لمياء الصديق (أبوظبي)

الشعاب المرجانية لوحات بديعة تدعم التنوع البيولوجي في أعماق البحار والمحيطات، وتعتبر موئلاً طبيعياً لأنواع نادرة من الأسماك والكائنات البحرية، مع دورها المهم في حماية الشواطئ من التآكل. 

تغطي الشعاب المرجانية مساحة لا تتجاوز0.1% من البحار والمحيطات، وبالرغم من ذلك، تعتمد قرابة 25% من الكائنات البحرية في حياتها على هذه الشعاب في مرحلة ما من مراحل حياتها، وبالتالي فهي تعتبر بيئة تنبض بالحياة وتزخر بالضجيج والصخب والتنوعات الصوتية.

اقرأ أيضاً.. الشعب المرجانية.. ومستوى الخطر الثالث 

 توجد أنواع مختلفة من الشعاب المرجانية في جميع محيطات العالم، من المناطق الاستوائية إلى المناطق القطبية. وتعد الأنشطة البشرية، مثل التنمية الساحلية، والتجريف، وتصريف مياه الصرف، والترسبات، والتلوث، وأضرار مراسي القوارب والسفن، والطمر، وأدوات الصيد المهملة أو المفقودة من أبرز مصادر التهديد الرئيسية للشعاب المرجانية.

أصوات الشعاب:

قد يتساءل البعض بشأن مغزي أصوات القرقعة والفرقعة والاحتكاكات والتغريدات التي تدوي على مدار الساعة من داخل الشعاب المرجانية، ولكن علماء السمعيات البحرية يؤكدون أن هذه الاصوات تعكس طبيعة الحياة ومدى ازدهارها داخل الشعاب، وقد تساعد هذه الأصوات أنواع الأسماك المختلفة في التعرف على البيئة المحيطة بها، مثل يرقات الأسماك الصغيرة التي تخرج للحياة في المياه المفتوحة بالمحيطات والبحار ثم تتلمس طريقها عبر أصوات الشعاب حتى تصل إليها باعتبارها بيئتها الطبيعية التي تعيش فيها عبر دورات حياتها المختلفة.

وتقول الباحثة إيسلا كيسي دافيدسون المتخصصة في مجال السمعيات الإحيائية البحرية بجامعة كورنيل الأميركية وفق وسائل إعلامية، إن الدراسات الحديثة أثبتت أن الشعاب المرجانية نفسها تعتمد على الأصوات لتحديد أفضل الأماكن الصالحة لنموها، وتوضح أن الشعاب تنمو على مدار آلاف السنين وقد يصل عمرها إلى خمسة آلاف سنة، وهي تنمو في العادة بشكل تراكمي فوق بعضها، وهي بالتالي تعتمد على الأصوات لتحديد المساحات الخالية التي تتيح لها أن تواصل النمو بشكل مستمر، أو معرفة البيئة الأنسب لتواجدها من منطلق وجود شعب أخرى تعيش في المنطقة نفسها، ومن ثم فهي تستغل هذه الأصوات لتعديل سلوكياتها الحركية بشكل مستمر.

 ومثلما يعتمد البشر وفصائل الحيوان على الأصوات كوسيلة للتواصل والتعرف على البيئة المحيطة، يحدث الأمر ذاته في أعماق البحار، ولكن الاختلاف يكمن في أن الكائنات البحرية تعتمد على أنواع وأنماط مختلفة من الإشارات الصوتية كما تستخدم وحدات استشعار وتَعرّف مختلفة لرصد هذه الأصوات وتفسيرها، لاسيما وأن الأصوات تكون أسرع بواقع خمس مرات في أعماق البحار مقارنة بسرعة انتقالها في الهواء.

الاستماع إلى أصوات البحار:

هناك حالياً مشروع بحثي عالمي يشارك فيه المئات من علماء السمعيات الإحيائية من مختلف أنحاء العالم بمناسبة اليوم العالمي للمحيطات، وهو "مشروع مراقبة السمعيات السلبية في المحيطات" ويعرف اختصارا باسم WOPAM، ويهدف باختصار إلى الاستماع إلى أصوات البحار، والربط بين هذه الأصوات وبعضها، وسبر أغوارها مما يساعد في تفسير أنماط حياة الكائنات البحرية التي تعيش داخل الشعاب المرجانية. المشروع يحاول الوصول إلى نظرة عالمية شاملة والرد على تساؤلات علمية من خلال الاستماع إلى هذه التسجيلات الصوتية.

من الضروري أن نفهم أن أصوات الكائنات البحرية تختلف من مكان لآخر في الأعماق، كما لو كانت لها لغات أو لهجات مختلفة تعتمد عليها للتواصل فيما بينها، كما يحرص الباحثون المشاركون أيضا على تمييز الأصوات الناجمة عن مصادر بشرية والفصل بينها وبين الأصوات التي تصدر من مكونات البيئات البحرية الطبيعية.

شاهد.. أبوظبي تستزرع نوعاً مهدداً بالانقراض من الشعاب المرجانية

في إطار المشروع يتم التباحث بشأن كيفية الاستماع إلى أصوات الشعاب المرجانية، حيث أن البعض يفضلون الاستماع إلى هذه الأصوات في سياق موسيقي من أجل الانغماس معها وتحقيق شكل التفاعل المطلوب.

 وسيتم إشراك عدد من الموسيقيين من بينهم موسيقي مرموق من كولومبيا يدعى أليخاندرو بيرنال، استمع إلى جميع الأصوات التي تم تسجيلها من الشعاب المرجانية وصنع منها سيمفونية صوتية أصلية كنوع من المشاركة أو الانخراط في هذه المبادرة التي تخدم جهود الحفاظ على البيئة البحرية من خلال رصد أي تغيرات صوتية تطرأ على البيئات البحرية المختلفة.

 كل بقعة بحرية تتميز ببصمة صوتية تختلف عن غيرها، فضلا عن كونها في تغير وتحول دائم ومستمر، ويعود هذا الاختلاف إلى طبيعة الكائنات البحرية التي تعيش أو التي تختفي من بقعة معينة في الشعاب المرجانية.

مبادرات استباقية:
اتخذت دولة الإمارات خطوات رائدة لحماية الشعاب المرجانية من التهديد والاندثار، من خلال تبني مبادرات وبرامج أسهمت في زيادة مساحاتها وعملت على صونها وحمايتها للأجيال القادمة، عن طريق مشاريع استزراع الشعاب المرجانية التي تسهم في ازدهار الحياة البحرية والثروة السمكية، وإعادة التوازن للبيئة البحرية، وتوفير بيئة بحرية مستدامة. ويعتبر مشروع استزراع الشعاب المرجانية أحد أبرز المشاريع التي تنفذها هيئة البيئة في أبوظبي في إطار خطة أبوظبي الأولى نحو تحقيق أهداف المئوية البيئية 2071، حيث يأتي مشروع استزراع الشعاب المرجانية، ضمن مسار «إمارة حيوية مزدهرة بالطبيعة».
حقائق ومعلومات:

تنمو الشعاب المرجانية بأشكال مختلفة حسب نوعها.

يشبه بعضها الأشجار والمخ وأقراص العسل.

على عكس النباتات، لا يصنع المرجان طعامه.

الشعاب المرجانية هي في الحقيقة حيوانات وليست نباتات.

تأكل عادة في الليل وتتشارك الطعام مع الآخرين. تترتبط بطونها ببعضها البعض! 


  •  ابيضاض المرجان:

عندما تبدأ الشعاب المرجانية في الاضمحلال بفعل عوامل بيئية أو بشرية، وهو ما يعرف باسم ظاهرة "الابيضاض"، تخفت الأصوات التي تنبعث منها تدريجيا بفضل انحسار أشكال الحياة البحرية ، وتصبح أصواتها تبدو كما لو كانت عليلة أو مريضة.

اقرأ أيضاً.. تأهيل الشعاب المرجانية

حذرت وكالة حكومية أميركية من أن الموجة الضخمة من ابيضاض المرجان في العالم والناجمة عن درجات حرارة المحيطات القياسية، مستمرة في التوسع والتفاقم.
وقد تمّ تأكيد هذه الظاهرة التي تهدّد الشعاب المرجانية، في 62 دولة وإقليماً، في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي.
 إن فهم مدى تأثير موجة الابيضاض على الشعاب المرجانية سيستغرق وقتا. ففي منطقة البحر الكاريبي مثلا، قد تنفق الشعاب المرجانية التي تنجو من الحرّ خلال عام أو عامين "بسبب الأمراض أو تكاثر الكائنات المفترسة".
مشتل عائم للشعاب المرجانية: 

تسعى جزيرة قبرص إلى إعادة تأهيل الشعاب المرجانية في مياهها من خلال إقامة مشتل عائم لها، في مبادرة  فريدة في البحر الأبيض المتوسط، تهدف إلى التعويض عن الأثر السلبي للاحترار المناخي والحركة السياحية المفرطة على هذه الشعاب.

 

"مايا"قلعة الشعاب المرجانية البديعة: يواجه شاطئ خليج مايا، قلعة الشعاب المرجانية البديعة، في تايلاند، تهديداً كبيراً بسبب التغيرات المناخية، التي ساهمت في تضرّر شعابه المرجانية بنسبة وصلت إلى 70%، لذلك تم إدراج الخليج في قائمة الأماكن المهددة بالاختفاء تأثراً بارتفاع درجة حرارة الأرض.

 الحاجز المرجاني العظيم:

 ارتفعت درجات حرارة المياه في الحاجز المرجاني العظيم ومحيطه في أستراليا إلى أعلى مستوياتها منذ 400 عام على مدار العقد الماضي مما يعرض أكبر شعاب مرجانية في العالم للخطر، وفقاً لبحث منشور.

يمتد الحاجز المرجاني، أكبر نظام بيئي حي في العالم، لمسافة 2400 كيلومتر قبالة ساحل ولاية كوينزلاند في شمال أستراليا.

ومنذ عام 2016، شهد الحاجز المرجاني العظيم تبييضا هائلا للشعب المرجانية خلال خمسة فصول صيف، وهو عملية تحول أجزاء كبيرة من الشعاب المرجانية إلى اللون الأبيض بسبب الإجهاد الحراري مما يعرضها لخطر أكبر للموت.

وكان 2023 العام الأكثر حرّاً على الإطلاق، في نتيجة مدفوعة بالتغير المناخي الذي تفاقم بسبب ظاهرة "إل نينيو" الدورية.

 الشعاب المرجانية من أغنى النظم البيئية في العالم، وتعتبر البيئات الحيوية للعديد من الأنواع ضامنة للتنوع البيولوجي ولكنها تتأثر بدرجة كبيرة بالتغيرات البيئية.وحماية شبكات الشعاب المرجانية المتنوعة، تساعد في ضمان أكبر فرصة للتنوع الجيني.

الشعاب المرجانية ليست مجرد معالم طبيعية جميلة، بل هي أجزاء أساسية من النظام البيئي البحري الذي يعتمد عليه الكثيرون حول العالم. الحفاظ عليها ليس مجرد خيار، بل ضرورة للحفاظ على التوازن البيئي وصحة المحيطات.