لكبيرة التونسي (أبوظبي)

تؤكد دراسات وأبحاث علمية، أن اللعب مع الأبناء يعتبر وسيلة تربوية ناعمة، تُمكِّن الوالدين من فهم مزاجية وشخصية الطفل، وتسمح بتوجيهه بطريقة سلسة، ما يسهم في تقويم سلوك الطفل تلقائياً، حيث إن تواصل الوالدين مع الابن يكسبه العديد من المهارات، ويغذي نموه الجسدي والعاطفي والعقلي، ويطور من ذاته ويعزز ثقته بنفسه، ويساعده على الابتكار، ويزيد من قابليته للتعلم وحل المشكلات وتجاوز الصعاب.
أكدت وفاء محمد آل علي، مديرة إدارة الإرشاد والاستشارات الأسرية بمؤسسة التنمية الأسرية، ضرورة فهم شخصية الأطفال، محملة الآباء مسؤولية بناء شخصية الطفل عبر الأساليب التربوية الفعالة والسليمة التي تعتمد على ‏دقة الملاحظة، وتسمح بمراقبة الطفل وتحديد سلوكياته من أقوال وأفعال، وتوجيهه بطرق مرنة للوقوف على ما هو جيد ومقبول، وعلى ما هو سيء أو مرفوض، مشيرة إلى أن كثيراً من الآباء والأمهات يجهلون فن التعامل الأمثل مع الصغار، ولا يعرفون مدى أهميته، وغالباً يقتصر الأمر مع الأبناء على توجيه اللوم أو التوبيخ لهم، بينما من الإمكان أن تساعد الملاحظات على تحديد سلوكيات بعينها وتعزيزها إنْ كانت صحيحة ومحاولة التخلص منها إنْ كانت خاطئة، مشددة على أهمية مصادقة الطفل وقضاء وقت كافٍ معه للعب والحوار والنقاش.

مفاهيم تربوية 
رحاب عبدالله الطريفي، اختصاصية نفسية، اعتبرت أن اللعب من الأنشطة الحرة التي يقوم بها الطفل من تلقاء نفسه، في أي وقت، حيث يكون غير مقيد وغير مبرمج. ومن حيث أهمية اللعب مع الأبناء، قالت الطريفي: «على كل أب أن يتساءل: متى آخر مرة لعب مع أبنائه سواء داخل البيت أو خارجه؟ وهل يفضّل الأبناء اللعب الحركي أو التعامل مع الأجهزة الإلكترونية؟»، مشيرة إلى أن اللعب يصقل شخصية الطفل، ويعزز الثقة بالنفس، ويغرس بداخله القيم النبيلة، كما يعمل على تخزين مجموعة من الذكريات السعيدة الجميلة للمستقبل، مما يساعد على تعلّم الانضباط وبناء روابط قوية مع الأهل، كما يسمح للآباء بوضع مفاهيم تربوية بطرق سلسة وسهلة، لزيادة الوعي وتقدير الذات وتحسين الصحة الجسدية والنفسية، وإطلاق العنان للخيال والإبداع والاستقلالية، كما أن اللعب يطوّر القدرات الاجتماعية، والقدرة على التعامل مع المخاطر والمواقف الطارئة، فكلما كان الطفل ذا شخصية مرنة كلما استطاع التعامل مع المواقف الصعبة وحل المشكلات التي تواجهه.

تفاعل متبادل
وأشارت الطريفي إلى أن اللعب مع الأبناء يعتبر من أسرار التفوق الأكاديمي، كما يُمكِّن الآباء من مراقبة سلوكهم وتعديله أثناء اللعب والتحدث معهم، ليشعر الطفل بالتفاعل المتبادل مع الأب، مما يسهم في تطوير العلاقة بين الآباء والأبناء، ويعزز الروابط الأسرية، موضحة أن أغلب الآباء يقضون الوقت مع أبنائهم في الدراسة والتحصيل العلمي، وهذا يعتبر من الأخطاء الكبيرة والجهل بأهمية الترفيه الذي يُعد من الوسائل التي تدعم العملية التعليمية، لاسيما إذا خصص الأب أو الأم نصف ساعة أو أقل للعب مع الابن قبل المذاكرة، حتى يتشجع الابن ويتعامل بحيوية ونشاط مع أي مادة علمية أو أكاديمية، مشيرة إلى أن الدراسة وحدها لا تكفي لتنمية مهارات الطفل، بل يجب التركيز على اللعب ومزاياه، من أجل قضاء أوقات ممتعة مع أطفالنا، ودعمهم دراسياً وأسرياً ومجتمعياً.

فوائد فسيولوجية ونفسية
فضلاً عن فوائد اللعب الفسيولوجية والنفسية، فهو يُسهم في تكوين الشخصية، واللعب يختلف من مرحلة طفولية إلى أخرى، حيث يرى المفكر «جان بياجيه»: «أنّه إذا ما تعلم الطفل عمل شيء فإنّه يعيده مراراً وتكراراً، وهذا هو اللعب»، فالطفل يكرر أيّة نتيجة سارة، يصادفها اتفاقاً، فيصبح للعب معنى آخر، فهو تكرار إيجابي، حيث يبدأ الطفل بالمقارنة بين أفعاله وبين ما يقدم إليه، وتلك هي بداية الاكتشاف، واللعب الرمزي يساعد على نمو التفكير التشخيصي، ويؤدي إلى صقل تجارب الطفل الانفعالية وتقويتها، فاللعب يعطي للطفل فرصة شبه حقيقية للتعبير عن مطالبه وعاطفته.