مصطفى عبد العظيم (مونتريال)
للمدن حول العالم وجوه عدة ترتسم على ملامح السكان والزوار، فمنها ما تروي حكايات ضاربة في جذور التاريخ، ومنها ما تمزج بين الأصالة والحداثة في آن، ومنها ما تنسج بألوان طبيعتها لوحات فاتنة، ومنها ما يجمع كل ذلك.
مفاتيح العيش
من بين تلك الوجوه والملامح المتشابهة، هناك مدينة واحدة فقط تمنح أهلها وزوارها مفاتيح العيش في مدينتين نابضتين في ذات الزمان والمكان.. إنها مدينة مونتريال، ثاني أكبر مدن كندا، وعاصمتها الثقافية، التي تجسد حرفياً عنوان الرواية التاريخية «قصة مدينتين» للكاتب تشارلز ديكنز، بعيداً عن أحداثها التي دارت بين لندن وباريس، من خلال معايشة تفاصيل الحياة اليومية في مدينة علوية تزهو بأجواء الطبيعة الخلابة والروائع العمرانية والمهرجانات والفنون الإبداعية، وأخرى تحت الأرض تعج بمراكز التسوق والمتاجر والمطاعم المنتشرة في ممرات مكيفة تربط كل أرجاء المدنية ومبانيها ومعالمها الرئيسة في شبكة أنفاق تمتد لنحو 35 كيلومتراً، ويتنقل بينها أكثر من 500 ألف شخص يومياً على الأقدام وعبر مترو الأنفاق.

وخلال تجول «الاتحاد» في أرجاء مدينة مونتريال، ضمن الوفد الإعلامي الذي رافق رحلة طيران الإمارات الافتتاحية إلى عاصمة مقاطعة كيبيك الكندية، بدت المدنية وكأنها لوحة فسيفسائية تزهو بألوان الطبيعة وجماليات العمارة الهندسية الحديثة والقديمة التي يفوح منها عبق التاريخ، وتجسد المعنى الحقيقي للتعايش والتجانس البشري في بوتقة من الأمن والسلام.
مدينة الصيف
مع تزامن رحلتنا إلى مونتريال التي تفخر بلغتها الفرنسية كلغة أولى، تسنى لنا استكشاف المقومات والمعالم السياحية والأنشطة المختلفة في هذه المدنية الواقعة على جزيرة بين نهر سانت لورانس ونهر أوتاوا، خلال الفترة من أبريل إلى سبتمبر، وهي أفضل وقت لزيارة مونتريال، حيث يبدأ الموسم السياحي في شهر يونيو الدافئ ويستمر حتى أغسطس، بأجواء الربيع الباردة والحرارة المعتدلة صيفاً، وسط مناظر الطبيعة الساحرة والتجول بين شوارعها وأحيائها الرائعة التي تجسد حداثة المدينة مع طابع أوروبي عريق جذاب. 

وخلال هذه الفترة التي يسود فيها اللون الأخضر أرجاء المدينة، وخلال موسم الشتاء الذي تكتسي فيه المدينة بأكملها باللون الأبيض، يستمتع الزوار بجولات سياحية متنوعة لاستكشاف معالمها الشهيرة، مثل كاتدرائية نوتردام والمتاحف المختلفة، مثل متحف مونتريال للفنون المعاصرة، والاستمتاع بعروض الشوارع والمهرجانات الكبرى، وأبرزها، عروض «لو جيان» Le Geant التي يقدمها «سيرك إلويز» الشهير في أجواء مفتوحة في منطقة «فيل ماري»، فضلاً عن عروض «سيرك دو سوليه» الذي تعتبر مونتريال موطنه الأصلي. 
مهرجانات وأفلام
تشتهر المدينة بمشهدها الثقافي النابض بالحياة على مدار العام، وبمهرجانات تحتفل بالموسيقى والكوميديا والأفلام، حيث يجذب مهرجان مونتريال الدولي للجاز، عشاق الموسيقى من أنحاء العالم، وبينما يترك مهرجان الكوميديا الجماهير في حالة من الضحك، يمكن للزوار الانغماس في أجواء المدينة الفنية، من خلال استكشاف معارضها الفنية العديدة وحضور العروض المسرحية.
كما يمكن للمسافرين التطلع إلى تجربة تسوق فريدة في المحلات والمراكز التجارية على طول شارع «سانت كاترين»، الذي يزخر أيضاً بفنون الشارع في هضبة مونت رويال النابضة بالحياة، والإقامة بفنادقها الحديثة والتاريخية، فهي موطن أول علامة لفنادق ريتز كارلتون حول العالم، والذي تم افتتاحه قبل 110 أعوام في عام 1912.

وجهة سياحة وتعليمية
تعد مونتريال بالإضافة إلى مهرجاناتها وثقافتها الغذائية والفنية، مركزاً مهماً للتجارة والسياحة والتصميم، ومركزاً للصناعات بما في ذلك الطيران والنقل، والتمويل والأدوية والتكنولوجيا. وإلى جانب جاذبيتها للزوار بفضل موقعها الفريد، تضم مونتريال بعضاً من أفضل جامعات العالم، ما أكسبها سمعة كوجهة للدراسة الجامعية عالمية المستوى حيث يقصدها الطلبة من مختلف أنحاء العالم. 
مدينة الشتاء 
عندما تنخفض درجات الحرارة إلى 20 درجة تحت الصفر خلال موسم الشتاء، تحافظ مونتريال على نشاطها وحيويتها عبر تجول السكان والزوار من خلال شبكة شاسعة من الأنفاق والممرات المتصلة التي تمتد لنحو 35 كيلومتراً، تربط أركان المدينة ببعضها، فيما يبدو وكأنها مدينة مكيفة تحت الأرض، أطلقوا عليها «مدينة ريسو»، أي مدينة الأنفاق أو المدينة السفلية، والتي تم البدء بإنشائها في ستينيات القرن الماضي، عندما استضافت معرض إكسبو في العام 1967، وتوسعت مع إطلاق شبكة مترو الأنفاق.
وتضم المدينة السفلية، التي يستخدمها يومياً نحو 500 ألف شخص من سكان مونتريال، والمتصلة بالعديد من محطات المترو والقطارات والفنادق ومباني المكاتب والمتاحف والمسارح والجامعات بالمدينة، أكثر من 2000 متجر ومقهى ومطعم، والعديد من المراكز والوجهات الرائعة. وهي مليئة بأماكن تقديم الخدمات اليومية، مثل محلات الحلاقة وتصفيف الشعر وعيادات الأطباء والأسواق، كما أنها تشكل أيضاً في فصل الصيف ملاذاً للسكان للهروب من شمس منتصف النهار الحارقة ودرجات الحرارة المرتفعة.

حديقة رويال بارك
يشكل جبل رويال بارك واحداً من أجمل أماكن الحدائق العامة في مونتريال، ويجذب عشاق الطبيعة والمناظر البانورامية للمدينة التي تدهش الزوار عند الصعود إلى قمة جبل «ماونت رويال» التي كانت فوهة لبركان، وتحولت بعد ذلك إلى أعلى نقطة في المدينة بأكملها، فيما تزداد حديقة «ماونت رويال» جمالاً في فصل الشتاء حيث يغطيها الجليد. 
مونتريال القديمة
يمنح التجول في مونتريال القديمة السكان والزوار عبقاً خاصاً من الأصالة وجرعة كافية للتعرف على تاريخ المدينة، عبر المباني والكنائس العتيقة المنتشرة بالأحياء القديمة، والتي احتفظت بشكلها الخاص منذ القرنين التاسع عشر والعشرين. 
حديقة النباتات 
تحتوي هذه الحديقة على أعلى درجات الإبداع والجمال، فالنباتات فيها منحوتة بشكل متفرد من نوعه ومثير للإعجاب من قِبل الفنانين المختلفين من أنحاء العالم، فالنباتات منحوتة على شكل حيوانات وطيور وأشكال أخرى كثيرة وبألوان مختلفة، كما تضم بساتين للفاكهة ومشتلاً كبيراً وبحيرات أو بركاً تضم مجموعات متنوعة من الطيور الجميلة. 
الفنون والمتاحف
تفخر المدينة بتراثها الفني، ويتجلى ذلك في مجموعتها الرائعة من المعارض الفنية والمتاحف. ويضم متحف مونتريال للفنون الجميلة، مجموعة واسعة من الفن الدولي والكندي. وبالنسبة إلى أولئك الذين لديهم تقدير للفن المعاصر، يجب زيارة متحف مونتريال للفن المعاصر.