خولة علي (دبي)
تعتبر السبحات من الأدوات التي تحمل في طياتها عمقاً روحانياً وثقافياً وتلامس جوانب أخرى من التراث والفن، مما يجعلها قطعة فريدة تحمل دلالات متعددة. وهي جزء من التراث الذي تتناقله الأجيال، ويعكس عراقة الحضارة الإسلامية التي ازدهرت فيها الحرف اليدوية. وما زال الحرفيون يبدعون في تشكيلها، ومنهم الحرفي الإماراتي عبدالعزيز أحمد المرزوقي الشغوف بجمع السبحات ذات القطع القيمة والنادرة، وبالبحث في تفاصيل صناعتها وتشكيلها، حيث احترف صناعتها وأبدع في تنفيذها.
مهارة عالية
ويوضح المرزوقي أن هذه الحرفة تتطلب مهارة يدوية عالية ودقة متناهية في العمل، فحرفي السبحات يتعامل مع خرزات صغيرة ويقوم بتشكيلها وتنسيقها بمهارة. وهذه الدقة تتطلب سنوات من التدريب والممارسة والصبر، حتى تخرج القطعة من بين يديه بشكل فني بديع، بحيث تكون كل خرزة متناسقة ومتوازنة بشكل مثالي مع الأخرى، مما يعكس جودة العمل النهائي.
تاريخ وأصالة
يشير المرزوقي إلى أن تشكيل السبحات من الحرف التي تعود إلى عصور سابقة، فكان المصريون من أوائل من طوروا صناعتها، وبعدهم الأتراك خلال فترة الدولة العثمانية. فكانت السبحات تُصنع عادةً من 33 أو 99 خرزة، وذلك لاستخدامها في التسبيح. أما بالنسبة لقيمتها، فهي تعكس أهمية المواد المستخدمة ودقة الصناعة، مما جعلها تحظى بمكانة مميزة على مر العصور، وكانت تُصنع في البداية من الخشب والحجارة وبذور التمر.
شغف وتعلق
وعن بدايته في حرفة تشكيل السبحات يقول: الشغف والتعلق بأي قطعة قيمة أو تحفة، يجعل المرء ينغمس في تفاصيلها ويبحث في صناعتها، فبعدما كنت أجمع السبحات المتميزة في تشكيلها وزخرفتها، والقيمة في خاماتها ومكوناتها، بدأت أبحث عن كيفية تنفيذها بدءاً من تشكيل حبات الخرز حتى تنظيمها في خيوط حريرية قوية. ثم سنحت لي الفرصة لتعلم هذه الحرفة على يد صديقي، وطورتها بحضور الدورات والورش والممارسة المستمرة على استخدام الأدوات وأجهزة القطع والتشكيل، بالإضافة إلى متابعة الحرفيين على قنوات التواصل الاجتماعي والتعرف على خبراتهم.
خامات متنوعة
وعن الخامات المستخدمة في صناعة السبحات يوضح المرزوقي قائلاً: بدأت صناعة السبحات باستخدام مواد بسيطة مثل الأخشاب والحجارة ونواة التمر. ومع مرور الزمن، شهدت هذه الصناعة تطوراً ملحوظاً، حيث أصبحت تصنع من مواد وأحجار نادرة، منها الطبيعية مثل حجر الكهرمان وهو من أقدم وأشهر المواد المستخدمة في صناعة السبحات، بالإضافة إلى العاج بمختلف أنواعه مثل عاج الماموث والفيل والفقمة، وأيضاً الأخشاب النادرة التي تستخرج من أنواع معينة من الأشجار وتتميز بجودتها العالية وجمالها. ويستخدم أيضاً مرجان البحر الذي يتمتع بلونه الفريد وأصالته، ولا يمكن أن نهمل حجر اللؤلؤ الذي يضفي لمسة من الفخامة والتميز على السبحات.
أصالة وحداثة
يلفت عبد العزيز المرزوقي إلى استخدام مجموعة متنوعة من المواد التي أعيد تدويرها، كالمقتنيات المصنوعة من خامات الباكلايت والمستكة وأحجار الدومينو ومقابض السكاكين والتماثيل وكرات البلياردو والسنوكر والبولينج التي تتميز بمتانتها وجودتها، مما يجعلها مواد مثالية لصناعة سبحات فريدة، بالإضافة إلى مقابض الأبواب القديمة والأباجورات التي تُضفي عليها طابعاً تقليدياً مميزاً. ويؤكد المرزوقي أن هذه المواد، سواء الطبيعية أو الصناعية، تضفي على السبحات قيمة فنية وتاريخية مميزة، حيث تجمع بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر، مما يجعلها قطعاً فريدة من نوعها. ويحرص المرزوقي على نشر هذه الحرفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعرض تجربته ومهارته فيها، وأشاد بالإقبال الكبير من جانب الشباب على اقتناء السبحات الجميلة والنادرة، ومنهم من احترف صناعتها. وهذه خطوة مثالية، حيث يعي الشباب أهمية العمل اليدوي ويساهمون في الصناعة والابتكار.