لكبيرة التونسي (أبوظبي)
تمتلك فاطمة محمد سعيد، خريجة جامعة أبوظبي، هندسة معمارية، شغفاً كبيراً بالحرف التراثية الأصيلة، ومن هذا المنطلق حرصت على تعلُّم صناعة الدخون والعطور، لرغبتها في الحفاظ عليها ونقلها للأجيال، من دون المساس بروح الحرفة التقليدية.
فاطمة ضيفة دائمة على المهرجانات والمعارض، من أجل تعلم الصناعات التقليدية والتقاط صور ومقاطع فيديو لتوثيق هذا الموروث الأصيل، من أجل الحفاظ عليه واستدامته، لاسيما بعدما وجدت ترحيباً كبيراً من جانب الحرفية خديجة صالح عبيد الطنيجي، التي لا تدخر جهداً في نقل الموروث وتعليمه لبناتها وحفيداتها وبنات الجيل. وذكرت فاطمة أن الحرفية خديجة الطنيجي ساعدتها في تعلم الكثير من الحرف التراثية، ومنها العطور والدخون.
أسرار الحرفة
وترى فاطمة أن مختلف فئات المجتمع تعشق التطيّب بأفخم العطور، مؤكدة أنها وجدت تعاوناً كبيراً من طرف الحرفية خديجة الطنيجي، التي لم تبخل عليها بأسرار الحرفة، وعلمتها أساسيات صناعة الدخون والعطور وزودتها بمعلومات وافية حول هذا المجال، حيث إن هذه الصناعة من مفردات البيوت الإماراتية التي تشذو بها منذ عصور.
خلطات الجدات
وسط بيئة نابضة بالحياة، ومساحة يتفاعل فيها الحرفيون المعاصرون مع التقليديين وحارسي التراث، للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم العميقة، في مشهدية حية تنمي الفخر والاعتزاز بالجذور، تجلس الحرفية خديجة الطنيجي في المهرجانات لتذكرنا بالدور الذي كانت تقوم به الجدات اللاتي ابتكرن أجمل خلطات العطور والدخون، واستثمرن ما تجود به الطبيعة.
ذوق الصانعة
وتسعى الطنيجي إلى نقل التراث الإماراتي للأجيال من أجل استدامته، موضحة أن الجدات تميزن بصناعة أنواع مختلفة من العطور والبخور، ومزجها بأصناف عدة من المسك والهيل ودهن العود ودهن الورد والعنبر، حيث يخضع اختيار الروائح لذوق الصانعة، مع الحفاظ على روحه الأصيلة، والحرص على التجديد في صناعته اليوم ليلائم مختلف الأذواق.
وقد ورثت الطنيجي هذه الصناعة الفاخرة عن والدتها، حيث تُعتبر من الطقوس المتوارثة منذ القدم في المجتمع الإماراتي، ومن أهم الصناعات العطرية التقليدية التي برعت فيها الجدات من حيث إنتاجها وتطويرها ونقلها للأمهات. فالدخون يُستخدم بشكل يومي في البيوت والمناسبات الدينية والاجتماعية ومجالس الضيافة، كما أنه يعبِّر عن الكرم وحسن الاستقبال، ويُعتبر مظهراً من مظاهر الأناقة والفخامة.
عبوات أنيقة
وأوردت الطنيجي أن الأمهات ورثن هذا الشغف وطوّرن فيه وابتكرن أفخر الأنواع، ويبحثن دائماً عن تركيبات عطرية جديدة وأنيقة. وأوضحت أنه في السابق كانت المواد المستعملة في صناعة البخور بسيطة وتقتصر على بعض الأنواع المتوفرة، كخشب العود الذي يُدق بطريقة يدوية باستخدام «المنحاز» و«الرشاد»، ويضاف له ماء الورد ويعجن ويوضع في صوانٍ كبيرة، ويترك لمدة 3 أيام ليتماسك ويأخذ الشكل المطلوب، ثم يضاف إليه المسك ويقطَّع إلى مربعات. أما اليوم فيختلف الأمر حيث المنافسة تدفع الحرفيين إلى وضع المنتج داخل عبوات مذهلة لاستقطاب الجمهور.
عربية وفرنسية
أوضحت خديجة الطنيجي، التي تبرع في صناعة عطور عربية وفرنسية، أن اختيار الروائح يخضع لخبرات الصانعة، مع الحفاظ على روحها الأصلية، فهناك بخور يتم تحضيره من عجينة حطب العود والمسك والعنبر، ويضاف إليها دهن العود وبعض العطور المميزة، وهناك أنواع على شكل أقراص مستديرة منها الجافة والسائلة، وأنواع عادية تعتمد جودتها على كمية العطور المستخدمة وفق الطرق التقليدية. وهي تجد سعادة كبيرة في ابتكار خلطات جديدة من العطور والدخون، معتمدة على حسها الفني.
ثقافة متأصلة
تعتبر خديجة الطنيجي أن منتوجها أصبح علامة فارقة في سوق العطور العربية، قائلة: يسعدني نقل هذا الموروث الأصيل إلى الأجيال، فالعطور ثقافة متأصلة لدى الإماراتيين، إذ يتوفر كل بيت على زاوية توضع فيها أجمل أنواع العطور والدخون، كما تتنافس السيدات على اقتناء أجمل القوارير الفاخرة.
دورات تدريبية
أشارت خديجة الطنيجي إلى أنها تمارس هذه الحرفة منذ أكثر من 30 عاماً، وتشارك في مختلف المهرجانات والمعارض التراثية داخل الدولة وخارجها ضمن عروض حية لهذه الحرفة، موضحة أنها تسهم في تقديم دورات تدريبية وورش تعليمية في المدارس، لافتة إلى أن العطور تحتل مكانة كبيرة بين أهل الإمارات وترتبط بحياتهم بشكل وثيق.