عبد الله أبوضيف (القاهرة)
هجرة سنوية مسافتها تعادل ضعف محيط الكرة الأرضية، تقطعها طيور الخرشنة الفريدة من نوعها، فهي تهاجر من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي في أطول رحلات هجرة الطيور في العالم، وتكفي تلك المسافة لتصعد الخرشنة إلى القمر ثلاث مرات خلال حياتها. تتميز طيور الخرشنة الاستثنائية بخصائص تساعدها على قطع المسافات الطويلة، فتمتلك أجساماً صغيرة وأجنحة ضيقة مع أرجل قصيرة، ما يساعدها على الانزلاق عبر الفضاء كيفما تريد، وتدعمها خفة وزنها وجسدها المغطى بالريش الرمادي والأبيض لحمايتها من البرودة مع درجات الحرارة المنخفضة في بيئتها بالقطب الشمالي. 

تتحرك في مجموعات
تقطع تلك الطيور في الرحلة الواحدة ما يقدر بـ 60 ألف ميل في شهرين، تتحرك في مجموعات تعرف بالمستعمرات من القطب الشمالي إلى الجنوبي، مروراً بأوروبا وآسيا وسواحل أميركا الشمالية، ولهذا يمكن ملاحظتها طيلة العام، وهي تتنقل مع أقدامها الحمراء المميزة. تطير الخرشنة فوق البحار والمحيطات لتصطاد الأسماك الصغيرة، وتقدمها كفريسة أو هدية للتزاوج خلال الهجرة، ويحمل الذكر الفريسة في فمه، ويستعرض أمام الأنثى حتى توافق على مرافقته ليخلفا وراءهما بيضتين أو ثلاثاً على الشواطئ الرملية، ويكون ذلك في شهري يونيو ويوليو من كل عام.

التكيف
اهتم علماء وباحثون من جامعة إكستر البريطانية بدارسة آثار التغيرات المناخية على هجرة الخرشنة، وفوجئوا بقدرتها على التكيف مع التغيرات، وتمتلك من المرونة ما يؤهلها للتعامل مع أي تغير مفاجئ، ويعود ذلك بسبب تنقلها الدائم من وإلى بيئات مناخية مختلفة.

الخرشنة القطبية الشمالية
تغير المناخ أحد التهديدات الرئيسة التي تواجه الخرشنة القطبية الشمالية. وفقاً للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، الذي وضع الخرشنة القطبية الشمالية على قائمته الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض، إذ إنه من المتوقع أن تفقد هذه الطيور ما بين 20 % إلى 50 % من موطنها بسبب التغيرات في درجات الحرارة المرتبطة بتغيرات المناخ، والتي تؤدي إلى فقدان الفرائس، وحدوث عواصف مميتة تؤدي إلى اختلال جداول التكاثر. كما تواجه طيور الخرشنة القطبية  احتمال فقدان موطنها بسبب التنقيب البشري في أماكن مثل محمية الحياة البرية الوطنية في القطب الشمالي في ألاسكا، وهي واحدة من الأماكن المفضلة لديها للراحة أثناء هجرتها الطويلة. 

دراسة: طيور ترفض الهجرة إلى الأماكن السيئة.. وتغير وجهتها
تشير دراسة بريطانية إلى امتلاك الخرشنة ذكاءً يجعلها ترفض الهجرة إلى أماكن ذات ظروف سيئة بالنسبة لها، ويمكن أن تغير وجهتها في أثناء الرحلة إذا لاحظت أن المكان غير مناسب لها، وهذه القدرة ما تجعلها تقاوم التغيرات المناخية وتنجو منها. وجاءت الدراسة بنتيجة تخالف تحذيرات سابقة من الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة بخطورة التغيرات المناخية على الخرشنة خلال 30 عاماً بتأثيرات سلبية نتيجة فقدان تلك الطيور لنحو 50% من مساحة موطنها الأصلي وصعوبة إيجاد الفرائس بسهولة بسب العواصف الشديدة.
المرونة التي اكتشفها الباحثون في تلك الطيور تجعلها تتخطى التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، حيث كان من المتوقع أن تقل وتيرة التزاوج خلال موسم الهجرة، وأن يصبح الطائر معرضاً للانقراض، لكن ما يحدث عكس ذلك.