د. شريف عرفة
بعد أن كانت الشهرة مقتصرة على الفنانين والأدباء والشخصيات العامة، فتحت مواقع التواصل الاجتماعي الباب على مصراعيه للحصول على ذلك اللقب الذي يناضل من أجله الكثيرون: المؤثر.. أو «الإنفلونسر».. ذلك اللقب الذي يداعب الاحتياج النفسي للتقبل الاجتماعي والتقدير.. أن يرانا الناس ويعترفوا بنا ويحبونا «وهو الاحتياج الذي تستغله منصات التواصل بزر القلب!».. إلا أن بعض المفكرين يرون أنه ليس مفتاح التقبل الاجتماعي كما يظن البعض، بل هو طريق محفوف بالمخاطر.
صناعة «الإنفلونسر»
في كتابها «للمزيد اسحب لأعلى»، ترصد الكاتبة ستيفاني مكنيل كيف تتأثر ملايين النساء بما يروج له المؤثرون على منصات التواصل.. حيث تؤثر ترشيحات المؤثرين في إنستجرام على قرارات الشراء.. فالحقيقة أن الناس يتأثرون بمنشورات التواصل الاجتماعي ويستقون منها معلومات مختلفة تتعلق بأداء وظائفهم، أو ممارسة هواياتهم، بل أحياناً علاقاتهم الزوجية وتربية أبنائهم! وللأسف يمكن لهؤلاء المؤثرين أن يكونوا مدمرين، حين يروجون للعلوم الكاذبة أو النصائح الطبية الخاطئة!
هكذا أصبح العديد من المؤثرين أغنياء، حيث إن صناعة تسويق المنتجات عبر المؤثرين تقدر بأكثر من 21 مليار دولار في عام 2023 حسب الكتاب. لهذا أصبح هذا المجال أكثر جاذبية مما مضى، حيث يطمح واحد من كل أربعة من البالغين من «الجيل Z» لكسب المال من إنشاء المحتوى عبر الإنترنت!
صناعة عالية المخاطر
رغم المكسب المحتمل إلا أن الصورة لست وردية دائماً ولا تخلو من المخاطر. أولها تعاظم احتمال الفشل، نظراً لكثرة العرض وزيادة المتنافسين. بالإضافة إلى هشاشة النجاح في هذا المجال، حين تتغير شروط المنصات وخوارزمياتها باستمرار، أضف إلى ذلك أن الخطأ الواحد قد يكون كارثياً في هذه المهنة.. زلة لسان أو انفعال غير محسوب، قد يصبح «تريند» مسجل في تاريخ هذا الشخص. لتصبح حياته كابوساً أشبه بمحاربة طواحين الهواء، إذ من المستحيل الرد على كل التعليقات، أو تكذيب شائعة شخصية أو تصحيح معلومة مغلوطة لاقت انتشاراً واسعاً.. ففي عالم الـ «سوشيال ميديا» قد تكتسب الشائعة المثيرة مصداقية أكبر من الحقائق المملة!
جانب مظلم
في كتاب «الجانب المظلم لوسائل التواصل الاجتماعي: منظور علم النفس للمستهلك» يستعرض مجموعة من الباحثين المخاطر المحتملة المصاحبة للانخراط في مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من اللازم.. مثل الافتقار إلى الخصوصية. ومنها أن المؤثر قد يضطر لعرض كثير من تفاصيل حياته على الملأ، ما يجعله أكثر عرضة للتتبع أو المضايقات والتنمر والسخرية من أناس غير أسوياء.
كما أن المؤثرين قد يكونون أكثر عرضة لظاهرة الإدمان الإلكتروني.. بالإضافة إلى الإنهاك والاحتراق النفسي، الناجم عن ضغط ضرورة تقديم محتوى مستمر.. وضرورة رسم صورة اجتماعية ونمط حياة مثالي، والتصرف بطريقة توحي بالسعادة والانطلاق، حتى عند فتور الرغبة والحماس، ما قد يجعل الامتهان بهذا العمل مندرجاً تحت فئة العَمالة العاطفية!
مجرد وظيفة أخرى
ما تراه أمامك من فيديو ظريف لمؤثر يرتاد العالم ويصور ما يراه، ليس أمراً سهلاً كما يبدو. ليس مجرد هواية ممتعة، بل هو عمل حقيقي شاق. في كتاب «المؤثر: بناء علامتك التجارية الشخصية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي» ترينا المؤلفة بيريتاني تينيسي كيف أن هناك خطوات ونصائح مهنية ينبغي اتباعها لبناء مستقبل وظيفي في هذا المجال. ففي الكواليس يتطلب ظهور الفيديو الجيد عدداً من المهارات التقنية «مثل التصوير وتسجيل الصوت والمونتاج والتسويق... إلخ»، وهي عملية غير مسلية، لا تقل إملالاً عن أي عمل مكتبي! أضف إلى ذلك أن هذه المهنة يهددها شبح عدم الاستقرار الوظيفي. فهي قد تكون غير مستقرة مادياً ومحفوفة بعدم اليقين، أكثر من أي وظيفة عادية.
خلاصة القول..
أن تكون مؤثراً في الـ «سوشيال ميديا»، لم يعد أمراً سهلاً في ظل المنافسة المتنامية يوماً بعد يوم. بل يصاحبه ضغط نفسي ووقت وجهد لا يقل عن الوظائف التقليدية. فلا تنخدع عزيزي القارئ، وتقرر ترك وظيفتك كي تصبح مؤثراً، فهذا ليس سهلاً ولا جذاباً كما يبدو!