لكبيرة التونسي (أبوظبي)
تتواصل فعاليات «مهرجان التراث البحري 2024» في نسخته الثالثة، بمنطقة «ع البحر» على كورنيش أبوظبي، حتى الثالث من مارس المقبل، وسط حضور لافت وأنشطة متنوعة، تحتفي بأهل الساحل والبحّارة والصور المجتمعية القديمة التي رافقتهم من عادات وتقاليد وطقوس، عبر العديد من الفعاليات الهادفة إلى الإضاءة على إرث الأجداد البحري وترسيخه بطرق ناعمة لاستدامته للأجيال القادم.
يحظى زوار المهرجان بتجربة فريدة تتيح اكتشاف أثر التجارة والعلاقة العميقة بين الإنسان والبحر في المنطقة التي تعود لمئات السنين، وإعادة سرد قصة التراث البحري لأبوظبي، والتي تشكل حجر الأساس في تشكيل ملامح المدينة الثقافية، متضمنة الموسيقي والشعر والأزياء واللغة والمأكولات وعادات المجتمع وتقاليده.
«حق الليلة»
وضمن أجواء احتفالية وأهازيج وأغاني الأطفال القديمة، استحضر «التراث البحري» الذي تنظِّمه دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، أجواء استقبال شهر رمضان، وطقوس الاحتفال بليلة النصف من شعبان «حق الليلة» وشراء «المير الرمضاني» من القرية الساحلية، عبر مشاهد تمثيلية أداها مجموعة من الأطفال، كما استفاد الزوار من ورشة «حق الليلة» بالرسم على الحقائب، والاحتفاظ بها كذكرى جميلة، وتعرفوا على طقوس وعادات وتقاليد ارتبطت بذاكرة أهل الإمارات والتي ما زالت تمارس إلى اليوم وتشكل مصدر فخر لأبنائها.
إرث غني
قالت ميثاء حمدان بن نجد، أخصائي برامج في إدارة المهرجانات والمنصات الثقافية بدائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، والمسؤولة عن الفعاليات الرمضانية في المهرجان، إن الاحتفالية التي نظمت خلال نهاية الأسبوع الأول من المهرجان، شهدت تفاعلاً كبيراً من طرف الأسر والأطفال من الزوار الذين شاركوا في الحدث وشكلوا جزءاً منه، ضمن أجواء من الفرحة والبهجة والأهازيج والأغاني الخاصة بهذه المناسبة، لإحياء جانب من طقوس استقبال الشهر الفضيل، من خلال مشاهد تمثيلية تفاعلية يؤديها مجموعة أطفال موهوبين، والإضاءة على الإرث الغني الخاص باستقبال الشهر الكريم في «الفرجان»، وقد وصلت فرحة الأطفال إلى ذروتها عندما مروا على الأمهات والجدات في «الفريج» ليحظوا بنصيب من الحلويات بلباسهم التراثي الجميل، كما شاركوا في شراء «المير الرمضاني»، وهي عادة قديمة تم إحياؤها في المهرجان، عندما كان الأهالي يشترون كل ما يحتاجون إليه لاستقبال الشهر الكريم، ضمن أجواء تسودها قيم التعاون والتكافل والتراحم.
تجارب غامرة
لا يقتصر دور «التراث البحري» على إحياء التراث ضمن فعالياته المتنوعة وتجاربه الغامرة، وإنما يصنع جيلاً واعياً بأهمية الحفاظ على التراث واستدامته، عبر مجموعة من المشاهد والصور المجتمعية التي يؤدي دورها أطفال في مقتبل العمر، ورثوا شغف حب البحر من آبائهم وأجدادهم، خاصة أثناء رحيل سفن الغوص بحثاً على اللؤلؤ ضمن مشهد مؤثر مفعم بالمشاعر الإنسانية للمجتمعات الساحلية، وسط مشاعر توديع عائلات رواد البحر بين فرح وترقب وخوف، في ظل أناشيد «النهمة» التي ترتفع بها أصوات الغواصين، حتى عودة البحارة وسط الفرحة والبهجة.
«دروب الماضي»
قال ماجد سكر الممثل والمؤدي لعدة أدوار ومشاهد في المهرجان ضمن فعاليات «دروب الماضي» و«المير الرمضاني» وصولاً إلى «حق الليلة»، إنه يرافق الأطفال في جولتهم في «الفرجان» لجمع الحلويات، ليرسخ لديهم الموروث الثقافي والتاريخي البحري، وقد برعوا في تمثيل أدوار أبناء الغواصة، وعايشوا لحظات الوداع، والحزن والاشتياق، وكيف كافحوا من أجل الحصول على المؤونة إلى جانب أمهاتهم، بينما يشاهدون يومياً الصناع والحرفيين وهم يؤدون أدوارهم التي كانوا يمارسونها بصبر وعزيمة واجتهاد، وهذه الأمور تجعل التراث يترسخ في ذاكرتهم، ويعملون على صونه.
رسائل هادفة
يجد الزائر نفسه في «مهرجان التراث البحري» وسط أجواء تفاعلية، تدفعه لعيش تجربة حياة الأولين، ليشعر الزائر بأنه جزء من الحدث، وفي هذا الصدد، قال محمد الشحي الذي يرافق أبناءه في جولة بالمهرجان إنه استمتع بفعاليات بهذا الحدث الثقافي والتاريخي، مشيراً إلى أن للمهرجان دلالات عميقة ورسائل تعليمية هادفة، حيث إن أبناءه جالسوا بعض الحرفيين واضطلعوا على الصناعات الحرفية والتقليدية، كما شاهدوا الأطفال وهم يؤدون أدوارهم التمثيلية ببراعة، ما يجعل هذا الحدث مميزاً، ليتماهى الجميع في قصص الماضي التي ترسخ قسم التراث في وجدان هذا الجيل، ويجعله يفتخر بموروثه العريق.