لكبيرة التونسي (أبوظبي)
النشاط البدني والغذاء الصحي من أكثر النصائح التي يوصي بها الأطباء والاختصاصيون لتعزيز الصحة الجسدية عموماً والنفسية خصوصاً، حيث إن الغذاء السليم يؤثر على هرمونات السعادة والاستقرار النفسي. فهل يمكن أن يكون نوع الغذاء السبب في تدهور الصحة النفسية أحياناً؟
يشكو الكثير من الأمهات من تدهور حالة أبنائهن النفسية، وتزايد حالة القلق والاكتئاب لديهم، في وقت يتراجع فيه النشاط البدني والحركة والإحجام عن تناول الأكل الصحي، حيث أصبح الجيل يميل إلى الأكل السريع الغني بالسكريات، في ظل التقليل من الخضراوات والفواكه. وقالت رحمة حميد إن ابنتها البالغة من العمر 18 عاماً، كانت فيما سبق تمارس الرياضة وتشع حيوية ونشاطاً، لكن لظروف التحاقها بالجامعة وفي ظل انشغالها بالدراسة، باتت تلجأ إلى الأكل الجاهز في معظم الأحيان، وتوقفت عن ممارسة الرياضة، ومع الأيام أصبحت تعاني من حالات قلق زائدة، أدت إلى تساقط شعرها وتدهور حالة أسنانها.
معاناة
وأشارت ليلى الراضي (أم لـ 4 أبناء)، بينهم طفل يعاني من فرط الحركة، إلى أنها تكاد تفقد السيطرة على أبنائها المراهقين خصوصاً، حيث باتوا يرفضون تناول الأكل الصحي بالبيت، ويميلون إلى الأكلات السريعة والغنية بالسكريات والصلصات، في وقت اتسعت فيه دائرة انتشار خيارات الأكل السريع وتراجع ممارسة الرياضة وتناول الطعام أثناء مشاهدة الألعاب الإلكترونية ومتابعة السوشيال ميديا، ما ينعكس على صحة الأبناء النفسية. 
غذاء ورياضة
وبالعودة إلى عدد من الاختصاصيين وعلماء النفس والاجتماع، قالت دانة المرعبي اختصاصية علاج نفسي في «هيلث بوينت»: يُعتبر تناول الأغذية الصحية وممارسة الرياضة من أهم الأشياء التي يمكن القيام بها لتعزيز الصحة النفسية عموماً، والوقاية من العديد من المشاكل، حيث تؤكد الدراسات أن الغذاء الصحي يساهم في تحسين المزاج، كما تحفز الرياضة إفراز هرمونات السيراتونين والدوبامين التي تؤدي دوراً مهماً في تحسين الصحة النفسية وتخفيف التوتر، كما تؤثر نوعية الطعام ونسبة السكر في الدم على الطاقة، وتقوم الوجبات السريعة والأطعمة الجاهزة بالحد من هذه الهرمونات، الأمر الذي يتسبب بالاكتئاب، لذلك يجب تجنبها قدر الإمكان، وإذا كان السكر يمنح شعوراً مؤقتاً بالسعادة، إلا أن سرعان ما يزول، ما يدفع الشخص إلى الإكثار من تناول السكريات ويعرضه للأضرار.

عناصر مفيدة
وذكرت المرعبي أن نقص المغذيات الدقيقة، كالمعادن والفيتامينات يسبب الاكتئاب، لذلك يمكن الاعتماد على العديد من المأكولات الصحية، بما فيها المأكولات البحرية والخضراوات والفواكه للحد من الحالة المزاجية السيئة، نظراً لغناها بالعناصر الغذائية المفيدة، في حين يعزز النشاط البدني الحد الأدنى الموصى به على الأقل، إلى جانب الأطعمة الصحية الغنية بالمعادن والفيتامينات ومضادات الأكسدة، والتي تساعد على إفراز هرمونات السعادة في الجسم التي يتولى الدماغ مهمة إفرازها استجابة لها. ويفيد ذلك في الحد من القلق والتوتر، لذلك ننصح بالالتزام بممارسة الرياضة والاعتماد على نظام غذائي صحي، والابتعاد عن الأطعمة الجاهزة والمصنعة للحد من فرص التعرض للمشاكل النفسية. 
نظام البحر الأبيض 
وذكرت نادين هلال، اختصاصية تغذية سريرية في «هيلث بلاس»، أن الدراسات الدراسات أثبتت أن النظام الغذائي الغني بالخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات والمكسرات والأسماك واللحوم الطازجة وزيت الزيتون، وهو مماثل للنظام الغذائي لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، يحسّن المزاج ويحد من الإصابة بالاكتئاب والتوتر، ويعد من أفضل الأنظمة المتبعة لصحة القلب والشرايين والأوعية الدموية، لأنه غني بالفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية الأساسية مع وجود المواد النباتية الكيميائية phytochemicals التي تحارب عملية التأكسد في الجسم، ما يؤثر إيجاباً على الدماغ نظراً لارتباطه الفيسيولوجي الوثيق بالقلب، فاتباع هذا النظام الغذائي يمنح الجسم كميات وفيرة من البوليفينول، وهي مادة كيميائية مفيدة. واعتبرت نادين أن تناول الأطعمة غير الصحية يزيد من عمليات التأكسد في الجسم، بما يعود بأثر سلبي على الصحة، ويزيد من احتمال التعرض لأمراض القلب والشرايين.

أسلوب حياة
وفيما يخص النشاط البدني وعلاقته بالصحة النفسية، قالت هلال: الرياضة عادة صحية مهمة تعزز من إفراز هرمونات السعادة في الجسم، وفي حال اعتاد الشخص على الرياضة وجعلها أسلوب حياة، فإنها تساعده على تنظيم الطعام وتمنحه شعوراً بالرضا والإنجاز، كما أشارت دراسات عديدة إلى أن الممارسة الدورية للرياضة قد تساعد الأشخاص المصابين بالاكتئاب في تقليل جرعاتهم الدوائية، ثم إن الرياضات الجماعية مثل كرة القدم مفيدة جداً للأطفال، إذ تعزز من ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذواتهم، وتساعد في بناء شخصيتهم.
جراحة السمنة
ومع انتشار عمليات قص المعدة، وخوفاً من تأثيرها على المزاج والأعصاب، أكدت نادين هلال، أن علاج السمنة جراحياً ليس خياراً مفضلاً، وإنما هو علاج يوصي به الطبيب بعد سلسلة من الفحوص والمراجعات وعمليات التقييم الشاملة، والطلب من المريض إجراء فحص نفسي قبل تحويله لجراحة السمنة، لاسيما في ظل وجود تخصص جديد اليوم وهو الطب النفسي لجراحة السمنة Bariatric Psychiatry. وتجدر الإشارة إلى أنه ليس جميع المصابين بالسمنة مؤهلين للخضوع إلى جراحة السمنة، لا سيما مع وجود حالات صحية نفسية قد تهدد النتائج المرجوة من الجراحة، وتؤدي إلى آثار سلبية. ويحتاج جميع المرضى الذين يخضعون لجراحة السمنة إلى متابعة دقيقة لحالتهم قبل الجراحة وبعدها، نظراً لاحتمالات حدوث تغيرات كبيرة في شخصيتهم وطبيعتهم النفسية، ونظرتهم لذاتهم، فقد تكون هذه التغييرات سلبية أو إيجابية حسب كل حالة. 
هرمونات السعادة
أشارت الاختصاصية نادين هلال إلى أنه يوجد 20 نوعاً من هرمونات السعادة، والأندروفين هو الأكثر شهرة بينها، حيث يندرج تحته 5 هرمونات: الدوبامين والسيروتونين والأوكسايتوسين والأستروجين والبروجسترون. وكل هذه الهرمونات تمنح الإحساس بالسعادة، وقد تعزِّز أطعمة عديدة إفراز هذه الهرمونات، منها الشوكولاتة والقهوة والسكريات والأطعمة السريعة، إلا أننا ننصح بتناول الأطعمة الصحية لتعزيز هذه الهرمونات، مثل السكريات الصحية الموجودة في الفواكه، والشوكولاتة الداكنة قليلة السكر. كما أن التمارين الرياضية أيضاً تحسّن المزاج وتحفز هرمونات السعادة، وهنالك دراسات تشير إلى أن الموسيقى أيضاً تساهم في إفراز هذه الهرمونات، وتوجد اليوم مراكز طبية لعلاج مرضى الأورام السرطانية بالموسيقى لتحسين حالتهم المزاجية.

صحة عقلية
ومن جانبها، أكدت الدكتورة تغريد المحميد، استشارية الجراحة العامة في مستشفى الزهراء بدبي، أن العلاقة بين التغذية والصحة النفسية وثيقة، لأن الطعام الذي نتناوله يؤثر على وظائف الدماغ والتوازن النفسي، فضلاً عن أن التغذية السليمة والمتوازنة تعتبر جزءاً مهماً في دعم الصحة العقلية والوقاية من الاضطرابات النفسية. وقالت إن تناول الأطعمة الغنية بالمغذيات الأساسية مثل الفيتامينات والمعادن والأحماض الدهنية، يعزِّز صحة الدماغ ويحسِّن المزاج، ويقلل القلق والاكتئاب، فمثلاً الأغذية التي تحتوي على نسب عالية من «الأوميغا 3» مثل الأسماك والمكسرات وبذور الكتان، مفيدة لصحة الدماغ، كما تقلل من خطر الاكتئاب، فيما يزيد النمط الغذائي غير الصحي، والذي يتمثل في تناول المشروبات الغازية والوجبات السريعة المشبعة بالدهون أو السكر المضاف، من خطر الإصابة بالأمراض الدماغية، مثل الخرف وتدهور الوظائف العقلية.