سلطان الحجار (أبوظبي)
«الرجل الذي فقد ظله».. رواية كتبها الروائي المصري فتحي غانم، معتمداً على تقنية رواية متعددة الأصوات، وتمت ترجمة الرواية إلى اللغة الإنجليزية، وتتكون من أربعة أجزاء وحكايات عن انتهازي واحد، كل جزء يرويه أحد شخصيات الرواية، وهم «مبروكة الخادمة، سامية الفنانة الشابة، ناجى رئيس التحرير، ويوسف الصحفي الشاب»، التي تدور أحداث الرواية عنه، ويدعى يوسف السويفي، الذي باع روحه ومبادئه ليرتفع ويصعد ويرتقى على حساب أصدقائه القدامى بعد أن غدر بهم، ضارباً بالقيم والمبادئ عرض الحائط، لتلامس القصة رؤية فتحي غانم عن شخصيات متسلقة سادت الفترة التي سبقت الثورة.
جاءت أحداث الرواية في غاية القوة والجرأة في الزمن الذي نُشرت فيه، ووسط الظروف التي كانت سائدة في مصر حينها «سنة 1962»، والذي لا يقل أهمية عن ذلك، أن فتحي غانم استخدم شكلاً فنياً جديداً لتقديم حكايته، عبر وجهات نظر متتابعة لعدد من شخصيات تتناقض فيما بينها من ناحية الموقف والتفسير، وبالتالي فإن ما لدينا هنا حكاية تكاد تكون بسيطة وخطّية، إذ تروى خارج الإطار الحكائي الذي اختاره لها الكاتب.

صعود إلى القمة
تدور أحداث الرواية، حول حكاية صعود صحفي كبير - في الرواية -، إذ يقال دائماً إن هذه الشخصية الروائية تخفي وراءها أحد أقطاب الصحافة في مصر خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات، وهذا الصعود ينطلق في الرواية، من الحضيض إلى القمة بدءاً من بدايات سنوات الأربعين.. هذا الصحفي يدعى (يوسف)، شاب في أول عمره، ابن لأستاذ بائس الحال في مدرسة متواضعة، لكن يحدث للشاب أن يدخل، من خلال تدريس أبيه لأحد أبناء عائلة ثرية ذات سلطة ونفوذ، إلى قصر وحياة تلك العائلة ليقع في هوى ابنة العائلة الحسناء، بعد أن ارتبط بصداقة مع ابن العائلة مماثله في العمر، ولأن الطبقية تفرق تماماً بين يوسف والفتاة، لم تكتمل القصة الغرامية، ما يشير إلى أننا لسنا أمام واحدة من روايات الخيال التي تنتهي فيها الأمور نهايات حسنة، بل في عمل واقعي تماماً.

حياة بائسة
يوسف لا يفلح في تحقيق ما تصبو إليه نفسه، لكن الأمور والأنباء السيئة لن تقف عند هذا الحد، ففي مقابل فشل حكاية غرامه، يتزوج أبيه المعدم من «مبروكة»، الخادمة الصبية التي كانت تعمل لدى تلك العائلة الثرية، والأدهى من هذا أن مبروكة تنجب ابناً للأب العجوز، رغم تقدمه في السن، ليكون أخاً ليوسف، ويكون أيضاً «عاره» الذي يحاول دائماً أن يتجنبه ولا يعترف به. 
كان يوسف ترك بيت أبيه غاضباً محتجاً على الزواج في وقت كان نجمه بدأ يلمع في عالم الصحافة، الذي قيّض له أن يختاره لحياته المقبلة، ومن خلال بيئته الصحفية التي يشعر بأنها تعوّض ما فاته من حياة البؤس، يلتقي يوسف سامية الحسناء التي تحاول أن تشق طريقها في عالم الفن والشهرة، كما يلتقي أيضاً محمد ناجي، الصحفي اللامع الذي يعتبر من رجال السلطة الرابعة الكبار، وإن كان نفوذه يمتد إلى درجات السلطات الثلاث الأخرى، ليرتبط يوسف بهذين الشخصين بشكل أو بآخر ليكونا سلّمه نحو الصعود أكثر وأكثر، محاولاً أن يتناسى عاره الأسري من أبيه إلى الخادمة زوجة أبيه، إلى أخيه الصغير الذي لا يعترف به، غير أن يوسف الذي يتعامل مع واقعه الجديد بكل انتهازية ورعب من ماضيه، لا يفوته خلال تسلقه سلّم المجد والسلطة أن يدمر سامية ومحمد ناجي، حين يجد ذلك ضرورياً لتأمين مصالحه.

سقوط مدوٍ
ولكن كل هذا سوف ينتهي ذات يوم، حين تتبدل الأمور ويفقد يوسف مكانته ويسقط من فوق القمة، التي كان وصل إليها بانتهازيته وتحطيمه للآخرين وإنكاره ماضيه وتخليه عمن ساعدوه على تجاوز الصعوبات التي واجهته في حياته، كل هذا سوف ينتهي بأن يدفع يوسف غالياً، ثمن صعوده المدوي، سقوطاً مدوياً.
فبعد موت والده، نتفاجأ بأن يوسف يطرد مبروكة وابنها، لتبدأ في التعرف على طريق النضال، حين تنضم إلى مجموعة من شباب المقاومة، الذين يلجؤون إلى طبع وتوزيع منشورات ضد الفساد والظلم، آملة بألا يكون هناك ضحايا جدد مثلها، إلا أن يوسف يقوم بالإبلاغ عن زملائه الذين يتم القبض عليهم، ثم يسافر في مهمة صحفية ويعود منها كي يتزوج سعاد لكنها ترفضه مجدداً، ليفقد يوسف مكانته الاجتماعية التي وصل إليها، عندما تتغير الظروف الاجتماعية عقب قيام ثورة يوليو.

رصد الواقع
الكاتب فتحي غانم، بلغته الشيقة وأسلوبه الذكي وقسوة تعبيره ورصده الواقع، يروي لنا حكاية في أربع قصص، تدور حول «يوسف»، لتحمل في كل مرة اسم الراوي، ففي الحكاية الأولى، وعنوانها «مبروكة»، الخادمة التي تزوجها الأب، وأنجبت أخاً ليوسف، تتطرق إلى نظرتها إلى تاريخ يوسف الذي أحبته رغم كل شيء، وفي الحكاية الثانية، وعنوانها «سامية» تنظر إلى يوسف من وجهة نظرها كحبيبة، وكيف ارتبطت به وتخلى عنها حين لم يعد في حاجة إليها، ولم يتردد في التضحية بها حين صارت عبئاً عليه، بعد أن صعد سلّم المجد في وقت كان هو عبئاً عليها. 
أما الحكاية الثالثة وعنوانها «محمد ناجي»، فيرويها الصحفي الكبير وذو النفوذ، وكيف احتضن يوسف حين جاءه فتياً موهوباً لمس فيه الذكاء والفطنة، فدعمه وأمّن له العمل والمكان والمكانة، حتى جاء اليوم الذي انقلبت فيه الأمور ليحل يوسف مكان محمد ناجي، بعد أن حطمه وغدر به، ليتعرف القارئ على وجوه متعددة ليوسف من خلال تلك الحكايات الثلاث، لتأتي الحكاية الرابعة وعنوانها «يوسف»، ليروي لنا فيها يوسف نفسه حكايته، والتي لا تختلف عما كان قد رُوي لنا في الحكايات الثلاث، كما أنها لا تحاول أن تبرّر أو تثير أي تعاطف لدى القارئ تجاه هذه الشخصية الانتهازية المتسلقة.

على الشاشة
رواية «الرجل الذي فقد ظله»، تحولت إلى فيلم سينمائي بنفس الاسم عام 1968، بطولة ماجدة (مبروكة)، كمال الشناوي (يوسف)، صلاح ذو الفقار (شوقي)، علي جوهر (محمد ناجي)، سهير فخري (سعاد)، يوسف شعبان (أنور)، محمود ياسين (سعد)، ونيللي (بهية/ سامية)، سيناريو وحوار علي الزرقاني، وإخراج كمال الشيخ، والفيلم يأتي ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في السينما المصرية.
ودارت أحداثه قبل ثورة يوليو 1952، حول شوقي المكافح وصديقه يوسف السيوفي الانتهازي، الذي يصعد في عالم الصحافة على أكتاف أستاذه محمد ناجى، من أجل تحقيق طموحه متخلياً عن كل القيم والتقاليد الإنسانية، لنراه يسعى للارتباط بفتاة من طبقة أرستقراطية، ممثلة في سعاد ابنة الذوات، إلا أنه يفشل في الارتباط بها، لتبرز شخصية المتسلق يوسف، على عكس صديقه شوقي الثوري، الذي يناضل من أجل بناء عالم جديد تحصل فيه طبقته المتوسطة، بل والوطن كله على عدالة اجتماعية.
ومع زواج والد يوسف من خادمته «مبروكة» وإنجابها أخاً ليوسف، يستغل الأخير موت أبيه ويطردها وابنها، لتنضم إلى المناضلين من الشباب، بعد أن استغاثت بشوقي الذي ينقذها من الضياع بعد طردها، لتقع في حبه.

عاشق «الشطرنج»
فتحي غانم (1924-1999)، أديب مصري ولد بالقاهرة لأسرة بسيطة، تخرج في كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) عام 1944، عمل بالصحافة في مؤسسة روزاليوسف، ثم انتقل إلى جريدة الجمهورية أو مؤسسة دار التحرير رئيساً لمجلس الإدارة والتحرير، ثم عاد مرة أخرى إلى روز اليوسف حتى وفاته عام 1999 عن عمر يناهز خمسة وسبعين عاماً.

وتروي زوجته الكاتبة الدكتورة زبيدة عطا، في أحد تصريحاتها، أنه كان شخصية هادئة غير اجتماعية بالمرة، قليل الاختلاط بالآخرين، باستثناء عدد من الأصدقاء، ومنهم الصحافي والمفكر محمود أمين العالم، والمؤرخ أحمد حمروش، والفنان آدم حنين، والصحفي صلاح حافظ، أما عن هوايته الأثيرة والمفضلة فكانت «لعبة الشطرنج».
من أهم رواياته، «زينب والعرش»، و«الأفيال»، و«الرجل الذي فقد ظله» التي أصبحت في ثمانينيات القرن الماضي، إحدى أعظم الروايات الثورية التي سلطت الضوء على أحوال الشعب المصري ما قبل ثورة 1952.