خولة علي (دبي)
سعيد الظهوري أحد الشباب الحرفيين الذين تشبثوا بمهنة الآباء والأجداد الخاصة بصناعة «الجرز»، والذين صانوها من الاندثار، اختار السير على نهج الأولين بنقل الموروث، واستعراض مهاراته في ممارسة حرفته التي ارتبطت بحياة أهل الجبال، وذلك في المعارض والمهرجانات حتى أتقنها وأبدع فيها. البيئة التي نشأ وترعرع فيها سعيد جعلته يتشرب القوة والصبر والتحدي في تطويع وتشكيل وصناعة المكونات والأدوات المتاحة، التي تمثل جزءاً من منظومة حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وتعينهم على ممارسة نشاطهم اليومي، في بيئة جبلية وعرة وما يصادفهم فيها من أخطار. ومن هنا أجاد صناعة «الجرز»، وهي عصا خشبية برأس فأس صغيرة، تلازم الرجال في أعمالهم اليومية، ولها دلالات رمزية ترتبط بتاريخهم وتراثهم.
إرث مستدام
قال سعيد الظهوري: تقع على الحرفي مسؤولية كبيرة في حفظ ونقل حرفته وغرسها في نفوس وأذهان الأجيال، حفاظاً على استدامتها واستمراريتها، مثلما فعلنا نحن عندما ورثنا هذه الحرفة من آبائنا واستطعنا أن نحفظها من الزوال. ونحن كحرفيين نواجه الكثير من التحديات في خضم الصناعات الحديثة المتنوعة التي تجتاح الأسواق، وساهمت بشكل أو بآخر في سحب البساط من الصناعات المحلية، التي نحاول أن نحافظ عليها من خلال المشاريع البسيطة والحضور الدائم في المعارض والمهرجانات التراثية وسط ورش حية تعرّف الزوار على مراحل العمل وما يحتاجه من قوة وجهد وصبر.
رفيقة سكان الجبال
أوضح سعيد الظهوري أن صناعة «الجرز» من الحرف التي اشتهر بها سكان الجبال، وما زالت لها قيمتها ومكانتها التراثية، باعتبارها جزءاً من تقاليدهم وهويتهم، حيث اعتاد الرجل من سكان الجبال ألا يخرج من بيته من دون عصاه التي تلازمه خلال تحركاته وعمله اليومي. وبالإضافة إلى كونه يتكئ عليها أثناء سيره بين الصخور ليبعد عن طريقه كل ما قد يعرقل خطواته ووجهته، فهو يستعين بها في حمل أمتعته والأغراض على كتفه، كما يستخدمها في جني الثمار وكل ما لا يستطيع أن يطاله بيده، وتعينه أيضاً على مواجهة بعض الحيوانات الجبلية المفترسة، من خلال رأسها الصغير في المقدمة، والذي يشبه الفأس، فيكون وقعها مؤلماً على الطرف الآخر، وهي على بساطتها خير رفيق للرجل أينما حلّ.
مراحل الصناعة
أشار سعيد إلى أنه قبل البدء بصناعة «الجرز»، لا بد من تجهيز الخامات وأهمها الأخشاب المستخدمة التي يتم الحصول عليها من الأشجار القوية التي تنتشر في البيئة الجبلية، وبعد قطعها وتجفيفها وإزالة اللحاء الخارجي عنها يتم تخزينها في مكان دافئ لمدة تتراوح بين 6 أشهر وسنة كاملة، وهذه القطعة الخشبية عادة ما يصل طولها إلى متر، ثم يتم صناعة القطعة الحديدية، وهي رأس معدني من الفولاذ أو النحاس أو الحديد. وما يزيد من قيمتها الزخارف والنقوش التي تزينها، إلى جانب حلقتين من الفضة التي عادة ما يتم تثبيتها في أعلى العصا وأسفلها، وما يجعلها قطعة مهمة أنها من مقتنيات الرجال الثمينة التي يفتخرون بها، وباستخدامها في حياتهم اليومية.