لكبيرة التونسي (أبوظبي)
نظراً لإيمان القيِّمين على مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية «إيواء»، بدور الفن في دعم جهود التأهيل والتمكين لحالات الاستغلال والعنف والإيذاء، التي تعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة، وتأثيرها على الصحة العقلية والنفسية، تم استثمار عدة فنون ودمجها لتأهيلهن، منها الرسم والتطريز والشك والخرز، وفن «الكولاج» والفخار والتصميم وغيرها، ضمن ورش فنية تحت إشراف اختصاصيين، لإبداع لوحات تنم عن حس فني جميل، حاملة رسالة أمل وحنين، وقد نجحت هذه الورش في إعادة البسمة إلى شفاه النزلاء، وطوّرت من قدراتهن وأكسبتهن مهارات جديدة، ومدتهن بالقوة والقدرة على الاندماج وانطلاقهن في المجتمع من جديد.
عالم خاص
ضمن بيئة إنسانية آمنة، تعمل مجموعة من النساء على تجسيد أحلامهن وآمالهن وآلامهن عبر لوحات فنية، بعد أن تفوقن على مجموعة من التحديات النفسية ضمن مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية «إيواء»، وإن اختلفت جنسياتهن وأعمارهن، فإن حكاياتهن متشابهة، تغلفها القسوة والألم، إلا أن كل واحدة منهن نسجت عالماً خاصاً بها عبر الألوان والخطوط لتشعر بحرية أكبر، وتنسى ما جرى لها متعلقة بالأمل وبمستقبل جديد، من خلال تأهيل فني قد يساعدها على طرق عوالم أكثر إشراقة، خاصة وأن المركز يبذل قصارى جهده لتوفير جميع الأدوات والكفاءات لمساعدة هذه الفئة من خلال مدربات ومشرفات، مما يخفف من معاناتها ويشعرها بالأمان.
طريقة مُثلى
عائشة الظنحاني، مانح رعاية في إحدى دور الإيواء التابعة للمركز، قالت إن المركز، الذي يخصص عدة أنشطة لتأهيل الضحية وإخراجها من الحالة التي تعاني منها، بممارسة أنشطة فنية ورياضية وأعمال يدوية، يحرص على تجنيب الضحية التفكير في معاناتها، وفي أسرتها، حيث تساعدها على شغل وقت فراغها، بامتهان حرفة تعود على الضحية بمردود مادي، لاسيما أن الكثير منهن أبدى استعداداً كبيرا لإتقان بعض الحِرف، كما وجدنا في هذه الحرف الفنية طريقة مُثلى للرويح عنهن وتحرير إبداعاتهن والتعبير عما يخالج أنفسهن.
أمل وتفاؤل
وعن اللوحات التي تبدعها كالضحية، قالت الظنحاني إنها تبدأ في الغالب حزينة، ثم تعكس فيما بعد الأمل والتفاؤل، ونلمس ذلك من خلال اختيار الألوان المبهجة، التي تعبر عن الحرية الكاملة في اختياراتهن مع التوجيه الفني، موضحة أن الرسم يساعد النزيلات على البوح بأسرارهن الدفينة، مما يخفف من معاناتهن، مؤكدة أن ذلك يظهر في تدرج أعمالهن من المحزنة إلى المفرحة التي تعكس نفسيتهن، مضيفة في ذات السياق «خلال تدريبهن نتقاسم أطراف الحديث ثم تتطرق كل ضحية للتعبير عن قصتها، وتشكلها في عمل فني، وبذلك نكون قد جسدنا المشاعر والأحاسيس في شكل فني، ليظهر العمل حقيقياً صادقاً وقريباً من القلب».
كسر الصمت
من جانبها، قالت رقية الهاشمي، مشرفة سكن داخلي وإحدى المسؤولات عن إدارة الورش الفنية، إن ممارسة مختلف الفنون والأشغال اليدوية نجحت في كسر صمت النزيلات وخففت جانباً كبيراً من توترهن، لافتة إلى أنهن عكفن في الأيام الماضية على إنجاز جملة من الأعمال التي تعبر عن بلدانهن وعاداتهن وتقاليدهن، باستخدام مواد معاد تدويرها، موضحة أنها تعمل مع الحالات بشكل أسبوعي، من أجل تحرير الإبداع لديهن وتعزيز مهارات التفكير لديهن، وتعليمهن استثمار ما تتوفر عليه من مواد، مؤكدة أن الرسم والأشغال اليدوية يمثلان لغة تخاطب باعتبارهما أحب الفنون إلى قلوبهن، حيث تشعرهن بالتركيز وتبعدهن عن التفكير في الذكريات المؤلمة، كما تساعدهن على فهم أنفسهن.
«العلاج بالفن»
أشارت رقية الهاشمي، مشرفة سكن داخلي وإحدى المسؤولات عن إدارة الورش الفنية، إلى أن الكثير من الأعمال الفنية التي أبدعتها النزيلات يتم تجهيزها حالياً ليتم عرضها على هامش «مؤتمر العلاج بالفن»، الذي ينعقد في فندق إرث أبوظبي، ما بين 17 و18 من الشهر الجاري، تحت شعار«التمكين من خلال الإبداع»، والذي يعرض ما يقارب 100 عمل فني أبدعته حالات العنف والإيذاء والاتجار بالبشر التي استقبلها المركز في دور الإيواء التابعة له، بالإضافة إلى الأعمال الفنية التي يقدمها الفنانين المبدعين من شتى أنحاء الدولة، وبمشاركة نخبة من الخبراء والمختصين وقادة الفكر في مجال العلاج بالفن من شتى أنحاء العالم.