تامر عبد الحميد (أبوظبي)
تشكّل فنون الأداء التقليدية المحلية، جزءاً من ثقافة وتاريخ الإمارات، وتتخذ الفرق الشعبية من المهرجانات الثقافية والتراثية والفنية، منصة لاستعراض هذه الفنون بين الفلكلور والأهازيج التراثية والموروثات القديمة التي تتمثل في الأداء الشعبي الرصين، وتضيء على جزء من ملامح الثقافة الإماراتية بهدف الحفاظ على موروث الأجداد ونقله إلى الأجيال ضمن مشهدية حيّة تنمي الفخر والاعتزاز بالجذور العميقة، وتحفظ الموروث وتؤكد قيمته وأهميته لدى الأجيال، وتأثيره على الحياة المعاصرة. «العيالة» و«العازي» يُعتبران من أبرز فنون الأداء التقليدية الإماراتية الأصيلة، التي تمثل تراث الآباء والأجداد، وتحضر بصفة مستمرة في المحافل الوطنية والمهرجانات الثقافية والمناسبات الخاصة.
استدامة الموروث
مبارك العتيبة، عضو جمعية أبوظبي للفنون الشعبية، ورئيس فرقة «عيالة جمعية أبوظبي»، يتحدث عن فن «العيالة» وأهمية نقل هذا الموروث إلى الأجيال، قائلاً: «العيالة» من الفنون الإماراتية الأصيلة الحاضرة في الاحتفالات الرسمية الوطنية والخاصة، وتنقسم إلى نوعين «برية» و«ساحلية»، ويأتي الفارق بينهما في إيقاعات الطبول والشلّات والرزيف، ودائماً نتخذ من مهرجانات الدولة والمنصات الثقافية والفنية منبراً للتعبير عن التراث.
ملحمة
فن «العيالة»، الذي أُدرِج عام 2014 ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في «اليونسكو»، هو ملحمة حرب كاملة، بحسب ما أكده العتيبة. وقال: يواجه المؤدون بعضهم في صفَّين متقابلين، يؤدون فن «العيالة» في لوحة أدائية رمزية تحاكي مشهد معركة، حاملين عِصِي الخيزران الرفيعة التي ترمز إلى الرماح والسيوف، ويتناوب أفراد كل صف متلاصقين، جنباً إلى جنب، الحركات المتناغمة برؤوسهم وأكتافهم وأذرعهم الممتدة وعِصِيهم. ويتم استخدام عدد من الآلات التي ترمز إلى الملحمة الحربية، فـ «التخامير» وهي نوع من أنواع الطبول تعني إيقاع الحرب، والراس يمثل قائد المعركة، وأصوات الساجات ترمز إلى السيوف، والدفوف تمثل حركة الخيول في المعركة، وذلك لتجسيد معاني القوة والفروسية والتلاحم.
«اليوّيلة»
وأكد أن «العيالة» من أكثر العروض الفنية انتشاراً في الدولة، فهي أداء فني ثقافي تقليدي معبّر يجمع الرجال والصبية الذين يحملون عِصِي الخيزران الرفيعة، ويتحركون بانسجام على إيقاع منتظم رصين صادر من الطبول. وتتضمن عروض العيالة فقرات لفنون الاستعراض الشعبي والشعر والطبول، ويتحرك ضمن العرض مجموعة من الرجال يُطلق عليهم «اليوّيلة»، في دائرة واسعة وبخطى متناغمة على إيقاعات الطبول.
صون التراث
أكد مبارك العتيبة، أن مهرجانات الإمارات، وأبرزها «مهرجان الحصن» تتميز بدعم الفرق الشعبية والتراثية، وصون فنون الأداء التقليدية، بتقديم العروض الحية والاستعراضات التراثية، ليتعرف الآخر على الفنون والعادات والتقاليد الإماراتية، ضمن برامج المهرجان وفعالياته اليومية الداعمة للفنون الأصيلة.
إرث ثقافي
لفت مبارك العتيبة، إلى أن فن «العيالة» يعكس الإرث الثقافي الثري لدولة الإمارات، وروح المروءة والشهامة التي تتميز بها حياة البادية، كما تعزز إعلاء قيم الكرامة، منوهاً إلى أن هذا الفن أصبح رمزاً لهوية الدولة ووحدتها، لأنه يجسد التراث والقيم الأصيلة للثقافة المحلية.
«العازي»
«العازي»، الذي أُدرِج عام 2017 ضمن قائمة «اليونسكو» للتراث الثقافي غير المادي، يتميز شعره بالصوت الجهوري القوي للشاعر الذي يصدح بأبيات الشعر ويرددها جواباً فريق منشدين يحملون بنادق رمزية متكاتفين في صفوف خلف الشاعر الذي يحمل بدوره سيفاً. وتنقل طريقة إلقاء شعر «العازي» بأسلوب النداء من الشاعر والجواب من المنشدين شعوراً عاماً بالتكاتف والتضامن، بينما تؤكد الأسلحة الرمزية التي يحملونها على معاني الشجاعة.
إحياء الفنون
مصبح خلفان، مدير فرقة «شباب العين»، شدد على أهمية إعادة إحياء فنون الأداء التقليدية. وقال: تحض عروض أداء فن «العازي» على التلاحم وتعزز الأواصر المجتمعية، وهو من الوسائل المهمة لنقل التقاليد والمعارف في فن التأقلم مع البيئة والطبيعة المحيطة.
وأضاف: بين الأهازيج التراثية، وإيقاعات الفنون التقليدية، بمصاحبة آلات موسيقية متنوعة، تعمل الفرقة على تأدية لوحتين على إيقاع «العيالة البرية» و«العازي»، باستخدام آلات الكاسر والرحماني والسماع والساجات.
فن جماعي
لفت خلفان إلى أن «العيالة» فن جماعي يمزج بين القرع على الطبول والدفوف والطويسات، ويبدأ الاستعراض الذي يظهر معاني القوة والفروسية المستمدة من حياة البداوة والصحراء، حينما يعطي قائد الفرقة إشارة البدء، وفي هذه اللحظة يضرب القارعون بشدة على طبولهم، ويبدأ الصفان بتأدية حركة إيمائية بالعصا وتستمر لفترة طويلة، وأثناء الاستعراض يتحرك حملة الطبول باتجاه الصف المواجه بينما يتحرك المؤدون في الاتجاه المعاكس. أما «العازي» وهو الشاعر الذي يمتاز بجمال الصوت، فيلقي قصائد فخر وحماسة وأشعار وطنية وأغنيات تراثية وشعبية، ويرددها المؤدون بجمل شعرية معروفة بأنغام مختلفة.
احتفاء بالتراث
أشاد مصبح خلفان بالدور الكبير الذي تلعبه مهرجانات الإمارات، في الحفاظ على الموروث، وصون الفنون الشعبية القديمة، وإعادة إحيائها من خلال مشاركة الفرق الشعبية التي تستعرض هذه الفنون الأصيلة احتفاءً بالتراث، وصون فنون الأداء التقليدية، وإظهار العادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة.