لكبيرة التونسي (العين) 
تتواصل فعاليات مهرجان «الحرف والصناعات التقليدية 2023» الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي في سوق القطارة بمدينة العين، تحت شعار «حرفة الأجداد، فخر الأحفاد»، وسط إقبال وتفاعل كبيرين، حيث نجح هذا الحدث الثقافي والتراثي في نسخته التاسعة في جذب جمهور عريض من مختلف أنحاء الدولة والمنطقة.
تراث غني
يشهد المهرجان السنوي التراثي، استقطاب ممارسي الحرف والصناعات التقليدية بهدف التعريف بهذا الإرث العريق، والمحافظة عليه والترويج له، وتوظيف هذه الحرف كمصدر من مصادر الدخل، في ظل إقبال كبير من طرف الزوار الذين يقصدونه للاستمتاع بفقراته التراثية والثقافية الغنية والملهمة، حيث يجدون في استقبالهم حزمة من الفعاليات والأنشطة التي ترضي أذواقهم وترقى لتطلعاتهم.
عروض حية
ضمن فضاء تراثي يجد الزائر نفسه في سفر يومي عبر مجموعة من المؤثرات البصرية واللوحات الفنية، إلى جانب العروض الحية والحرف التقليدية والورش المتنوعة، يأتي في مقدمتها الحرف اليدوية التي تعكس الترابط المجتمعي وتترجم ذكاء الإنسان القديم الذي استثمر الطبيعة في صناعة أدواته التي أعانته على أعباء الحياة، وإلى جانب الحرف والصناعات، يتضمن المهرجان ورش عمل تدمج بين التقليدي والعصري، مثل ورشة الفخار، وصناعة البخور، بينما تفوح رائحة القهوة من المكان لتجذب الزوار وتعرفهم على كرم الضيافة الإماراتية والسنع، وغيرها من المظاهر التي تشكل نقطة جذب لمتابعة هذه القصص التي تحمل الكثير من القيم بشغف واضح. 

احتفاء بالموروث
موزة خليفة النعيمي، باحث أول في إدارة التراث المعنوي في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، قالت إن المهرجان في نسخته التاسعة يحمل الكثير من المفاجآت هذه السنة، حيث يسعى لدمج الأسر المنتجة مع المجتمع المحلي، موضحة أن الحدث الثقافي والتراثي البارز في مدينة العين ينقسم إلى مناطق وأقسام عدة، منها قسم خاص بالحرفيين المسجلين في «سجل أبوظبي للحرفيين»، الذين يمثلون 10 حرف تقريباً، منها حرفة صناعة «الآلات الموسيقية»، «حياكة الملابس التقليدية الرجالية»، «الكراني»، الذي يكتب العقود ويوثّق المبايعات والمراسلات، صناعة «الكحل العربي» بالطريقة التقليدية، «صناعة الفخار»، «الخياطة النسائية» باستخدام آلة الخياطة التي كان يطلق عليها اسم «الكرخانة»، إلى جانب صناعة «الخوص»، و«التلي»، وحرفة «تعقيص» الشعر بالطريقة التقليدية (تسريح الشعر)، باستخدام مجموعة من المواد المُعطِّرة مثل «الورس» و«الياس»، وسواها من الحرف والورش التفاعلية.
طلاب الجامعات
وأشارت النعيمي إلى أن الفعّالية تركز بشكل كبير على دعم الموهوبين من الشباب، وتتيح الفرص المهنية والإبداعية الجديدة أمامهم، وتزودهم بالأدوات والوسائل اللازمة لتنمية مشاريعهم، والتعريف بها على نطاق واسع، بما يضمن تأسيس حياة مهنية مزدهرة تعنى بالفنون التراثية الأصيلة، موضحة أن المهرجان خصص قسماً خاصاً لطلاب الجامعات لدعم وتشجيع مشاريعهم الصغيرة، ضمن معايير محددة، أهمها أن يكون المشروع مستوحى من الصناعات والمهن القديمة، لضمان استمرار واستدامة هذا الموروث العريق، وهؤلاء الطلاب يشاركون بـ 10 مشاريع مختلفة. 

الأسر المنتجة
كما يضم المهرجان قسماً خاصاً بـ«الأسر المنتجة»، لدعم العائلات العاملة في هذا المجال ومساعدتها على التكيُّف مع تغيُّرات السوق، وتعزيز دخلها بالتسويق لمنتجاتها، وتشجيعها على الابتكار، وتطوير نماذج أعمالها، ويشتمل القسم على مجموعة واسعة من الحرف اليدوية التقليدية بغرض الحفاظ على الهوية الإماراتية والمهارات المرتبطة بالحرف التراثية ونقلها على مر الأجيال، وعبر ساحاته المفتوحة يعرض لزواره فنون وأسرار رياضة الصيد بالصقور، على يد صقارين محترفين يعرّفون الزوار بأنواع الصقور وطرق ترويضها والعناية بها، إلى جانب إعداد القهوة وطقوس تقديمها.
«سجل الحرفيين»
ويضم المهرجان أيضاً قسم «سجل أبوظبي للحرفيين» الذي يتيح للجمهور فرصة التعرف على دوره في حفظ وتوثيق الحرف واستدامتها، كما يقدم لمحة عن الحرف التقليدية، من خلال مجموعة من الحرفيين المهرة الذين يجسدون تلك الحرف بشكل تفاعلي وتعليمي، خاصة الحرف اليدوية التي امتهنها الآباء والأجداد والأمهات والجدات، وتوارثها الأبناء جيلاً بعد جيل، كما يتعرف الزوار على العادات والأهازيج وكل ما يتعلق بالحرف من الناحية الاجتماعية، إلى جانب قسم خاص بورش الأطفال التعليمية التي يستفيد منها طلاب المدارس في الفترة الصباحية، إلى جانب السوق التقليدي الخاص بالأسر المنتجة الدائم، بالإضافة لسوق «الكركم» القديم الذي يعرض جميع المهن القديمة، إلى جانب فنون الأداء المختلفة، وردهة المطاعم وألعاب الأطفال.

«الكُحل العربي»
ضمن متحف حي يستعرض مجموعة من الحرفيين عدة مهن برعت فيها النساء والرجال قديماً، منهم شيخة سعيد الراشدي التي تقدم طرق صنع «الكحل العربي»، ضمن ورشة حية أمام الجمهور، والتي أكدت أن الكحل عبارة عن «إثمد»، وهو حجر طبيعي صحي، كان الرجل والمرأة على السواء يستخدمانه كزينة ودواء للعين، بينما أكدت مريم الراشدي والتي تعمل على «حرفة السدو» التي تُعد من الحرف التقليدية التي عملت بها المرأة الإماراتية منذ القدم، مستخدمة صوف الأغنام ووبر الجمال وشعر الماعز لصنع تصاميم جميلة ومميزة غنية بأشكالها الهندسية التي تعكس في الغالب الهوية الاجتماعية والبيئة المحيطة بها، واستخدم هذا النوع من النسيج في صناعة الخيم أو بيوت الشعر، كما استخدمت أنواع السدو المختلفة في تزيين الخيام من الداخل وغالباً ما كانت الإبل تُزين بالعتاد المصنوع من السدو أيضاً، إضافة إلى تصاميم منسوجة تضيف حيوية وبريقاً إلى السروج والأحزمة. 
قائمة التراث الثقافي
اعترافاً بأهمية السدو، تم إدراج هذه الحرفة عام 2011 ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، وتبدو مريم الراشدي سعيدة بتجربتها، حيث يتم دمج السدو بالصناعات الحديثة بما يضمن نقله للأجيال الحالية والقادمة وبقائه ضمن الصناعات العالمية، مؤكدة أن الحرفة في أمان مادام هناك إقبالاً عليها واهتماماً بها، لاسيما عند صناعة بعض التذكارات من خلال هذه الحرفة، مثل حاملات الهاتف والمحافظ، وغيرها من التذكارات بجميع الألوان المبهجة والأشكال المتميزة.