لكبيرة التونسي (أبوظبي)
أحمد سعيد مصلح الأحبابي، حَكَم تراثي أول وخبير عادات وآداب مجالس، نشأ في بيئة مشبعة بالعادات والتقاليد، رافق والده منذ الصغر إلى المجالس، أنصت إلى قصص الأجداد الذين كافحوا وبنوا بسواعدهم، ضمن طقوس تحترم الكبير وتقدره، ما جعله يغوص في بحر الموروث المحلي مبكراً. اختار التخصص في تحضير القهوة العربية، وقدم ورشاً تعليمية خاصة بعاداتها وتقاليدها وطقوسها التي تعيش في الذاكرة الجمعية الإماراتية، وما حولها من أدبيات وأشعار وأوصاف جميلة.

«الفئة الشقراء»
ذكر الأحبابي، أنه شارك في العديد من المسابقات، وفاز في بطولة القهوة العربية عام 2019 «الفئة الشقراء»، وهو مدرب معتمد، وأصبح حكماً في بطولة القهوة العربية منذ عام 2021 التي تنظمها دائرة الثقافة والسياحة، ضمن فعاليات «مهرجان الحصن».
وقال: نشأت في بيئة مشبعة بالعادات والتقاليد، وكنت أخدم الأكبر سناً في المجالس، تشرّبت السنع، وشاركت في بطولة القهوة العربية عام 2019 متسلحاً بالثقة بالنفس. وبالرغم من الضغوط الكبيرة التي أحاطت بالمسابقة في عرض حي أمام الجمهور، كسرت حاجز الخوف وتفوقت على نفسي، وفزت في البطولة.

بيت الموروث
الأحبابي، ابن مدينة العين، هو كذلك مدرب تراثي في العادات والتقاليد والسنع وآداب المجالس في «بيت القهوة» بـ«بيت الحرفيين» في قصر الحصن، وأسهم في إعداد كتاب «القهوة العربية»، وهو أول كتاب منهجي تعليمي متخصص في القهوة.
وهو يقدم ورشاً لتحضير وتقديم القهوة العربية التقليدية والتعريف بطقوسها وأنواعها وآدابها وأدواتها المستخدمة، ويحرص على تعزيز هذا الموروث ونقله للأجيال في المدارس والجامعات والمهرجانات، بهدف صون الموروث وحفظه.

مكانة اجتماعية
عن الدلالات المرتبطة بالقهوة، أشار الأحبابي إلى أن التقاليد والأعراف منحت القهوة مكانة اجتماعية مميزة، فهي رمز للتسامح والتصالح بين المتخاصمين في المجالس. فإذا لجأ أحد الأشخاص إلى بيت أو مجلس، وتناول القهوة، يكون في حماية أهل المكان، أما إذا رد فنجان القهوة فهذا يعتبر إهانة لصاحب المجلس.

آداب التقديم 
من آداب صانع القهوة الجلوس أمام الكوار، أو الموقد، وثني ساقه اليمنى إلى أعلى، وساقه اليسرى مثنية تحت مقعده، ثم يتم التحقق من نظافة المعاميل والقناد، ومن آداب المقهوي أو المغنم أو راعي الدلة. وكلها مسميات تُطلق على الشخص الذي يمسك الدلة ويقوم بصب القهوة للضيوف، وغالباً ما يكون الأب في حال غياب الأبناء، أو أحد الأبناء، أو الأقارب، ويجب أن يكون على دراية بآداب صب القهوة والعادات والتقاليد المصاحبة لها. ويجب عليه ألا يتجاوز المساحة المخصصة للضيف، بحيث يقف على بعد 3 خطوات، على الأقل من الضيف، وألا يتحدث مع الضيوف، ويقدم القهوة في أقل من نصف الفنجان. فإذا قدم أكثر أو أقل تُعتبر إهانة للضيف، وعلى المقهوي ألا يحدق في الضيف أثناء تقديم القهوة، وإذا اكتفى الضيف، يُسمح للمقهوي بالانتقال إلى الضيف التالي. 

مراحل التحضير
وأشار الأحبابي إلى أن تحضير القهوة يمر بعدة مراحل، هي: تحميص حبوب القهوة مع وضعها في المنسف للتأكد من خلوها من الحبوب غير المرغوب فيها، ثم تُوضع التاوة على النار وتضاف حبوب القهوة لتحميصها، ويستخدم المحماس لتقليبها وتحميصها بصورة جيدة حتى تصل إلى اللون المطلوب، أشقر فاتح أو متوسط أو داكن، ثم توضع حبوب القهوة المحمصة الطازجة في المبردة، وتحرك بهدوء للتخلص من قشورها، وتترك لتبرد قبل البدء بدقها.
وذكر الأحبابي، أن الرشاد أو المنحاز عبارة عن هاون يُستخدم لطحن حبوب البن المحمصة، ويُصنع من النحاس، ويُعتبر الصوت الصادر عنه، إشارة إلى كرم الضيافة والترحيب بالضيوف ودعوتهم لتناولها.

تراث إنساني
أُدرجت القهوة العربية عام 2015، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة اليونسكو، ولا تقتصر أهمية القهوة على الضيافة فحسب، بل هي رمز للوحدة والروابط الاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي أسهمت في تشكيل مجتمع الإمارات.

رمز للجود والكرم
تُعتبر القهوة جزءاً أساسياً من الضيافة العربية، ويعكس تاريخ المنطقة ارتباطها الوثيق بهذا المشروب، حيث إن تقديم القهوة من أهم تقاليد الضيافة في المجتمع العربي والإماراتي، فضلاً عن كونها رمزاً للجود والكرم، لذا ظلت القهوة العربية من أساسيات الثقافة العربية على مدار قرون، من ناحية طقوس تحضيرها وتقديمها.

قيم ودلالات
كانت مجالس القهوة في الماضي خير مكان لقضاء أوقات الفراغ، وتبادل الأخبار والأفكار الأدبية والثقافية، ومناقشة الأحداث اليومية، وإيجاد فضاءات أخرى لكسر حدة روتين الحياة، بالإضافة إلى ما تحمله القهوة من قيم ودلالات ومعان اجتماعية متعددة، تنظم إيقاع المجتمع.