي ونفسي، وهو من المفاهيم الحديثة في علم النفس، ويحظى باهتمام الباحثين للكشف عن ماهيته وعلاقته بالعديد من المتغيرات، ما أدى إلى ظهور نظريات تفسره وتكشف عن أبعاده، ومنها القدرة على الاستثمار الأمثل للعواطف الذاتية.
يقول عرفات سيف الشحي، مدير إدارة الإرشاد والاستشارات الأسرية بالوكالة بمؤسسة التنمية الأسرية، إن الذكاء العاطفي هو التعرف على المشاعر الشخصية وإدارتها، وفهم عواطف الآخرين والتفاعل معها بشكل مناسب، كما يعتبر من أهم المهارات النفسية والاجتماعية التي تساعد الأفراد على التفاعل بفعالية مع من حولهم. ويشمل عدة مكونات رئيسة، منها: «الوعي الذاتي»، أي القدرة على التعرف على المشاعر الخاصة وفهم تأثيرها على الأفكار والسلوكيات، ويمكن ذلك الشخص من التعرف على نقاط القوة والضعف العاطفية لديه، مما يعزز قدرته على التعامل مع المواقف المختلفة، «إدارة العواطف»، أي القدرة على تنظيم العواطف والسيطرة عليها، بما في ذلك القدرة على تهدئة النفس في أوقات الضغوط أو التحكم بالغضب، «التعاطف»، أي القدرة على فهم مشاعر الآخرين والتفاعل معها بشكل ملائم، «الدافعية الذاتية»، أي القدرة على تحفيز الذات لتحقيق الأهداف والرغبات لمواجهة التحديات. ويذكر الشحي أن الفرد الذي يتمتع بالذكاء العاطفي، لديه القدرة على إدارة غضبه ليحمي نفسه من مشاكل صحية خطيرة، وينعكس ذلك على أدائه في المدرسة أو العمل، ويساعده على تجاوز التحديات، ويكسبه مهارات التواصل الفعال والقدرة على قيادة وتحفيز الآخرين. ولفت إلى أن تمتع الشخص بالذكاء العاطفي ينعكس على جودة صحته العقلية ويحميه من نوبات القلق والاكتئات والشعور بالوحدة والعزلة.وعن سمات الفرد الذي يتمتع بالذكاء العاطفي، يقول إنه يحترم الآخرين ويقدرهم، ويظهر درجة عالية من المودة في تعاملاته مع الناس، ويتفهم مشاعر الآخرين ودوافعهم، ويستطيع النظر إلى الأمور من وجهات نظرهم، كما يميل إلى الاستقلال في الرأي والحكمة في فهم الأمور. كما يتكيف مع المواقف الاجتماعية الجديدة بسهولة، ويمتلك القدرة على التعامل الإيجابي مع نفسه ومع الآخرين، بما يحقق السعادة له ولمن حوله، كما يواجه المواقف الصعبة بثقة.
مرونة
من جهتها، قالت خبيرة التنمية الذاتية ليلى طارق المعينا: إن الذكاء العاطفي يعزز المرونة والصحة النفسية، ويساعد الأفراد في التعرف على عواطفهم وفهمها، ويتيح لهم هذا الوعي تحديد متى يشعرون بالتوتر أو القلق أو الإرهاق، وهو أمر بالغ الأهمية لإدارة هذه المشاعر بشكل فعال، مؤكدة أن الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي المرتفع يتأقلمون بإيجابية مع الصعوبات، كما يمكنهم اختيار استجابات بناءة، مثل حل المشكلات أو طلب الدعم، بدلاً من اللجوء إلى سلوكيات غير صحية. كما يتميزون بالقدرة على التكيف، من خلال تمكين الأفراد من تعديل أفكارهم وأفعالهم استجابة للظروف المتغيرة، بحيث تعتبر المرونة ضرورية للتغلب على التحديات وإيجاد حلول جديدة، وبناء روابط اجتماعية قوية، مما قد يسهل التعامل مع التوتر والتعافي من النكسات. كما يشجع الذكاء العاطفي العالي على بناء عقلية مرنة، حيث ينظر من يتمتعون به إلى التحديات باعتبارها فرصاً للتعلم والتطور، ويساعدهم هذا المنظور على التفكير في تجاربهم والتعلم من الإخفاقات، والبقاء هادئين أثناء المواقف الصعبة، مما يسمح لهم بالتعامل مع التحديات بعقل صافٍ.
رفاهية وسعادة
تعتبر الدكتورة نادية الخالدي، اختصاصية إرشاد أسري وصحة نفسية، أن الذكاء العاطفي يشمل مهارات التعاطف، وإدارة العلاقات، وإدارة الضغوط، والتحكم في الانفعالات بشكل أفضل. وترى أنه يساعد في تحسين العلاقات الشخصية والمهنية، ويُعتبر عاملاً مهماً في اتخاذ قرارات فعالة يمكن أن تؤدي إلى زيادة في الرفاهية النفسية والسعادة. وتوضح أن الذكاء العاطفي يمكن تطويره، عبر ممارسة الوعي الذاتي، من خلال التأمل أو كتابة اليوميات أو تحسين مهارات الاستماع، عبر التركيز على مشاعر الآخرين والتعاطف معهم، وتنظيم العواطف ومواجهة التحديات الاجتماعية لتعزيز مهارات التواصل. وكذلك عبر المشاركة في ورش عمل أو دورات تدريبية متخصصة، وعبر قراءة الكتب والمقالات حول تطوير الذكاء العاطفي، واستخدام تقنيات التأمل واليقظة لزيادة القدرة على تحمل الضغوط، وممارسة التعلم من الأخطاء والتجارب السابقة.
وتذكر الخالدي أن الذكاء العاطفي يؤثر بشكل كبير في حياة الأفراد عبر تعزيز الاتصال الفعّال مع الآخرين، وتحسين القدرة على إدارة الضغوط والتوتر، وتعزيز التعاطف وفهم مشاعر الآخرين، واتخاذ قرارات أفضل من خلال التقييم العاطفي، وتحسين العلاقات الشخصية والاجتماعية، وزيادة القدرة على العمل ضمن فريق، وتعزيز المرونة في مواجهة التحديات، وتحسين الصحة النفسية والرفاهية العامة.
ضروري للأطفال
أكدت الدكتورة نادية الخالدي أن الذكاء العاطفي يمكن اكتسابه وتعلّمه منذ الصغر، وشددت على ضرورة تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم وفهمها، وتعزيز مهارات الاستماع من خلال المحادثات اليومية، وتعليمهم كيفية التعاطف مع مشاعر الآخرين، واستخدام الألعاب والأنشطة لتنمية التفكير العاطفي، وتوفير بيئة آمنة تعزز من التفكير النقدي وطرح الأسئلة. وتحدثت عن أهمية مشاركة قصص تمثل مختلف الحالات العاطفية، وتقديم نماذج إيجابية للسلوك العاطفي من خلال القدوة، وتعليم تقنيات إدارة الضغوط والتعامل مع الإحباطات، وتشجيع العمل الجماعي وتعزيز العلاقات الاجتماعية الصحية وتقييم وتوجيه سلوكيات الأطفال بشكل إيجابي مع احترام مشاعرهم.