أبوظبي (الاتحاد) 
أكد معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، أهمية صون التراث الثقافي في مجتمع الإمارات، وقال: «تحقيقاً لرسالتنا الرامية إلى صون تراثنا الثقافي الأصيل، تواصل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، ضمن مبادرة التراث الحديث، مسح البيئة العمرانية في الإمارة لتحديد مواقع التراث الحديث الأخرى التي سيتم تسجيلها رسمياً لحمايتها والحفاظ عليها».
مسؤولية مشتركة
وذكر المبارك أن صون تراثنا الحديث هو مسؤولية مشتركة علينا جميعاً، لما يحمله من قيمة في ذاكرتنا الجماعية ولما له من أهمية في ترسيخ الهوية الثقافية لمجتمعنا، فهو شهادة تاريخية تحكي قصة أبوظبي، وهو صورة لإرثها المعماري. وأضاف: «إن أبوظبي تشهد نهضة كبيرة في مختلف المجالات، وتمضي في مسيرة الحداثة والتطوير عبر احتضان الأفكار المبدعة والمشاريع الطموحة، من مبنى مطار زايد الدولي الجديد إلى جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، أول جامعة بحثية على مستوى العالم للدراسات العليا في مجال الذكاء الاصطناعي، ومن العملات الرقمية إلى استكشاف الفضاء».

إرث الأجداد
وأورد المبارك أنه مع خطواتها السريعة نحو تحقيق أهدافها، حافظت أبوظبي على ملامح هويتها الثقافية، مستلهمةً من تراثها القديم والحديث رؤيتها للمستقبل، وهو ما يؤكده التزام دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي بصون مقومات تراثنا الثقافي. وقال: «تواصل الإمارة مبادراتها للاحتفاء بإرث الآباء والأجداد، ومن بينها مبادرة دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي للحفاظ على التراث الحديث، والتي تكتسب زخماً متزايداً بالتزامن مع احتفالنا بيوم التراث العالمي، حيث تشكل هذه المناسبة فرصة للتأمل فيما تحمله المعالم والمواقع الثقافية والتاريخية في الإمارات من معان تجسد ثراء ثقافتنا وحضارتنا. ونضيف إلى ذلك مواقع التراث الحديث التي لا تقل أهمية عن الصروح الأثرية، فهي مرآة حية تسرد قصة مجتمعنا، وتعكس تنوّعنا الثقافي».
الذاكرة الجماعية
وأكد المبارك أن اهتمام أبوظبي ودولة الإمارات بصفة عامة، بالتراث الحديث ليس توجهاً جديداً بل يعود إلى أوائل عام 2010. وفي هذا الإطار، أعلنت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي في عام 2011 مبادرتها للحفاظ على التراث الحديث لصون الذاكرة الجماعية للمجتمع، وحمايتها للأجيال الحالية والقادمة من خلال وضع مبادئ توجيهية واستراتيجيات فعالة لحفظها.
وقال: «انطلقت مبادرات الدولة في هذا المجال إلى آفاق عالمية أوسع، مع تقديم الجناح الوطني لدولة الإمارات في المعرض الدولي للعمارة في بينالي البندقية 2014 سرداً تفصيلياً لمسيرة تطور فن العمارة والتنمية الحضرية في الدولة خلال القرن الماضي، مع التركيز على بدايات تطور الفنون المعمارية العامة والسكنية الحديثة خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي». وأضاف: «استمر الجناح الوطني لدولة الإمارات في المعرض الدولي للعمارة في بينالي البندقية 2016 في استكشاف (تحولات: البيت الوطني الإماراتي) عبر وصف التحولات التي مرت بها البيوت الشعبية الإماراتية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وفي العام نفسه، أقرّ قانون التراث الثقافي في أبوظبي حماية كلّ التراث المادي وغير المادي، بغض النظر عن عمره».

النسيج الثقافي 
ولفت المبارك إلى أنه بعد سنوات من الدراسات والأبحاث، أعلنت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي في عام 2023 تسجيل عدد كبير من مواقع التراث الحديث ذات الأولوية في مختلف أنحاء الإمارة، وفقاً لقانون أبوظبي للتراث الثقافي، حيث ستُمنح الأولوية لصيانة هذه المواقع والمباني وإعادة تأهيلها، ولن يُسمح بأي طلبات لهدمها. وشدد على أن التراث الحديث هو جزء أصيل من النسيج الثقافي لإمارة أبوظبي، يروي مراحل تطورها، ويُعرّف بتراثها العريق وإرثها الغني، وهو أيضاً أحد رموز هويتنا الثقافية، وما نمثله، وما نسعى إلى تحقيقه، وإرثنا المستدام الذي نحافظ عليه.وأشار المبارك إلى كلمات المهندس ياسر الششتاوي، أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة كولومبيا، الذي يرى أن مبادرة التراث الحديث تُميز أبوظبي عن المدن الأخرى في المنطقة، واعتبر أن أبوظبي تمثل نموذجاً للتنمية المستدامة والمدروسة والنمو الحضري الذي لا يسعى إلى اكتساب أهمية من خلال الهندسة المعمارية الرائعة فحسب، بل يهدف أيضاً إلى الحفاظ على الماضي لخدمة الحاضر.
المبنى المستدام
وقال المبارك: «إن صون التراث الحديث يسهم في تحقيق أهداف الاستدامة في أبوظبي من خلال تقليل البصمة الكربونية الناتجة عن عمليات الهدم وإعادة التطوير. فالمبنى المستدام هو القائم بالفعل، حيث أظهرت الأبحاث أن تعويض انبعاثات الكربون الناجمة عن استبدال مبنى قائم بآخر جديد يستغرق من 10 إلى 80 عاماً. كما أن الحفاظ على التراث الحديث يدعم التنويع الاقتصادي عن طريق تحفيز الاستثمارات العقارية البديلة في إعادة استخدام البيئة المبنية الحالية».
المواقع المسجلة 
ذكر معالي محمد خليفة المبارك أن المواقع المسجلة ضمن مبادرة الحفاظ على التراث الحديث تضم أنواعاً مختلفة من المباني تشمل مستشفى ومسرحاً ومدرسة ومساجد وحدائق وفنادق وأسواقاً، إلى جانب قصر المنهل، أول قصر رئاسي تم تشييده لهذا الغرض، والذي شهد رفع علم الدولة بعد انضمامها إلى الأمم المتحدة في عام 1971. وأورد أن من المواقع المميزة ضمن القائمة، مبنى سعيد الكليلي الحائز جوائز، والذي يُعتبر أحد روائع الهندسة المعمارية في العاصمة، وقد صمّمه المهندس المعماري المصري الدكتور فاروق الجوهري.
وأوضح أن هذه المواقع تراعي الجوانب الوظيفية التي تخدم متطلبات الحياة اليومية في العاصمة، مثل محطة الحافلات الرئيسة وموقف سيارات الأجرة وخزان مياه الخالدية. وتنتشر مواقع التراث الحديث في مختلف أنحاء الإمارة، من سوق الخضراوات والأسماك وسوق الذهب القديم في العين، إلى خزان مياه الحبارى في جزيرة صير بني ياس والمبنى السابق لبلدية منطقة الظفرة.