أنور عبد الخالق (أبوظبي)
أجواء ساخنة يعيشها العالم هذه الأيام بفعل الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة.. فمن يصدق أن مؤشر قياس الحرارة في متنزه ديث فالي الوطني بكاليفورنيا في الولايات المتحدة سجل قبل أيام، 129 درجة فهرنهايت، أي ما يعادل (54 درجة مئوية)، وأن اشتداد موجة الحر في أوروبا، دفع معظم المدن الرئيسة في إيطاليا إلى إصدار تنبيهات حمراء إلى خطورة الحرارة الشديدة، وأن وزارة الصحة الإيطالية طلبت من غرف الطوارئ في جميع أنحاء البلاد تفعيل ما يسمى بـ«أكواد الحرارة»، وتكليف مجموعة منفصلة من الطواقم الطبية بمعالجة الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض الناجمة عن الحرارة.

وما تعانيه إيطاليا تعيشه حالياً معظم دول العالم من دون استثناء، في وقت حذرت فيه الأمم المتحدة من موجات حرارة أشد خلال الأسابيع المقبلة، بالتزامن مع اشتعال حرائق في الغابات ونفوق الحيوانات وتلف مساحات واسعة من المحاصيل، وإخلاء العديد من المناطق كإجراء احترازي، مثلما حدث في اليونان ومناطق في الهند والصين، فيما أشار الدكتور ليون هيرمنسون الخبير في مكتب الأرصاد الجوية بالمملكة المتحدة إلى أن «من المتوقع أن يواصل متوسط الحرارة العالمية ارتفاعه، مما سيبعدنا أكثر فأكثر عن المناخ الذي عرفناه في الماضي».

وإذا كان الارتفاع الشديد في درجة الحرارة تسبب في وفاة أكثر من 60 ألف شخص في أوروبا خلال صيف العام الماضي، بحسب دراسة نشرتها  مجلّة «نيتشر ميدسين»، فالدراسة نفسها حذرت من أنّه في حال لم يكُن هناك تحرُّك فعّال فإنّ القارّة الأوروبية قد تسجّل أكثر من 68 ألف حالة وفاة في كل موسم صيف بحلول عام 2030، وأكثر من 94 ألف حالة وفاة بحلول عام 2040.

مليارا إنسان في خطر 
أكدت دراسة، نُشرت في مجلة Nature Sustainability، أنه بحلول عام 2030 سيكون نحو ملياري شخص خارج نطاق المناخ، ويواجهون متوسط درجات حرارة 29 درجة مئوية (84 درجة فهرنهايت) أو أعلى، مع نحو 3.7 مليار شخص يعيشون خارج المنطقة المناخية بحلول عام 2090. وقال تيموثي لينتون، أحد المؤلفين الرئيسين للدراسة، إن ثلث سكان العالم قد يجدون أنفسهم يعيشون في ظروف مناخية لا تدعم «الازدهار البشري»، حسبما أوضح لينتون، مدير معهد النظم العالمية بجامعة إكستر.

ووجدت الدراسة أنه إذا ارتفعت درجة حرارة الأرض بمقدار 2.7 درجة مئوية، فستكون الهند ونيجيريا وإندونيسيا والفلبين وباكستان  الدول الخمس الأولى ذات الكثافة السكانية العالية، التي تتعرض لمستويات حرارة خطيرة، وسيواجه جميع سكان بعض البلدان، مثل بوركينا فاسو ومالي، والجزر الصغيرة المعرضة بالفعل لخطر ارتفاع مستويات سطح البحر، درجات حرارة عالية غير مسبوقة.

البشر.. جناة ومجني عليهم!
الهيئة الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، أوضحت في آخر تقرير لها، أن الأنشطة البشرية تسبّبت من خلال انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بشكل لا لبس فيه، في الاحترار العالمي، إذ ارتفعت درجة حرارة سطح الأرض إلى 1.1 درجة مئوية خلال العقد الأخير، مقارنةً بالأعوام الخمسين التي تلت بداية عصر الصناعة (1850- 1900).

واستمرّ ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة حول العالم مع وجود مساهمات تاريخية ومستمرة وغير متكافئة ناشئة عن الاستخدام غير المستدام للطاقة، إضافةً إلى تغيُّر استخدام الأراضي، والأنماط غير المستدامة للحياة والاستهلاك والإنتاج. ولا تؤدي غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن الأنشطة البشرية إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية فحسب، إنما تزيد من حرارة المحيطات وتحمضّها، وذوبان الجليد البحري والأنهار الجليدية، وارتفاع مستوى سطح البحر، وظواهر الطقس المتطرفة.